حضر فريق صحفي من مجلة Noticias Magazineالبرتغالية مع مانويل جوزيه في عودته الأخيرة ليرافقه على مدى اسبوع مجرياً حواراً صحفياً عن رحلته مع الأهلي وتفاصيل حياته الشخصية وماذا حدث في بورسعيد بعنوان "مانويل جوزيه..رحلة مع البرتغالي الذي يعامل كبطل في مصر"

مبتدئاً حواره الطويل مع مجلة “Noticias Magazine”قال جوزيه بأنه لم يكتب قصة حياته بعد لأن الكاتب بابلو نيرودا استعان بإسم كتاب قصة حياته في احدى كتبه بعنوان "أعترف بأني عشت حياتي" وهو السبب الذي منع جوزيه الذي ترك بلدته فيلا ريال دي سانتو في عمر الـ16 ليصبح لاعب ومدرب للكرة من أن يوافق على العروض الكثيرة من الناشرين البرتغاليين ليحكي قصة حياته لهم في كتاب يتم نشره.

الا أن البرتغالي وافق أن يرافقه من البرتغال في رحلته الأخيرة فريق عمل كبير من المجلة البرتغالية الشهيرة ليحكي لهم ومضات من تاريخه مع الأهلي الذي يمتليء بالأحدث السعيدة والحزينة والدامية مؤخراً.

يشرح جوزيه بأنه يشعر بأن الجماهير والجميع يعاملوه بأنه "رمز" وهو ما يجعل قراراته بعيدة عن أي منطق كعودته الى مصر بعد مجزرة بورسعيد، هو يعلم بأنه قد يكون قرار "غير حكيم" لكنه نابع من ترابطه غير الاعتيادي بالفريق الذي يدربه وهو الأهلي المصري الذي يشابه في منافسته مع الزمالك ما يحدث بين الريال مدريد والبرشلونة.

في بداية الرحلة الى القاهرة قال لهم جوزيه بأنه لا يخشى أن يقول علناً رأيه فيما رآه في بورسعيد بأنه "إغتيال مدبر" على الرغم محاولة الاعلام والكثيرين طمس الحقيقة وعدد الشهداء الذي يقول جوزيه بأنه ارتفع حسب ما ابلغوه اللاعبين الى رقم يقارب الـ130 شهيد.

ويتحدث الصحفي الذي أجرى الحوار بأننا للمرة الأولى نرى ما يتحدث عنه الإعلام البرتغالي عن معاملة المصريين لجوزيه فلقد واجهنا صعوبة في الخروج من المطار على الرغم من محاولة جوزيه ابقاء موعد الوصول سرياً الا أن بعد خروج الجميع من الجمارك في مطار القاهرة وجدنا جماهير للأهلي تغني وتهتف لجوزيه وتتحدث عن تشجيعها للفريق حتى الموت.


ثم نظر اليهم جوزيه وقال "ان هذا يحدث كل مرة وهو ما اعتدت عليه" ليبدأ الجمهور المصري في الاقتراب منه وتحيته ومحاوطته والقاء قبلات على خده ليحيطه رجال من الأمن لاخراجه الى السيارة التي تنتظرهم.

وفي الطريق تحدث جوزيه عن عودته بعد مباراة الصفاقسي قائلاً "الطريق من المطار في هذا اليوم لم يكن فيه سيارات لقد توقف السير لتحيتنا عندما عدنا. لقد وقف جماهير الأهلي على صفي الطريق للغناء وتحيتنا ومن كان منزله مطلاً على الطريق وقف على الشرفة ليرمينا بالورود رافعاً أعلام الأهلي...أنه يوم لا ينسى في حياتي"

وتحدث عن علاقته بالجماهير قائلاً كنت أسير بجوار الفندق في إحدى الأيام ليقترب مني "ميكروباص" حتى كاد أن يصدمني وفجأة يتوقف السائق ليترك السيارة ويأتي طالباً التصوير معي فقلت له "هذا سيكون احتفالاً بنجاتي من قيادتك المجنونة" وقبل الوصول الى فندق الماريوت قص جوزيه على الفريق الصحفي عودته للأهلي في مناسبتين الأولى بعد استقالته من بلنسيس البرتغالي وما فعله جمهور الأهلي في المطار وهي الفترة الأنجح في تاريخه مع الأهلي من حيث البطولات.

والأخرى عندما عاد من تدريب إتحاد جدة وكان الأمر كحفل موسيقي في المطار، وعند الوصول الى الفندق وجد الصحفيين البرتغاليين حقيقة ما قال عنه جوزيه من عمال ونزلاء الفندق حيث استقبل مانويل جوزيه كبطل قومي. وتحدث لفريق العمل رجل اعمال من المعتادين على الفندق وهو محمد درويش تاجر للتحف واللوحات الفنية بأن جوزيه جعله يتحول من تشجيعه للزمالك الى أن يكون أهلاوياً وهو أمر ليس بالسهل حدوثه في مصر. وأكمل لهم بأن جوزيه يستحق أن يكون اسمه في كتاب جينيس للأرقام القياسية نظراً لعدد البطولات التي حققها مع الأهلي.

وأكمل الصحفي بأن الأمر لم يكن مغايراً عندما اصطحبنا جوزيه الى استاد التتش في الأهلي في اول يوم تجمع للاعبين بعد التوقف وهو ما شهد ازدحاماً اعلامياً كبيراً كانت معظم اسئلته عن عودته الى مصر وعن رأيه في استمرار الدوري من عدمه.


وقد قال جوزيه خلال تجمع الفريق الأول بأنه نجح في تحويل اللاعبين من لعب الكرة بشكل عشوائي الى فرض أسلوب لعبهم وتحويل امكانياتهم الفنية الى نجاح وفوز جعلت من الجيل الجديد في مصر معظمه من جماهير الأهلي خاصة المراهقين تحت 18 سنة وهي الطبقة التي استشهد منها العدد الأكبر في بورسعيد.

وبصوت فيه تأثر كبير قال لهم جوزيه "أحد الجماهير ويقصد أنس محيي الدين كان سنه 14 عاماً عندما استشهد في بورسعيد وأنا أذكره من صورتي معه وهو شيء لا ينساه أي انسان يملك قلباً يخفق مهما طالت حياته"

وعلى الغداء تناول جوزيه السمك الذي قال بأنه طبقه المفضل وفي سؤاله عن تركه لزوجته في البرتغال قال الآن نملك حفيدة في شهرها الثالث لذا فزوجتي الآن تؤدي دور الجدة في البرتغال. وقال هي لا تخاف من العودة فقد شهدت معي ثورة يناير في التحرير وكان الأمر رائعاً ...لقد نعتتني بأني مجنون ليس بسبب العودة بعد الثورة او الآن ....لكن في إحدى المرات التي قررت فيها أن أمنع جماهير الأهلي عن حضور التدريب لأسباب فنية قائلة "انت تترك الجماهير واقفة صفوفاً خارج النادي" فأجبت بأني لن أسمح بعودتهم حتى ينجح اللاعبون في استعادة مستواهم الفني حينذاك.

وقال جوزيه بأنه لا يخشى الموت فقد زامله منذ الصغر عندما قرر ترك منزله وهو صغير للاعتماد على نفسه في لشبونة عندما كان في الـ16 لكنه يخشى دائماً خسارة من يحب الا أنه اعتاد على هذا بسبب تنقله الكثير. وعندما سأله الصحفي البرتغالي عن شعوره عند اجتياح الملعب قال جوزيه "أنا براجماتي! هذا الأمر لم يكن الأول لي في حياتي فلقد حدث لي سابقاً في البرتغال"

وقص جوزيه قصته مع الاجتياح السابق قائلاً "عندما كانت البرتغال تحت الحكم الدكتاتوري لأنطونيو سالازار كنت معاراً من بنفيكاً الى فريق اسمه "فارزيم" وكنا نلعب أمام الأتليتيكو وحصلنا على ضربة جزاء في وقت متأخر قبل اجتياح الجمهور للملعب. هو ما تكرر 3-4 مرات في حكم سالازار احداهم عندما خسر بنفيكا.

وتوقف جوزيه ليقارن بين الحادثتين قائلاً "لكن هناك فرق كبير بين ما حدث في البرتغال وما رأيته في مصر، هناك كان الأمر كروياً وهو ما يحدث في العديد من المباريات حول العالم، أما في بورسعيد فالأمر بالنسبة لي كان اغتيال مدبر. في البرتغال كان هناك دكتاتور اسمه سالازار أما في مصر فهناك قتلة أحرار، ولا يجب لوم أي من الشعب المصري على ما حدث فهو شعب رائع ويملك قلباً من أطيب القلوب خاصة وأنه يعاني من فقر كبير في طبقة هي الأكبر في مصر"


وتحدث فريق العمل الصحفي عن الإجتماع الأول للاعبين قائلين أن جوزيه لم ينجح في اقناعهم في غرفة اللاعبين بالعودة للتدريب في هذا اليوم بل شاهدنا معظم الفريق يغرق في بكاء هستيري عندما بدأوا في سرد ذكريات بورسعيد وقال الصحفي المرافق لجوزيه "على الرغم أنني لم أفهم العربية لكن كان واضحاً الجو المشحون والعاطفي من تصرفات وبكاء اللاعبين وانهيارهم وهم ليسوا من الناشئين بل لاعبين على أعلى مستوى حملوا كؤوس أفريقيا كلاعبين وكمنتخب"

وقال اللاعبين بأن جوزيه قال لهم في يناير 2011 قبل الثورة جملة حفظوها عن ظهر قلب وهي "ما هو أسوأ من الخسارة هو ألا تقاتل من أجل الفوز" وهي ساعدتنا في تخطي ما حدث في الثورة وهنا تحدث جوزيه في غرفة اللاعبين قائلاً "اذا توقفنا على اللعب والأداء والفوز والنجاح، نكون فعلنا ما يخدم القاتل. علينا أن نعود بقوة من أجل من سقط ومن أجل عائلاتهم وزملائهم واصدقائهم وباقي الجماهير فالأهلي لن يموت حتى اذا حاولوا فعل هذا بالقتل المدبر"

وقال جوزيه بأنه قام بتأجيل التدريب ثلاثة أيام حتى يهدأ اللاعبون بعد أن أفرغوا الشحنة العاطفية الكبيرة ولكنه يخشى بأن مع الوقت ستتحول هذا الشحنة الى غضب كبير منه ومن اللاعبين مع تأخر صدور نتيجة التحقيقات وحبس المسؤولين عن المجزرة...واستطرد جوزيه قائلاً "سيكون عدم معاقبة المدبر والمسؤول هو قمة الظلم اذا حدث"

وعند سؤاله عن رأيه في الشعب المصري قال "أنظر للاعبي الأهلي ...فهم نسخة مصغرة تماماً من الشعب المصري ..يملكون الطيبة والسكينة والمسالمة وخفة الدم. هناك وعي اجتماعي لكل لاعب على الرغم من الإحترافية والمرتبات التي يتقاضونها فهم لديهم حس وطني وشعبي يتخطى أي مصالح مادية لهم. النادي الأهلي شهير بمبادئه وهؤلاء اللاعبون يعطوا درساً في الحياة لرفضهم العودة للمنافسات المحلية بدون اعادة حقوق من سقط"


واستعاد جوزيه ذكريات طفولته في البرتغال قائلاً "النظام الدكتاتوري لا يفرق في اي بلد فهنا قتلوا الأطفال أما في البرتغال عندما كنت أملك من العمر أربعة أعوام تم اقتياد والدي الى السجن فقط لأنهم اشتبهوا بأنه شيوعي واضطرت والدتي للنزول والعمل من أجلنا وأنا ذهبت للسكن مع خالتي لعدم قدرتها تركي في المنزل بمفردي"

وأكمل جوزيه قائلاً "الدكتاتورية تحتاج لتجهيل شعبها أو السيطرة عليه بأي وسيلة هناك في البرتغال استعملوا الدين حيث كان الكاردينال الخاص بالكنيسة هو الرجل الثاني في الدولة في فترة الدكتاتورية!"

وقال جوزيه "أنا لا أجد مشكلة في الدين عندما لا يتم استغلاله سياسياً فلاعبو الأهلي يستعملوا في بعض المباريات فترة الإستراحة بين الشوطين للصلاة..عند بداياتي مع الفريق لم أفهم الأمر ولكن مع الوقت شرح لي اللاعبين بأنه واجب ديني وأصبح الأمر شيئاً عادياً وأصبحت أضع برنامجي التدريبي ليتناسب مع وقت الصلاة."

وإستعمل جوزيه مثالاً بأن أحد اللاعبين في الأهلي تزوج الزوجة الثانية فعندما علم جوزيه قال له "مع أن الأمر قد يلقي عليك ضغطاً مادياً واجتماعياً زائداً ...الا أنني لا يهمني ما تفعل في حياتك الخاصة طالما لم تؤثر على ادائك في الملعب وهو ما يهمني"

وانطلق الفريق الصحفي مع جوزيه لتناول الغذاء بعد انتهاء اجتماع الجمعة الصباحي المليء بالأحداث العاطفية. وعند وصولهم الى مطعم الفندق قام العمال بمناداة مدير المطعم ليطلبوا تجهيز طبق جوزيه الشهير وهو "سلطة الأخطبوط مع الخل والليمون" وتحدث جوزيه عن عشقه للحضارة الفرعونية قائلاً للصحفيين "هل حاولتم الذهاب الى الهرم...والدخول الى غرفة الملك..أنه شعور مختلف عن أي شعور رغم عدم قدرتي دائماً على السير في الممر الضيق في هرم خوفو".

وتحدث جوزيه عن عدد زياراته للمتحف المصري حيث أصبح معروفاً لدى المرشدين وبعضهم قام بشرح تفاصيل الحضارة الفرعونية مجاناً رافضاً تلقي اجرته بداعي أن جوزيه أعطاه كأهلاوي من السعادة ما لا يمكن مقايضته بأي مال"

وفاجأ جوزيه فريق العمل البرتغالي بالحديث عن الأدب العربي والمصري قائلاً "انا قرأت لنجيب محفوظ وهو الأديب الذي تستمتع بشرحه للواقع المصري تاريخياً وقرأت أيضاً للأديب اللبناني أمين معلوف"

وشرح جوزيه لفريق العمل البرتغالي بأنه يكره "مسجل الصوت" الذي يستعمله الصحفيين وهو أحد أسباب عدم اجرائه مقابلات كثيرة في حياته وقام بقص أحداث مضحكة حدثت له في مصر والبرتغال لكنه أصر الا تكون للنشر.

وعلى الرغم من تهرب جوزيه من الإجابة على ارتباط السياسة بكرة القدم في مصر الا أن الصحفيين من خلال متابعتهم للنقاش الذي حدث في غرفة اللاعبين كتبوا في حوارهم مع جوزيه "بأن كل ما حدث كان رهين السياسة" وأن من الواضح أن شعبية الأهلي الجارفة واخلاص جماهيره له بشكل نادر يجعله محط محاولة الإستهلاك والإستغلال السياسي على الرغم من محاولات ادارته الحالية والسابقة لمنع اقحام اسم الأهلي في السياسة"

وفي سؤاله عن رأي اللاعبين في عودة الدوري قال جوزيه "ألم ترى ..أنهم غاضبين بشكل كبير وقرارهم منتهي في عدم العودة للكرة في حال عدم الإقتصاص من الفاعل والمدبر وهو اجماع بينهم لكن ما نستطيع فعله هو السفر للعب مباريات ودية خارج مصر استعداداً لأفريقيا حتى لا يفقد اللاعبون تركيزهم ونلقى هزيمة لن يذكر منها التاريخ أي تفاصيل سوى نتيجتها مع عملاق القارة الأفريقية"

وفي اجابة عن السؤال المعتاد وهو من أين اتت شهرة جوزيه في مصر بهذا الشكل..أجاب الساحر قائلاً "لا استطيع ان افسر هذا بالرغم من نجاحي مع الأهلي فهناك مدربين عالميين ناجحين بنفس الشكل الا أنهم لم يتم أخذهم على أنهم رمز كبير يتم معاملته كما أعامل في مصر"

وضحك جوزيه قائلاً "لقد اصبحت كليو ميسي وكريستيانو رونالدو مع الجماهير رغم انه امر خاص باللاعبين وليس المدربين" وأكد فريق العمل البرتغالي على هذا ان عند دخول جوزيه للفندق أو أي مكان يأتي له مديره قائلاً ...اذا هناك أي مشكلة فاعتبرها محلولة ..فأنت مانويل جوزيه! لم نتوقع أن نشاهد هذا مع رجل برتغالي وليس مصري لكنه يعامل بقدر كبير من الحب والإحترام لم نشاهده في حياتنا.


وسرد جوزيه رحلته الأخيرة من البرتغال الى القاهرة بأن حقيبة يده كانت تزن اكثر من كل مرة لاحتوائها على كتب كثيرة لنيتشيه وسقراط وأفلاطون وروسو بالاضافة الى قصة حياة ونستون تشيرشيل وبابلو بيكاسو. وقال أنه يحب القراءة لأنه لم يكن يملك الوقت للتعليم الكافي عند الصغر. مضيفاً بأنه قرأ معظم الكتب الكلاسيكية الشهيرة ويحب ان يقرأ في الفلسفة وعلم النفس. وحكى عن ليلة كان يملك في اليوم الآخر مباراة هامة مع بوافيستا الا أنه بدأ بقراءة "ملحمة هومر اليونانية الشهيرة" وكان الكتاب 700 صفحة ليجد أن الساعة اصبحت السادسة صباحاً عندما انتهى منه وكان عليه أن ينام قليلاً قبل المباراة.

وأوضح جوزيه أن أفضل الأدباء لنفسه هم بابلو نيرودا وجابرييل جارسيا ماركيز وخورخي لويس بورجيس لأنهم يكتبوا بشغف. أما عن قصة حياته فقال ...الجميع يكتب قصة حياته اليوم..فهل تريدني أن أكتب قصة عن "الفاولات" وضربات الجزاء؟

وعن البرتغال واذا ما يتابع اخبارها قال جوزيه "لا تحتاج ان تتواجد اليوم في البرتغال لتعرف كل اخبار الكرة والاقتصاد بها..فأنا أقرا يومياً ثلاثة مواقع رياضية لأعرف ما يدور وكل ما استطيع قوله أن البرتغال حالياً تشبه مصر قبل الثورة "كرة القدم هي الشيء الأفضل فيها أما باقي القطاعات فلا" لكنه استطرد قائلاً "اذا ظن المسؤولين عن الكرة انهم سيكونوا بعيدين عن الأزمة الإقتصادية فهم واهمون...فالأزمة ستؤثر على أندية صغيرة كثيرة وتجعلها تغلق أبوابها قريباً"