الأحد، 9 مايو 2010

للشاعر المصري د. أحمد حمدي والي
* ألقيتْ في المؤتمر العام لنصرة غزة بمدينة المنصورة بمصر*

شيِّد جدارك
واصنع من الفولاذ عارك
وانقش على سيناء وشْم الذل ولتكشف عوارك
أسكرتنا كذبًا.. وسُقت على مسامعنا من الزور انتصارك
أغلقتَ ظهر الأرض كيْما يذعنوا
فتألقوا في صبرهم.. وهُزمت أنت ومَن أثارك
ألجأتهم بطن البسيطة علّهم
أن يدخلوا بعض الدواء إذا تعَاظم جرحهم
أو يدخلوا بعض الطعام إذا تجبَّر جوعهم
وأَبَـيْت ذاك... فرُحت ترسل مستشارك
من أي "غيـْطٍ" جاء لا أدري.. فما ذنب الكنانة كي تُنـصِّبها حمارك
ليقول للدنيا بأن الغدر شيمتكم
وأن سيادة الأوطان أن تقتل جارك
وسيادة الأوطان يلزمها جدارٌ يمنع الأنفاق أن تكسو الصغار
ويُؤمِّن المحتلَ في تلك الديار
فغدوتَ تُصليهم حصارك
شيِّد جدارك
واحشد عليهم ألف سجان..
وقل للعلقمي كفيتكم.. فاحفظ تتارك
واقرأ على الأعداء سِفر الذلِّ.. ثم اقرأ على نعش العروبة ما تيسر من "تبارك"
واشرب مع الأقزام من حكامنا
نخْب الفضيحة من دموع صِغارنا.. والعن صَغـَارك
ما عاد يؤلم أهل غزة فعلكم
مَن يطلب النصرة ممن.. قد تصَهْين أو تَمَارك
لو كنت حرًّا ما فعلت.. ولا أسأت لمصرنا
ولَصُنت في الدنيا دِثـَارك
لكنني والكل يعلم واثقًا.. ليس القرار هنا قرارك
لن تغفر الأجيال سوء فعالكم
وشواهد التاريخ لن تنسى عِثارك
شيد ففوق العرش ربٌ قادرٌ
والشعب فوق الأرض يشتاق اندحارك
غامق

كيفَ سأُوقفُ هذا المدَّ اللاقوميَّ ،

وهذا الفكرَ التجزيئيَّ ،

وهذا المَطَرَ الكبريتيَّ ،

وهذا النَزفَا ؟

كيف نُعبِّرُ عن مأزِقِنَا ؟

كيف نُعبِّرُ عمَّا يُكْسَرُ في داخِلِنَا ؟

كيفَ سنتلو آيَ الذِكْرِ على جُثَّتِنا ؟

إِنَّ مباحثَ أَمْنِ الدولةِ تطلبُ منَّا

أَنْ لا نَضْحَكَ ..

أَنْ لا نَبكيَ ..

أَنْ لا ننطُقَ ..

أَنْ لا نَعْشَقَ ..

أَنْ لا نلمِسَ كفَّ امرَأَةٍ ..

أَنْ لا نُنْجِبَ ولداً ..

أَنْ لا نُرْسِلَ أَيَّ خِطابٍ

أَنْ لا نَقْرَأَ أَيَّ كتابٍ

إِلا عنْ أَحْوَالِ الطَقْسِ ، وإِلا عَنْ أَسرَارِ الطَبْخِ

فتلكَ قَوَانينُ المَنْفَى ...

يا سيِّدتي :

ماذا أفعلُ لو جاءَتْني أُمِّي في الأَحْلامْ ؟

مَاذا أَفْعلُ لو ناداني فُلُّ دِمشْقَ ..

وعاتَبَني تُفَّاحُ الشَامْ ؟

ماذا أَفْعَلُ لو عَاوَدَني طَيْفُ أَبي ؟

فالتجأَ القَلْبُ إِلى عَيْنَيْهِ الزَرْقَاوَيْنِ ..

كسِرْب حَمَامْ ..

يا سيِّدتي :

كيفَ أقولُكِ شِعْراً ؟

كيفَ أقولُكِ نَثْراً ؟

كيف أقولُكِ ، يا سيِّدتي ، دُونَ كلامْ ؟

7

كيفَ أُبَشِّرُ بالحُريَّة ..

حينَ الشمسُ تواجهُ حكماً بالإِعدَامْ ؟

كيفَ سآكُلُ من غير طَعَامْ ؟

يا سيِّدتي :

إِنِّي رَجُلٌ لم يَتَخَرَّجُ من بَارَات السُلْطَةِ ،

في أَحَدِ الأَيَّامْ ...

أَو أشْغلتُ وظيفةَ قِرْدٍ ..

بينَ قُرُودِ وزاراتِ الإِعلامْ !!

يا سيِّدتي :

إِنِّي رجلٌ لا أَتَوارَى خَلْفَ حُرُوفي

أو أتخبَّأُ تحتَ عَبَاءةِ أيّ إِمَامْ ..

يا سيِّدتي : لا تَهْتَمِّي .

فأنا أعرفُ كيفَ أكونُ كبيراً ..

في عَصْر الأَقزامْ ...

*

8

يا سيِّدتي : لا تَهتَمّي

حتَّى أَفْتَحَ نَفَقَاً تحتَ البَحرِ ..

وأثقبَ حيطانَ المَنْفى .

لا تَهْتَمِّي ..

لا تَهْتَمِّي ..

لا تَهْتَمِّي ..

إِنَّ المَنْفَى في غاباتِ الكُحْلِ الأَسْوَدِ

ليسَ بمنْفَى ...

لا تَهْتَمِّي ..

إِنَّ المَنْفَى في غاباتِ الكُحْلِ الأَسْوَدِ

ليسَ بمنْفَى

الوطنِ العربيِّ



في الوطنِ العربيِّ ترى أنهارَ النّفطِ تسيلْ
لا تسألْ عن سعرِ البرميلْ
والدّمُ أيضاً
مثلَ الأنهارِ تراهُ يسيلْ
لا تسألْ عن سعرِ البرميلْ
والدّمعُ
وأشياءٌ أخرى
من كلِّ مكانٍ في الوطنِ العربيِّ تسيلْ




لا تسألْ عن سعرِ البرميلْ
فلكلِّ زمانٍ تجّارٌ
والسّوقُ لها لغةٌ وأصولْ

النّملةُ قطعتْ رأسَ الفيلْ
والبّقةُ شربتْ نهرَ النيل
والجّبلُ تمخّضَ.. أنجبَ فأراً
والفأرُ توّحشَّ يوماً.. وافترسَ الغولْ
والذّئبُ يغنّي يا ليلي..يا عيني
والحرباءُ تقولْ بلباقةِ سيّدةٍ تتسوّقُ في باريسَ:
"تري جانتيلْ" معقولٌ..؟
ما تعريفُ المُمكنِ والمُتصوّرِ والمعقولْ؟

يا قارىء كلماتي بالعرضِ
وقارىء كلماتي بالطّولْ
لا تبحثْ عن شيءٍ عندي يدعى المعقولْ
إنّي معترفٌ بجنونِ كلامي
بالجّملةِ والتّفصيلْ
ولهذا لا تُتعبْ عقلكَ أبداً
بالجّرحِ وبالتّعديلْ
وبنقدِ المتنِ وبالتّأويلْ

خذها منّي تلكَ الكلماتُ
وصدّقها من دونِ دليلْ
بعثرها في عقلكَ...
لا بأسَ إن اختلطَ الفاعلُ بالفعلِ أو المفعولْ

الفاعلُ يفعلُ
والمفعولُ به يبني ما فعلَ الفاعلُ للمجهولْ
هذا تفكيرٌ عربيٌ عمليٌ شرعيٌ مقبولْ
في زمنٍ فيهِ حوادثنا كمذابحنا
ومآتمنا
أفعالٌ تبنى للمجهولْ



خُذ مثلاً
ضاعتْ منّا القدسُ
وقامتْ دولةُ إسرائيلْ
من المسؤول؟
فعلٌ مبنيٌّ للمجهولْ
خذ مثلاً دبّاباتٌ ستٌ في بغدادَ
ونشراتُ الأخبارِ تقولْ:
سقطتْ بغدادُ





من المسؤولْ؟
فعلٌ مبنيٌ للمجهولْ

خُذ مثلاً في الوطنِ العربيِّ
ترى أنهارَ النّفطِ تسيلْ

لا تسألْ عن سعرِ البرميلْ
والدّمُ أيضاً
مثلَ الأنهارِ تراهُ يسيلْ
لا تسألْ عن سعرِ البرميلْ
والدّمعُ
وأشياءٌ أخرى
من كلِّ مكانٍ في الوطنِ العربيِّ تسيلْ





لا تسألْ عن سعرِ البرميلْ
فلكلِّ زمانٍ تجّارٌ
والسّوقُ لها لغةٌ وأصولْ
أمّا نحنُ البُسطاءُ
فأفضلَ ما نفعل ان نفرحَ حينَ يفيضُ النّيلْ
أن نحزنَ حين يغيضُ النّيلْ
أن نرقصَ في الأفراحِ
ونبكي في الأتراحِ
ونؤمنَ أنَّ الأرضَ تدورُ بلا تعليلْ
والموتُ هنا مثل الفوضى
والرّيحِ يجيءُ بلا سببٍ
وبلا تعليلْ
والحربُ هنا حدثٌ ميتافيزيقي
فاعلهُ إنسانٌ مجهولْ
وضحيّتهُ أيضاً مجهولْ



هذا تفكيرٌعربيٌ عمليٌ شرعيٌ مقبولْ
في زمنٍ فيهِ حوادثنا كمذابحنا
ومآتمنا
أفعالٌ تبنى للمجهولْ

فعلٌ مبنيٌّ للمجهولْ
عفويٌ مثل شروقِ الشّمسِ
بديهيٌ مثل التّنزيلْ

أمرٌ مفروضٌ حتميٌ
وقضاءٌ مثل قضاءِ اللهِب
لا تبديلْ
فعلٌ مبنيٌ للمجهولْ
وعلينا أن نصبرَ دوماً
فالصّبرُ جميلْ

ما أسخفها تلكَ الجّملةُ ... "الصّبرُ جميلْ"
ولدتْ جملاً أخرى تُشبهها
خُذ مثلا الخوف جميلْ
الذّلُّ جميلْ
الموتُ جميلْ
الهربُ من الأقدارِ جميلْ
وجميلٌ أن يُقتلَ منّا في غزّة يوماً مائةُ قتيلْ
وجميلٌ أن ننسى في اليومِ التّالي
ـ فالنّسيانُ جميلْ وجميلٌ ـ
أن تأتينا أمريكا بجيوشٍ وأساطيلْ





وجميلٌ أنْ تحترقَ الأرضُ
فلا يبقى زرعٌ ونخيلْ
وجميلٌ أنْ تختنقَ الخيلُ
فلا يبقى نزقٌ وصهيلْ
وجميلٌ أنْ تتهاوى كلُّ عواصمنا كي تبقى دولةُ إسرائيلْ
كفرتُ بكلَِ حوادثنا المبنيّةِ دوماً للمجهول





ياربِّ
هي وهمٌ
كالنّملةِ والبّقةِ
نحنُ جعلناها كالفيلْ
وتركناها تتدحرجُ فوقَ خريطتنا يوماً كالفيلْ
وتدوسُ علينا مثل الفيلْ
وتدكُّ قُرانا مثل الفيلْ

ياربِّ
هذا الوهمُ الملتفُّ على الأعناقِ
إذا قررنا يوماً
سوفَ يزولْ

الموتُ الموتُ..لإسرائيلْ
الموتُ الموتُ..لإسرائيلْ
الموتُ الموتُ..لإسرائيلْ.