السبت، 10 سبتمبر 2011

الصحف الاسرائيلية (ماذا تقول اليوم)


الرضوخ لتركيا سيؤدي الى المزيد من الابتزاز
صحف عبرية
2011-09-09

 
ليس رجب طيب اردوغان اوسكار وايلد. فلم يكن الأديب الامريكي المعروف مستعدا ليكون عضوا في ناد يقبل في صفوفه شخصا مثله. وقد ضغط اردوغان خاصة ليتم قبوله في النادي الفخم للاتحاد الاوروبي برغم رفضهم قبوله.
كان رد الزعيم التركي متطرفا فقد عاد الى البيت وأقال الجنرالات وجعل تركيا حكما دينيا اسلاميا في نماء ونفذ تقديرا للوضع من جديد. وهكذا تبينت له عدة تفصيلات مُحدّثة في المنطقة وخارجها: فايران تحلم بنهضة الامبراطورية الفارسية وهو يحلم بنهضة الامبراطورية العثمانية.
إن دور تركيا الاقليمي باعتبارها حاجزا ومنزلا للقواعد العسكرية والانذارية الامريكية وبخاصة إزاء التهديد الايراني المتزايد، أصبح كنزا حتى بالنسبة لحلف شمال الاطلسي ولأمن اوروبا والمنطقة كلها. فالآن يجب على الغرب المستكبر، كما يرى اردوغان، أن يدفع ثمنا عن ذلك. واردوغان يعتقد انه يستطيع إزاء الضعف الامريكي والاوروبي أن يفتتح ناديا استعماريا خاصا به وأن يُحرق النادي القديم الذي رفض قبوله. واردوغان يفحص عن الحدود ويبدأ باسرائيل.
في الظروف الحالية يُقدر اردوغان انه لما كانت تركيا تلعب دورا مهما جدا في مواجهة ايران في منطقتنا المتضعضعة فانه يمكن تكبيل يدي الولايات المتحدة التي تطرق باب الاتراك وضرب اسرائيل جيدا. ستضطر امريكا الآن الى ان تختار بين مصالحها الاستراتيجية في تركيا في مواجهة ايران وبين أمن اسرائيل 'الوقحة' والهامشية. في هذه الظروف أرسل اردوغان قافلة 'مرمرة' ويهدد الآن اسرائيل في الحوض الشرقي للبحر المتوسط ويقصد بذلك سفنها وطوافات التنقيب عن مصادر الطاقة. وذلك بعد أن طرد هذا الاسبوع في إهانة الحلقة الدبلوماسية الاسرائيلية من بلاده.
يطمح اردوغان الى ضرب اسرائيل عن طريق تأييد الارهاب الاسلامي المتطرف مع تحييد الغرب والولايات المتحدة. وبهذا يقصد اردوغان الى تعظيم دوره الاقليمي باعتباره السلطان العثماني المستقبلي. ويمكن أن نُقدر أن هذا الاجراء اذا نجح سيقيم آخر الامر في المنطقة امبراطورية عثمانية اسلامية متطرفة تكون عدوا شديدا خطرا للغرب في المستقبل.
مع ذلك، وفي مباحثة فكرية تمت في شبكة 'الجزيرة' مؤخرا، تبين أن العرب برغم التأييد التركي للفلسطينيين غير متحمسين ألبتة لامكانية أن تعاود الامبراطورية العثمانية حكمهم كما كانت الحال في الماضي. وقد بين المتباحثون عن نظرة مشابهة الى الامبراطورية الفارسية ومطامحها في المنطقة برغم مساعدتها حماس. واتفق المتباحثون على سؤال ما الذي يدعو العرب الى العودة الى تلك الايام المظلمة من حكم الامبراطورية العثمانية أو الفارسية لهم بعد أن تحرروا من نير هذه السلطة الاجنبية.

العنقاء والسلطان
يبدو ان رئيس حكومة تركيا يعرف شيئا ما لا يعرفه كثيرون في اسرائيل وفي العالم حتى الآن. فهو يُقدر بحسب سلوكه انه مع انقضاء 'ربيع الشعوب العربي' سيأتي الى منطقتنا 'شتاء عربي اسلامي' متطرف طويل. وبحسب 'علامات شاهدة' في سلوكه يمكن أن نُخمن أن مقامرة اردوغان هي ان تتبلور في منطقتنا نظم حكم اسلامية مسلحة غير ديمقراطية جدا، على طرازه هو نفسه على الأقل. وبحسب هذه العلامات، يحرك اردوغان مسارات في المنطقة لتقديم هذا الاتجاه. وفي حين يعمل في تسرع سياسي، يرمي في الحقيقة الى السيطرة على الثورات في العالم العربي مثل العنقاء الاسطورية التي تطير نحو تجديد الحكم الاسلامي وايام الدولة العثمانية مع الصفة التقليدية القديمة للسلطان وهي أنه 'ظل الله على الارض'.
بحسب خطوات اردوغان في المنطقة أصبح يتصرف الآن وكأنه الله لا ظله. فهو يعمل مثل لاعب فرد غير متوقع في منطقتنا يُعد التغيير القريب: فهو يستضيف المعارضة التي تقود الثورة السورية الاسلامية في تركيا ويؤيد اجراءاتها مع التنكر والتهديد بالهجوم على حليفه بالأمس بشار الاسد (الذي أعلن ردا على ذلك الغاء التجارة الحرة مع تركيا).
والى ذلك يعمل اردوغان على انشاء علاقات استراتيجية مع مصر ودول شمال افريقيا، ويخطط لزيارة الى ارض حماس مع تأييد معلن عملي للمنظمة الارهابية، ويؤيد جهود أبو مازن الذي يقصد الى اعلان دولة فلسطينية هذا الشهر مخالفا ارادة اسرائيل. وفي هذا السياق، ليست القافلة البحرية التركية سوى مشهد بائس في نطاق اجراءات اردوغان المتوقعة لاحداث ازمة متعمدة وتصعيدية مع اسرائيل في المستقبل ايضا.
من السهل أن نُخمن أي صراخ كان سيصدر عن الاتراك لو أن اسرائيل ارسلت الى كردستان مجموعة من 'مُحدثي المشكلات المتخصصين' من قواتها (ويوجد عندنا اثنان أو ثلاثة من هؤلاء) لمساعدة جهود الجبهة السرية الكردية الموجهة عليهم. ان الازمة التي تعمدها اردوغان كانت ترمي منذ البداية الى جعل علاقات تركيا مع اسرائيل تنحرف عن مسارها وأن يطرح بذلك عظام تشجيع وبلورة للاسلام النامي في المنطقة. وليس لهذا المسار أية صلة ببيرس أو باولمرت أو بعملية 'الرصاص المصبوب' أو ليبرمان أو ايلون أو الكرسي المنخفض. لا يجب أن نبالغ في قدرة عدد من اليهود المحليين على اغضاب اردوغان حقا.
وللتذكرة فقط نقول ان الاتراك رفضوا كل صيغة اسرائيلية لغوية للتعبير عن الاسف والتعويض. طلبوا كسر الحصار من اجل حماس، ودفع تعويضات الى عائلات القتلى والاعتذار. والاعتذار، بخلاف التعبير عن الاسف، يكمن فيه وعد بألا نمنع مرة اخرى كسر الحصار. والطموح التركي هو الى ان تستطيع حماس تهريب السلاح كما تشاء. ان استعمال القافلة البحرية خدم اردوغان باعتبارها أداة يضرب بها اليهود ويجمع فيها نقاطا في العالم الاسلامي الناهض الذي يرغب في قيادته.
ان الشيفرة الاخلاقية للسلطان التركي الجديد قديمة تنذر بالسوء. على أثر العملية في ايلات خاصة التي بينت مبلغ كون ارهاب حماس فتاكا، ظهر تقرير بالمر الذي قضى بأن الحصار حق وان اسرائيل قد عملت كما ينبغي في قضية 'مرمرة'، واردوغان فضلا عن انه لم يعتذر لتأييده الارهاب في غزة، قلب في هذا الوقت المائدة مع اسرائيل. ان هذه الشيفرة الاخلاقية تلائم دولة ظلامية عندها هياكل عظمية ارمنية في الخزانة، وتغزو قبرص وتقصف وتقتل مدنيين أكرادا في مراكزهم السكانية شمالي العراق، وتستعمل ارهابا استخباريا داخليا داخل تركيا لكنها تتجرأ على توجيه ادعاءات على أخلاقية اسرائيل.
يبدو مع ذلك انه بقي قليل من الردع الامريكي في المنطقة، فلولا ذلك، بحسب تصريحات اردوغان، لأطلق الاتراك منذ زمن النار علينا من سفنهم وطائراتهم. وكان يمكن ان يكون هذا خطرا لأن الحديث عن سلاح جرى عليه تحويل في اسرائيل.
بالنسبة لكل مخرج مبتدىء في سينما الاخوان المسلمين، يستطيع سيناريو من هذا القبيل لاردوغان ان يكون في الوقت الحالي درجة لمسرح التاريخ باعتباره مخلص الاسلام ومنقذه. غير ان سيناريو 'مرمرة' والازمة على أثرها مبتذلان وفعل هواة بصورة كبيرة في مستوى مخرج مسرح مبتديء حقا. ان الشيفرة الاخلاقية التي أخذ بها اردوغان تستعمل كما هي العادة دائما كراهية اليهود باعتبارها عامل تماثل سلبيا. ويوميء اردوغان باجراءاته المضادة لاسرائيل، الى المسلمين الثوار في الشرق الاوسط بأنه مخلصهم. وهو يُهين اسرائيل ويضر بأمنها ويحاول تركيعها للاعتذار ويطرد ناسها من بلاده ويُذل ضيوف دولته اليهود.
ان اردوغان الذي تربى على تعاليم معاداة السامية في 'بروتوكولات حكماء صهيون' توقع حتى المدة الاخيرة أن يُدخله اليهود الذين يُدبرون امور العالم بمؤامراتهم حسب رأيه، أن يُدخلوه الى الاتحاد الاوروبي ويصلوه جيدا بالغرب، وخاب أمله. وكان يحل له باعتباره مسلما متطرفا ان يقطع مع اسرائيل مسافة ويعقد صفقة ويُحسن سلاحه ويُعلم أبناء اسماعيل استعمال القوس. والآن في ضوء هدفه المجدد بصفته سلطانا عثمانيا، أو صلاح الدين الجديد على الأقل، لم يعد يلائمه السير مع اليهود، فهذا الامر يسيء اليه في العالم الاسلامي.
ولما كان الامر كذلك، فلا يحل لأحد في اسرائيل أن يعاني أعراض الشعور اليهودي بالذنب وأن يخشى غضب الطاغية أو يندم على صد 'مرمرة' وعدم الاعتذار، فما كان هذا ليساعد بل كان يزيد المشكلة حدة ويوحي بضعف اسرائيلي وتعرض في المستقبل لضغوط وابتزاز. وكي نزيل الشك نقول ان عدم الاعتذار كان موقفا صحيحا لأنه نبع من سياسة واقعية لا من شعور خلاصي بالفخر القومي وسائر أنواع الحماقات. قال بعض الاسرائيليين: 'لا تعتذر أبدا، ولا تفسر أبدا، ولا تشكُ أبدا'... يا ليبرمان ليس هذا الامر هذه المرة بسببك.

مثل عيدي أمين
ان تركيا اليوم ذات نظام حكم ديني شمولي بعيد عن حلم أتاتورك الذي رسخ الجيش باعتباره معادلا للنظام التركي الهش. وفي ربيع الشعوب التركي اليوم يطير الجنرالات الى السجن أو البيت بل قد اختفى وهم الديمقراطية التركي. ويُسأل الآن سؤال هل يمكن اصلاح الازمة؟ وهل ستؤثر الازمة في الاقتصاد وفي العلاقة بين الشعبين الاسرائيلي والتركي؟ وما هو ضرر انتقال تكنولوجيا عسكرية الى أيدي أعداء اسرائيل؟ أما كان يفترض إزاء الحالة الايرانية أن نتعلم شيئا ما عن تقلبات نظم الحكم الاسلامية ونكون أكثر حذرا؟ وبأي قدر سيتجرأ اردوغان على المس بمصالح اسرائيلية دون أن يدفع ثمنا عن ذلك بواسطة الغرب وامريكا؟
ان اسرائيل هي حاملة طائرات موثوق بها. ومن حسن حظ اوروبا انه سيُقرر في منطقتنا مصير الصراع بين وكلاء الله ومبادىء الحرية والديمقراطية المحرمة بحسب شريعة الاسلام. وكلما سارع الغرب الى تعديل مسار توجيه اردوغان الفاشل سيحسن الأمر أكثر.
اختار اردوغان ان يؤدي الدور السياسي لرئيس الدولة المجنونة، وتتميز سياسته بـ 'المضي حتى النهاية'. وهو يتصرف في عنف وعلى نحو غير متوقع. خدمت هذه الحيلة عيدي أمين بنجاح مشكوك فيه مسافة ما الى أن انقضى ذلك. ويفترض أن تثير صورة السلوك هذه الرعب في دول تتصل بالولايات المتحدة وقد تفضي الى تصعيد وخطر كبير على مستقبل المنطقة.
ان تهديد اردوغان لاسرائيل في حوض البحر المتوسط الشرقي وخطواته الوقحة إزاءها اشارة وفحص عن الحدود وتحدٍ لاسرائيل واوروبا وامريكا وصبر رئيسها. وكل ضبط غربي للنفس يزيد الضعف عمقا ويزيد الوقاحة التركية في المقابل. ينوي اردوغان الآن أن يهز اوروبا والولايات المتحدة وكأنهما ذيل لا العكس. فاذا توقحتا فسيرميهما من تركيا ايضا. أحقا؟ لنرَ من يضعف أولا. فهل تدفع اسرائيل في خلال ذلك عن ضعف الردع الامريكي؟.

اسرائيل اليوم 9/9/2011


العَقْد الضائع: منذ 11 ايلول الى اليوم
صحف عبرية
2011-09-09

 
مثل مقتل كنيدي، ومثل مقتل رابين، ومثل نشوب حرب يوم الغفران حينما يحدث شيء ما غير متوقع جدا لا تستطيع أن تنسى أين كنت حينما علمت بنبأ تهاوي برجي التوائم قبل عشر سنين بالضبط في 11 ايلول 2001. بدا الامر هاذيا وكأنه صورة من فيلم أبله، أو كاميرا خفية، سيأتي بعدها صوت فكاهي يُبين انهم أرادوا فقط أن يروا رد فعلك. هذا كل شيء. لكن هذا الصوت لم يأت.
كان ذلك الوقت في البلاد ساعة بعد الظهر. وكان توم فريدمان من صحيفة 'نيويورك تايمز' يزور آنذاك البلاد وحدد معي لقاء في مكتبي ولم يأت. وعندما هاتفت سكرتيرتي لتستوضح أنه لم يقع خطأ في ساعة اللقاء، اعتذر واقترح أن اشاهد الـ 'سي.ان.ان' وما سوى ذلك تاريخ.
ليس جورج بوش وحده هو الذي لم يكن بين أذكى رؤساء بلاده هو الذي لم يفهم ماذا يحدث، واستمر في قراءة قصة للاولاد في الروضة التي زارها، فقد قام عالم كامل دهشا إزاء السهولة غير المحتملة لمس شديد بهذا القدر للقوة العظمى الوحيدة في العالم.

ضياع الأمن
ليس عدد الضحايا الكبير بل قابلية الولايات المتحدة للاصابة، التي كان يبدو حتى ذلك الحين أنها في المكان الأشد أمنا في العالم، هي العامل الرئيس في الزعزعة. والباعث الغامض ايضا: فثمة صاحب ملايين سعودي يقود جماعة غير كبيرة من الناس، وفريق منهم متعلم، لحرب غامضة هدفها إبعاد الامريكيين عن العالم العربي.
مثل شخص صحيح الجسم يصاب فجأة بذبحة دون انذار سابق. ويمر الشعور الصبياني الذي كان عنده حتى ذلك الحين ومؤداه ان هذا لن يحدث له، دون أن يرجع. لن يصبح أبدا الشخص السليم الجسم الواثق بنفسه كما كان قبل لحظة من الذبحة.
فقدت امريكا أمنها الذاتي في ذلك اليوم وأدرك العالم ذلك. وامريكا هي التي تتحدث بلا نهاية عن تهاوي القوة العظمى، فكتب تكتب ومقالات تنشر ولجان تتباحث في سؤال أيحدث هذا أم سيحدث في المستقبل، وكل هذا يؤثر تأثيره.
تُقسم العشرون سنة الاخيرة قسمين. في كانون الاول 1991 انتقض الاتحاد السوفييتي. وانشغلت روسيا بطلب البقاء في الداخل، وتركت قيادة العالم للولايات المتحدة التي أصبحت القوة العظمى الوحيدة في العالم التي لها قوة عسكرية عظيمة وموارد اقتصادية وخبرة سياسية كي تؤثر في المسارات في الكون لمصلحتها ومصلحة الجنس البشري.
لكن منذ 2001 حتى اليوم أصبحت تقوم علامة سؤال على العظمة الامريكية حينما شعرت الولايات المتحدة بالحاجة الى حماية نفسها قبل كل شيء. أصبحت مثل قلعة ضخمة ليس دخولها سهلا ولا لذيذا، والسلوك في داخلها ايضا غير منظم بقدر كبير.
إن التفتيشات في المطار، واجهزة الكشف عن المعادن، والفحص عن بطاقات الهوية كل ذلك ولد آنذاك في ذلك الصباح المر. وثم صناعة ضخمة تكلف مئات المليارات ترتاب وتمول وتفحص وتحقق. عالم 'حماية الوطن' الذي يبدو أنه أُخذ من القرن الماضي واندفع الى عالمنا على أيدي من أرادوا اعادة العالم الى العصور الوسطى.

فشل أم نجاح
وكما كانت الحال دائما فان أفضل دفاع هو الهجوم. واذا لم نعلم أين نهاجم نهاجم أين أمكن. وبدل العمل بواسطة وكالة الاستخبارات المركزية وقوات خاصة لتحديد مواقع قادة القاعدة، استقر رأي بوش على حربين على العراق وعلى افغانستان.
بدل العمل على نحو محدود واستعمال القوة بواسطة حصر العناية في أهداف دقيقة، فضل بوش أن يُدخل في المعركة آلاف الجنود الامريكيين. هُزم العراق واعتُقل صدام وأُعدم، وما تزال افغانستان حتى الآن في حرب متواصلة مع قوات طالبان.
ستخرج امريكا في المستقبل القريب من هاتين الدولتين ومن شبه المؤكد أن الفراغ الذي ستخلفه ستملؤه ايران وتوابعها. فاذا نظرنا الآن نرى ان حروب بوش التي لم تكن حاجة اليها خدمت نظام آيات الله أكثر من كل شيء آخر.
قرر توم فريدمان الذي لا يُعد رجل يمين ولا مؤيدا لبوش بيقين، أن يؤيد بمقالته حرب العراق الثانية. وكتب فيها انه اذا ارتفع سعر برميل النفط نتيجة الحرب بعشرين دولارا فقط (كان سعره آنذاك 40 دولارا) فسيكون ذلك نصرا امريكيا واضحا، أما اذا بلغ سعر البرميل 60 دولارا فسيكون هزيمة.
يحب فريدمان أن يتسلى بالمؤشرات البسيطة. فحينما بلغ سعر برميل النفط 100 دولار سألته هل هُزمت امريكا. وفي تلك المرحلة احتاج الى مؤشرات أكثر تعقيدا لكنها هُزمت.
كانت الحرب نتيجة الحاجة المعروفة الى 'صنع شيء ما' أكثر من كونها حاجة الى احراز شيء ما، وكما لم يكن باعث المهاجمين في 11 ايلول واحدا لا لبس فيه كذلك كانت أهداف الحرب غير واضحة. أما استراتيجية الخروج فلم تكن موجودة. قُتل آلاف الجنود وجرح كثيرون آخرون. وأنفقت امريكا حتى الآن نحو تريليون دولار على كل ما يتصل بحروبها وما يزال الحبل على الجرار. وكل هذا جاء على حساب نفقة على تجديد البنى التحتية والتربية والمساعدة الخارجية. وسبب حدوث عجز ضخم في الميزانية يبلغ شفا فقدان القدرة على أخذ قروض اخرى مع خفض تدريج الاعتماد الامريكي.
اجل، وعد الرئيس اوباما في خطبه الانتخابية بقتل بن لادن ونجح في ذلك. قتل رمزا وأسهم اسهاما غير قليل بذلك في المس بالروح المعنوية للمخربين. لكن بن لادن لم يكن رأس الافعى ولهذا تستطيع الافعى الاستمرار في الوجود في صورة منظمات متطرفة لا تشمئز من الوسائل وستستمر في مكافحة الغرب والعلمانيين والحداثة وكل ما لا يشابه تصورها العام.
بعد عشر سنين ايضا يصعب ان نعلم ما الذي توقعه ابن لادن حينما اجتهد في تدبير الهجوم المنسق على الولايات المتحدة، فاذا كانت ارادته ابعاد الغرب عن الدول العربية فقد تم احراز العكس. لكن من يحاول ان يقول ان ابن لادن فشل سيكون بعيدا عن الحقيقة ايضا.
ان امريكا 2011 هي دولة أكثر خوفا وأضعف وذات اقتصاد أكثر هشاشة ومجال مناورتها في العالم أضيق، تجعل المقعد الخلفي هو المقعد الأحب اليها في حين تُمكّن جهات اخرى من القيادة.
انها دولة تضيق حقوق الانسان فيها لضمان سيطرة أفضل على عناصر قد تمس بها. ولم يعد الشعور الوطني كما كان ذات مرة بل ان سجن غوانتنامو الذي وعد اوباما باغلاقه بقي مفتوحا يستضيف غير قليل من المعتقلين.
قبل عشر سنين دخلت الولايات المتحدة نظام دولة في حرب من غير وجود عدو محدد. إن امريكا اليوم ما تزال القوة العظمى الوحيدة في العالم لانه لا منافس لها ولن يكون لها منافس ايضا في السنين القريبة. لكنها قوة عظمى جريحة ضعيفة نتيجة الشر والتطرف من جهة والردود غير الحكيمة لقيادتها من الجهة الاخرى. وحينما يبحث المؤرخون في بدء مسار ضعف العالم الجديد، سيضطرون الى الاعتراف بأن أكثر التواريخ صلة بذلك هو 11 ايلول 2001.

اسرائيل اليوم 9/9/2011



حار في ايلول.. التسونامي قادم
ينبغي تحسين اداء القطار الفلسطيني المتجه الى الامم المتحدة ومنعه من ان يدوس في طريقه على احتمالات السلامشموئيل روزنر
2011-09-09

بعد قليل من إقامة الامم المتحدة أعرب وزير الخارجية الامريكية دين اشيسون عن تخوفه من التوقعات المبالغ فيها التي علقت بهذه المنظمة. وعرضت هذه المنظمة على الامريكيين 'بحماسة دينية لحملة اعلانات كبيرة'، ولكن نهاية مثل هذه الحماسة 'يمكن ان تؤدي فقط الى خيبة أمل مريرة'. في خطاب القاه في 1946 ذكر اشيسون مستمعيه بان هذه الهيئة ليست سوى مجموع الدول المشاركة فيها، كل واحدة ومصالحها، كل واحدة وسياستها، وكل واحدة والقرار الذي اتخذته مسبقا، في الوطن. 'وكما يقال بالعربية، الحمار الذي ذهب الى مكة يبقى حمارا'، على حد قول اشيسون في خطابه اياه.
انطلاقا من اضطراره تعلم كيف يناور مع هذه الهيئة المعقدة. ضمن امور اخرى حين اجتاح الشمال في كوريا جنوبها، واستغل اشيسون غياب المندوب السوفييتي في مجلس الامن لتمرير قرار سريع يصادق على عملية عسكرية امريكية لوقف الهجوم. وعلى أي حال كان هذا القرار الاول من أصل بضعة قرارات، ولاحقا اضطر الى مزيد من المناورة خشية الفيتو السوفييتي. وهكذا ولد قرار 377 الذي يأخذ عنوان 'الاتحاد في سبيل السلام'. القرار الذي يذكر في الايام الاخيرة بانه القرار الذي سيسمح للفلسطينيين بالتغلب على الفيتو الذي سيستخدم بحق خطوتهم. بمعنى ان الحيلة التي اخترعها الامريكيون لتجاوز السوفييت، سيستخدمها الفلسطينيون الان لتجاوز الامريكيين.
مبعوثان امريكيان، دنيس روس ودافيد هيل، وصلا هذا الاسبوع الى لقاءات في اسرائيل وفي السلطة الفلسطينية. مبعوث الرباعية طوني بلير هو الاخر، والامريكي الذي لا يزال يشير عليه، رجل وزارة الخارجية السابق روف دنين، جاءا الى هنا. كلهم اناس مجربون ليس لديهم الكثير من الاوهام. لم يأتوا كي يعرقلوا التوجه الفلسطيني الى الامم المتحدة، فقد اعتقدوا أن هذا القطار لا يمكن وقفه. جاءوا كي يحاولوا تحسين اداء القطار، منعه من أن يدوس في طريقه على كل احتمال بالتقدم الحقيقي في المستقبل.
وهذا يعني عمليا: محاولة التأثير على قرار الفلسطينيين لمن سيرفعون الطلب (للجمعية العمومية فقط وليس الى مجلس الامن)، واي طلب بالضبط سيرفعون، ماذا ستكون صيغته، أي رد متفق عليه سترد اسرائيل، الرباعية والولايات المتحدة. على الكونغرس الامريكي، الذي بدأ منذ الان في اجراءات تشريع كفيل بان ينزع من الفلسطينيين المساعدات، للموظفين لا يوجد تأثير. ولكن في المحادثات في رام الله استخدموا هذا السوط بصيغة: اذا لم تحذروا، فالكونغرس قد يجن جنونه. ذكر سابقة اشيسون هي على ما يبدو طريقة الفلسطينيين في الاشارة الى انهم هم ايضا يمكنهم أن يجن جنونهم. فاشيون طوروا حيلة تسمح لاغلبية عادية في مجلس الامن بان تنقل الموضوع مباشرة الى الجمعية العمومية دون أن يتمكن فيتو من منع ذلك. بمعنى هذا الى هذا الحد أو ذاك هو الحد الاقصى الذي يمكن توقعه الان خطوة في الامم المتحدة ستكون، ولكن سيرافقها قدر من المسؤولية يمنع 'التسونامي' او على الاقل يؤجله الى زمن ما.

مع اصدقاء كهؤلاء
'كان مصدوما'، روى احد كبار مساعديه للصحافي الباحث بوب ودوورد. الهاء تعود الى وزير الدفاع في حينه روبرت (بوب) غيتس. 'مصدوما' بسبب ما اكتشفه حين تسلم منصبه في كانون الاول 2006. كان يخيل له ان الكثير من اللقاءات التي لا نهاية لها في البنتاغون 'تعنى بحرب ما بعيدة، نظرية. هؤلاء الموظفون ينشغلون في تخطيط وشراء سفن، طائرات، دبابات، منظومات رادار، صواريخ ومعدات التكنولوجيا الاكثر حداثة... وهم يستعدون لخوض حروب 2015 و 2020، في ظل تجاهل حروب 2008'.
وأثار غضب غيتس اساسا تجاهل الحاجة العاجلة الى ايجاد رد على العبوات الجانبية المعدة محليا، ونتائجها الفتاكة شعر بها القادة والجنود الامريكيون في العراق وفي افغانستان، في كل يوم، في كل ساعة.
على هذه العبوات الجانبية، التي كان غيتس مصمما على أن يجد لها حلا عاجلا على حساب جلسات مضنية لتخطيط المستقبل، تغلب الامريكيون في نهاية المطاف بمساعدة تكنولوجيا اسرائيلية، مثلما كشف النقاب سفير سابق لامريكا في اسرائيل منذ العام 2007. هذا الاسبوع، في وجبة عشاء تمت على شرف السفير الامريكي الجديد دان شبيرو ذكر أيضا التكنولوجيا الاسرائيلية 'المنقذة لحياة' الجنود الامريكيين في أرجاء العالم.
تذكير مناسب ولكنه لا يكفي لطمس الانطباع السيء الذي خلفه تسريب اقوال غيتس في المجلس الوزاري الامريكي في بداية الصيف. 'غيتس عرض ببرود الخطوات الكثيرة التي اتخذتها الادارة كي تضمن أمن اسرائيل الوصول الى السلاح الاكثر تطورا، المساعدة في تطوير منظومات للدفاع ضد الصواريخ، التعاون الاستخباري على مستوى عال وعندها أعلن بفظاظة بان الولايات المتحدة لم تتلق أي شيء بالمقابل'، كما كتب في مقال جيفري غولدبرغ، الذي كشف النقاب عن موقف وزير الدفاع المنصرف.
هذه أقوال الحرج الاولي الذي يرافق نشرها سينقضي، ولكن ضررها متواصل. لسنوات طويلة اخرى سيقتبسها منتقدو واعداء الحلف الامريكي الاسرائيلي. وهم سيقولون ان ها هو حتى وزير الدفاع الذي كان من أصدقاء اسرائيل احتج على نكرانها للجميل.
غيتس كان رجل استخبارات لسنوات طويلة، الى أن قفز الى رأس الهرم. ذات مرة اراد الرئيس ريغن أن يعينه رئيسا للسي.اي.ايه ولكن التعيين لم ينجح بسبب ما علق به من قضية ايران كونتراس. مرة ثانية فعل ذلك الرئيس بوش الاب، ونجح. اما الى وزارة الدفاع فجاء به اليها بوش الابن، كي ينقذ الحرب المتدهورة في العراق. وقد فعل غيتس ذلك اساسا حين دافع بظهره العريض عن الجنرال دافيد بتراوس الذي ارسل لقيادة القوات المقاتلة.
'انه جندي مثقف سياسي هو الابرز في جيلنا'، قال غيتس عن بتراوس في احتفال رفع فيه الى رتبة قائد المنطقة الوسطى الامريكية. وعندما ضغط الرئيس الجديد براك اوباما على غيتس للبقاء في منصبه حتى بعد تغيير الحكم، ساعد الاخير في تنسيق البث بين الرجلين، اوباما وبتراوس التي كانت علاقاتهما متوترة قليلا. وحل محل غيتس في المنصب ليئون بنتا الذي شغل في السنتين الاخيرتين منصب رئيس السي.اي.ايه. وهذا الاسبوع حل محل بنتا في المنصب 'دافيد بتراوس، الذي عينه اوباما وكسب مرتين: مرشح مثير للانطباع برئاسة وكالة الاستخبارات وفي نفس الوقت هدوء نفسي على المستوى السياسي. اذا كان لبتراوس تطلعات سياسية، فانها ستؤجل حاليا.
ومثلما لغيتس، الذي لم يعد مسؤولا في الادارة فعلى لسان بتراوس ايضا نقل في الماضي شكاوى عن سلوك اسرائيل وعن ضررها بالمصالح الامريكية. مثلما في حالة غيتس، في حالة بتراوس ايضا كانت مبالغة ما في الاقتباس سواء لرغبة تحقيق عناوين رئيسة أم لاسباب التلاعب الايديولوجي. فبتراوس لم يقل حقا ان جنودا امريكيين يقتلون بسبب النزاع الاسرائيلي الفلسطيني. وشرح ذلك علنا، كما أنه أجرى مكالمة هاتفية مع رئيس الاركان في حينه غابي اشكنازي كي يشرح موقفه.
حالة غيتس مختلفة، ولكنها مشابهة ايضا. يبدو أنه قال ما اقتبس عنه، ولكن الاقتباس ليس لفظيا. لا تظهر أي كلمة بين هلالين. مما يترك مساحة معينة، ولكن هامة للتحليل. اذا كان غيتس غاضبا على ما اعتبره كنكران للجميل من جانب رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو في الميدان السياسي فهذا شيء. اما اذا كان يعتقد بان اسرائيل لا تقدم مقابلا مناسبا للدعم الامريكي بشكل عام فهذا ادعاء اشكالي اكثر بكثير.
مهما يكن من أمر، فقد قيلت أقواله في لحظة غضب، بعد زمن غير طويل من زيارة نتنياهو الى واشنطن، زمنا غير طويل بعد ان رفع اصبعه نحو الرئيس في حديقة البيت الابيض. ولكنها تعكس شعورا يحس به موظفون كثيرون في الجهاز البيروقراطي الامريكي، في وزارة الدفاع وفي وزارة الخارجية في أن اسرائيل تثير اعصابهم. فوارق العقلية تساهم في قصر الروح هذا، وكذا الحاجة المستمرة للاستجابة للاحتياجات وايضا الضغط السياسي الذي يقرر في كل مرة بان الموضوع الاسرائيلي يوجد على الطاولة. قبل بضعة اشهر التقيت بضابط اسرائيلي يجري بين الحين والاخر محادثات مع نظرائه الامريكيين في مواضيع المشتريات. وقال في لحظة صراحة: 'لو كنت مكانهم فقد اشعر أنا ايضا احيانا بان مطالب هؤلاء الضيوف لا تطاق'.

قوة تركيا
في تشرين الاول 2007 صادفت أن رأيت عن قرب كيف يلعب الاتراك في الملعب الامريكي. كانت هذه لعبة من جانب واحد: كش ملك، فيكش. انتصاران في شهر واحد. وزيرة الخارجية في حينه كونداليزا رايس أقلعت الى أنقرة كي تتحدث، على حد نص بيان وزارة الخارجية، 'عن العلاقات المتبادلة بين الولايات المتحدة وتركيا، وبالاساس عن حقيقة أن هذه علاقات طيبة، وثيقة'. إذ لا يوجد موضوع مهما الحديث فيه مثل 'العلاقات الطيبة، الوثيقة'. عمليا كان الموضوع آخر، بالطبع، فقد طلب الاتراك وتلقوا توثيقا للرقابة على نشاط المتمردين الاكراد في شمالي العراق، في تهديد بانه اذا لم تعمل امريكا فانهم سيعملون، بمعنى أنهم سيجتاحون العراق. كان هذا النصر الثاني. قبل اسبوعين من ذلك لاحقا الانتصار الاول أهانوا رئيسة مجلس النواب في حينه نانسي بلوسي، التي وعدت باقرار قانون يعترف بالكارثة الارمنية، ووعدت بان هذه المرة لن تتراجع ووعدت بان هذه المرة لن يمنع شيء الكونغرس الى أن استسلمت. الكونغرس استسلم، للمرة التي لا ندري كم. الاتراك يلعبون جيدا في الملعب الامريكي منذ سنوات طويلة. كانت هناك سنوات ساعدتهم اسرائيل في ذلك ولكنهم الان يتدبرون أمرهم بأنفسهم على نحو لا بأس به. الازمة بين تركيا وبين اسرائيل تقلق الادارة، ولكن الادوات التي لديها لتعرض حلا قليلة. محاولة هزيلة للاقتراح بان تعتذر اسرائيل رغم ذلك، توجهات عاطفية للاتراك الا يمزقوا الحبل. وبالفعل، لم يمزقوه، ليس تماما. هكذا بالضبط يتصرف الاتراك منذ زمن مع الامريكيين ايضا. يشدون الحبل، وبعدها يرخون، ومرة اخرى يشدون. في 2003 منعوهم من ادخال قوات الى شمالي العراق، وشوشوا خطة الحرب ضد صدام حسين. بعد ذلك هدأوا الازمة. وهكذا الان ايضا. من جهة ضربة لاسرائيل، من جهة اخرى نصب رادار للناتو. يخيل أن اردوغان تعلم الى أين يمكنه أن يغضب واشنطن وفي أي لحظة ينبغي له أن يلقي بعظمة كي يهدىء الامور.
على أي حال، أنقرة بجملة نواقصها عزيزة جدا على الامريكيين في هذه اللحظة، كي يشرعوا معها في شقاق كبير بسبب قرارها الابتعاد عن اسرائيل. للرئيس الامريكي مشاكل اخرى يتعين عليه الانشغال بها، الاقتصاد في المكان الاول، وضعه السياسي في المكان الثاني وهما متعلقتان الواحدة بالاخرى. حسب استطلاع كبير اجري هذا الاسبوع فان ثلاثة من كل اربعة امريكيين يعتقدون بان دولتهم تسير 'في الاتجاه غير السليم'. نسبة هائلة من المواطنين قلقون من ثقتهم في قدرة اوباما على توجيه السفينة من الركود عودة الى النمو المستيقظ.
في هذه الاثناء في الشرق الاوسط توجد مشكلة في سوريا وهناك حاجة للاتراك. ايران تتعزز والاتراك هم الكابح الموازن الوحيد في المحيط. في مصر لا توجد ديمقراطية بعد تركيا هي النموذج الوحيد في المحيط الذي قد يكون ممكنا محاكاته في الدول العربية ما بعد 'الربيع'. الادارة الامريكية كان تود جدا ان تعيد اسرائيل وتركيا الواحدة الى أذرع الاخرى، ولكن في هذه اللحظة من الصعب رؤية كيف ستفعل ذلك. طالما لا يمزق الاتراك الحبل.

معاريف 9/9/2011

ليست هناك تعليقات: