رسالة من أحد العملاءوالممولين من الخارج
علاء الأسواني يكتب: رسالة من أحد العملاء
...الأستاذ الفاضل
اعذرني لأني لا أريد أن أذكر اسمي .. أنا واحد من شباب الثورة الذين يسخر منهم الاعلام ليل نهار ويتهمهم بالخيبة والفشل .
أنا أرتدى بنطلون جينز ساقط وشعرى طويل ملموم لكننى لست فاشلا أو تافها انما التافه المتخلف هو من يقيس أقدار الناس بمستوى ارتفاع بنطلوناتهم .
أنا خريج كلية الاقتصاد القسم الانجليزي ( تقدير جيد جدا ) دفعة 2010 وأنا والحمدلله من أسرة ثرية أسكن في فيللا في الشيخ زايد . أبي معماري ناجح ولديه مكتب هندسي في دولة خليجية وهو شريك أيضا في مكتب في لندن ..
بعد حصولي على الثانوية من الخليج التحقت بجامعة القاهرة واكتشفت مصر لأول مرة فحزنت لأوضاعها المتردية ، الفساد والقمع والفقر ، قررت ألا أكون سلبيا و أحسست ان من واجبي أن أفعل شيئا لرفع المعاناة عن ملايين المصريين .
انضممت الى حركة كفاية وبعدها الى الجمعية الوطنية للتغيير . اشتركت في كل الفعاليات والمظاهرات .تم القبض على وقضيت في الحبس عدة أيام أدركت خلالها ان الانسان المصري بلاحقوق فعلا وأن أصغر ضابط في أمن الدولة يستطيع أن يفعل بك ما يشاء حتى لو قتلك فلن يعاقبه أحد أبدا .
زادنى ذلك اصرارا على العمل الوطني وبرغم اعتراض أمي وقلق أبي ظللت اشترك في الاجتماعات والمظاهرات حتى قامت الثورة فعشت 18يوما في ميدان التحرير هم أجمل وأسعد أيام حياتي .
واجهت الموت ورأيت بعيني ضباط شرطة مبارك وهم يقتلون زملائي .سقط بجواري مباشرة شهيد في يوم 28 يناير لن أنساه ابدا .شهدت موقعة الجمل ودافعت عن الثورة بكل قوتي ، رأيت البلطجية الذين استأجرهم فلول الحزب الوطنى وهم يمرون من بين خطوط الجيش فلا يعترضهم أحد باستثناء النقيب ماجد بولس ( أسد التحرير ) الذى صعب عليه أن يسلمنا للذبح فأطلق عدة أعيرة نارية لمنع البلطجية عنا .
لم أترك الثورة يوما واحدا ..رأيت الموت بعيني في محمد محمود والعباسية ومجلس الوزراء وسقط شهداء كثيرون بالغاز والخرطوش والرصاص وكنت صديقا للشهيد مينا دانيال الذى قتلوه في مذبحة ماسبيرو .
ضاعت أعين زملاء لي وارتميت لأحمي بجسدي البنات عندما كان الجنود يجروهن من شعورهن ويسحلونهن على الأرض وتلقيت ضربا لازالت آثاره على ظهري .
في انتخابات الرئاسة أعطيت صوتي لخالد علي في الجولة الأولى وقاطعت في الجولة الثانية لأننى لا أثق في الاخوان فرفضت أن أنتخب مرسي وكان من المستحيل طبعا أن أنتخب شفيق الذى هو مبارك آخر .
ثم وصل الاخوان الى الحكم واشتركت في كل المظاهرات ضدهم ولم يختلف الأمر فالسلطة تقتلنا سواء باسم الاخوان أو باسم المجلس العسكري ..ثم اشتركت في 30 يونيو وخالفت زملائي الذين رفضوا التظاهر بجوار فلول نظام مبارك . كانت وجهة نظري انه بالرغم من وجود الفلول في الميادين الا ان التخلص من عصابة الاخوان واجب وطنى وثوري لايجب أن نتخلف عنه وقد أقنعت كثيرين ونزلنا نتظاهر أمام الاتحادية .
عندما قرر الجيش أن يساند الشعب في التخلص من الاخوان نزلت الى ميدان التحرير لتأييد الجيش .. كان رأيي انه بالرغم من المذابح التى يجب أن يحاكم المسئول عنها أيام المجلس العسكري الا ان الجيش المصري كمؤسسة وطنية واجبه أن يتدخل لحماية المصريين من الارهاب وواجبنا جميعا أن نسانده .
بعد سقوط الاخوان لاحظت ان اعلام الفلول قد شدد من حملته لتشويه الثورة وأحسست بالغيظ ، فكرت أن نظام مبارك قد استعملنا للتخلص من الاخوان ثم استدار ليجهز علينا ويشوه سمعتنا . تأكد ظنى عندما صدر قانون التظاهر واشتغلت ماكينة الاعلام الجبارة لتحشو عقول المصريين بالأكاذيب .
لايوجد بلد في العالم يعاقب من يتظاهر بغير اذن بالحبس الى مدد قد تصل الى 15 عاما كما حدث مع علاء عبد الفتاح وزملائه .
في 25 يناير الماضى نظمت مع زملاء لي وقفة احتجاجية صامتة ورفعنا لافتات كتبنا عليها الثورة مستمرة . تم القبض علينا وقدمت لمحاكمة سريعة وحكم على بالسجن عامين وغرامة 50 الف جنيه .
لن احدثك عن الضرب والاهانات والتعذيب فما عليك الا أن تراجع تقارير المنظمات الحقوقية المصرية أو الدولية لتعرف ان القمع الآن أسوأ من أيام مبارك... أرجوك لا تعتمد على تقارير المجلس القومي لحقوق الانسان لسبب بسيط أن أعضاءه يستأذنون وزارة الداخلية قبل التفتيش على السجون . هل سمعت في الدنيا عن مفتش يستأذن من الجهة التى يفتش عليها ؟ا ألا يعطى ذلك فرصة ذهبية لادارة السجن حتى تخفى آثار التعذيب ..؟ .أنا الآن في أحد السجون( لن أذكره ) .
بمجرد خروجي من السجن سأهاجر من مصر التى يعلم الله كم أحببتها .سأتركها نهائيا ولن آتي اليها بعد ذلك الا في الاجازات . . اياك أن تظن أن السجن كسرني .
والله العظيم لو قضيت عشرين عاما في السجن ولو رأيت أضعاف ما تعرضت له من تعذيب لما هز ذلك ايماني بالثورة لحظة. لماذا أهاجر اذن ..؟ لاننى اكتشفت أننا جميعا كثوريين عشنا في وهم كبير عندما تخيلنا اننا ندافع عن الشعب .
الثوريون هم أنبل وأشجع من في هذا الشعب لكن أغلبية المصريين لا يحتاجون الينا فلا يجب أن نفرض أنفسنا عليهم. .. ألم تسمع بنفسك من يقول ان المصريين يحتاجون الى حاكم قوى حتى يشكمهم ..؟ بالمناسبة أنا مقتنع أن السيسي كان الحاكم الفعلي بعد 30 يونيو وأن قانون التظاهر صدر بأمر منه .
لا ألوم السيسي لأنه رجل عسكري من الطبيعي أن يضيق بمن يعارضه لأنه تعود على اصدار الأوامر وتنفيذها . قال الكاتب الاميركي ناعوم تشومسكي " العسكريون جميعا ثقافتهم واحدة قائمة على فرض الأمر الواقع وتدمير الخصوم ." سأكون سعيدا لو أثبت السيسي انه مختلف عن وصف تشومسكي .
لست غاضبا من السيسي لكنى غاضب من هذا الشعب العجيب الذى قدمت الثورة من أجله آلاف الشهداء والمصابين حتى يحصل على حريته فاذا به في النهاية يصدق ان الثوريين عملاء وممولون من الخارج.. من فضلك لا تقل لي ان اعلام الفلول قام بتضليل الناس لأني سأسألك أليس لهؤلاء الناس أدمغة يفكرون بها ..؟
هل سمعت عن عملاء يستشهدون ويفقدون عيونهم من أجل الحرية ..؟ هل هذا جزاؤنا من الشعب الذى دافعنا عنه بدمائنا ..؟. عندما قبضوا على يوم 25 يناير ضربنى أفراد الشرطة بوحشية فلم أصرخ وتحملت الضرب بثبات . ثم قام بضعة رجال من المقهى المقابل وراحوا يصيحون في وجوهنا " ياخونة ياعملاء بعتم مصر بكام .؟." عندئذ فقط انهرت . انكسرت . بكيت لدرجة ان الجنود توقفوا عن ضربي ..
هؤلاء المواطنون الذين يتهمونني بالخيانة هم الذين اشتركت في الثورة حتى يعيشوا محترمين في بلادهم . يا دكتور علاء يجب أن نرى الحقيقة . لقد عشنا سنوات في الأوهام ــ وأنت معنا ــ عندما تعاملنا مع شعب افتراضى ليس هو الشعب المصري الحقيقي .
ان الثوريين يريدون تغييرا حقيقيا ، يريدون مصر عادلة حرة لكن بقية المصريين مختلفون عنا .
سأضرب لك مثلين :
بعد كتابة الدستور الجديد نزل المصريون بكل حماس ووافقوا عليه في الاستفتاء بأغلبية ساحقة ولم تمض أيام قليلة حتى بدأت الحكومة في انتهاك الدستور مرارا وتكرارا .
قانون التظاهر وتحصين قرارات اللجنة العليا للانتخابات وهتك أسرار الناس في التليفزيون عن طريق اذاعة تسجيلات شخصية والاعتقالات والتعذيب ..كل هذه انتهاكات فادحة فأين الذين رقصوا في الشوارع فرحا بالدستور ولماذا لم يعترضوا على انتهاكه ..؟! انهم في الواقع لايحتاجون الى دساتير وانما يتوقون الى حاكم قوى يشكمهم ..
المثل الثاني عندما نزل الرئيس السيسي يقود دراجة وخلفه مئات الاشخاص في ماراثون للدراجات . الاعلام الكذاب راح يطبل ويزمر للسيسي كالعادة لكنني قلت لنفسي لا بأس ربما أراد ان يؤكد فائدة الرياضة أو أراد ان يطمئن السياح على الحالة الأمنية في مصر .
هذه أهداف مفهومة ومقبولة . لكننى فوجئت بأن السيسي يدعو المصريين الى الذهاب للعمل على الدراجة بدلا من السيارة من باب التقشف ..؟!.
ألم يفكر أحد من الشعب الذى ندافع عنه في ان الرئيس السيسي اذا دعانا للتقشف عليه أن يبدأ بنفسه و يتخلص من أسطول السيارات المرسيدس الفارهة التابعة للرئاسة ..؟!
عليه أن يكتفى بقصر رئاسي واحد يمارس فيه عمله ويحيل عشرات القصور والاستراحات الرئاسية الأخرى الى فنادق ومتاحف تدر على الدولة ملايين الجنيهات ..
لماذا لم يطالب أحد الرئيس السيسي بأن يطالع تقارير الجهاز المركزى للمحاسبات ليعرف انه اذا ضم لميزانية الدولة اموال الصناديق الخاصة المنهوبة واستغنى عن المستشارين الذين يتقاضون كل شهر ملايين الجنيهات ..
عندئذ لن يحتاج المصريون لركوب الدراجات ولن تحتاج مصر للاقتراض أساسا ..نحن الذين نفكر في مثل هذه الأمور أما الشعب الحقيقي ( وليس الذى تخيلناه ) فهو متنازل مسبقا عن حقوقه مادام الحاكم "دكر" وقوي بمقدوره أن يشكمه ,.
هذا هو شعبنا الذى كدت أموت دفاعا عنه فاتهمنى بالخيانة . فور خروجي من السجن لن أبقى يوما واحدا في بلد يتهم الشهداء الذين قدموا حياتهم من أجله بالخيانة .
لقد استطاع أبي أن يسجل اسمي كطالب ماجستير في مدرسة لندن للاقتصاد (وهي من أفضل كليات الاقتصاد في العالم كما تعلم ). سأترك مصر حتى أعيش في بلد يحترم انسانيتي .
بلد يحكمه القانون لا أحبس فيه عامين لأننى حملت لافتة بطريقة سلمية في الشارع . بلد لايتهم من ماتوا من أجله بأنهم بلطجية وعملاء . أيها المصريون أعتذر لأني فهمتكم خطأ..
أنتم لا تحتاجون الى الثورة ولم تفهموها ولا تستحقونها . سأترك لكم هذا المستنقع الذى حاولنا تنظيفه من أجلكم فاتهمتمونا بالعمالة والخيانة .
سأدرس في لندن وسأتفوق باذن الله وسأصل الى أفضل المناصب أما أنتم يامن تخونوننا وتلعنون ثورتنا فهنيئا لكم الاستقرار الممزوج بالقمع والذل ،
هنيئا لكم الفساد والمحسوبية والعدالة العرجاء والاعلام الذى تعد برامجه في أروقة أمن الدولة .
كتبت هذه الرسالة لأشرح لك موقفي وسواء اتفقت أو اختلفت معي فان احترامي لك لا يتغير.
تحياتي
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تلقيت هذه الرسالة وسوف أرد عليها الأسبوع القادم باذن الله .أيها القراء الأعزاء اذا كان لديكم ردود على هذا الشاب برجاء التفضل بارسالها.. الديمقراطية هي الحل
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق