ملف شامل عن الامين العام لحزب الله حسن نصرالله.. اطلاق الاسرى
نصرالله : ساعدتُ والدي في بيع الخضار وتمنيت لو أصبح مثل الأمام الصدر
ذهبتُ الى النجف في السا
نصرالله : ساعدتُ والدي في بيع الخضار وتمنيت لو أصبح مثل الأمام الصدر
ذهبتُ الى النجف في السا
الثابت والمطلق والحتمي في تاريخ الأمم والشعوب ان القادة الاستثنائيين الذين يكتبون المستقبل المشرق لشعوبهم لا يولدون »بالدزينات« على حد تعبير أحد الفلاسفة العظام.
ولقد أكدت التجارب التاريخية أن دور الفرد في التاريخ حقيقة ثابتة، وان الظروف الموضوعية حين تنضج لثورة فانها ربما تكون أمام فرصة ضائعة او مهدورة اذا لم تتح لها قيادة تاريخية تتجسد بقائد فرد ينظر الى حركة التاريخ بمنظار المستقبل دون الغرق في موازين القوى منطلقاً من الايمان بحركة الناس والامل الذي لا يستسلم لرتابة الانتظار ولا الرهان السلبي على الغد.
والقادة الذين لا تنجب منهم الامم الا النوادر يتميزون بصفات فريدة ومتعددة ولكن جوهرها أربعة:
1ـ ربط الفكر بالممارسة.
2ـ الصدق ـ البساطة ـ الشفافية ـ والخطاب المباشر
3ـ الكريزما الذي تتوفر بشخصية القائد
4ـ القدرة البارعة على ربط التكتيك بالاستراتيجية والتمكن من كل التفاصيل، والقدرة على معالجتها بطريقة ابداعية.
وبالخلاصة فان كل هذه المميزات تجتمع بالامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله.
ولو عقدنا مقاربة بين السيد حسن نصرالله والقادة العظام في التاريخ، من صلاح الدين الايوبي الى نهرو الى المهاتماغاندي، الى قائد الاتحاد السوفياتي العظيم لينين، الى ملهم الثورة الصينية ماوتسي تونغ، الى هوشي منه في فيتنام الى ديغول الى القائد جمال عبد الناصر، فان السيد حسن نصرالله يوازيهم بالفكر والممارسة بل يملك قدرات اضافية لجهة التقاط اللحظة التاريخية لصناعة الاحداث الكبرى وصياغة المستقبل.
ولو عقدنا ايضاً مقاربة مع القادة المتطهرين من الصحابي الى الرسل وصولا الى غيفارا وجياب، فان الفارق الوحيد هو العصر والزمان والوحي عند الرسل، وتحت الرسل لا أحد يوازيه.
فالسيد حسن نصرالله احد تلاميذ المدرسة الفكرية والنضالية لقائد اسلامي طبع نهاية القرن العشرين باسمه وفكره وهو الامام الخميني، واحدث تغييراً في مجرى البشرية.
فنشأة السيد حسن نصرالله كنشأة كل القادة التاريخيين، ولد في بيئة فقيرة وتربية صالحة اجتماعياً وكفاحياً، فواجه الفقر بعصامية وانخرط في النضال بأشكال مختلفة.
تحصيل علمي ليس بالمعنى الاكاديمي بل بالمعنى الفكري والنضالي، وتجربة فذة منذ أن كان شبلا في حركة أمل الى تأسيس حزب الله الى قائد لمنطقة البقاع الى قم والنجف الى امين عام لحزب الله الى قائد للأمة كلها.
هذه التربية النقية خلقت »كاريزما« جعلت منه قادراً على حلحلة كل القضايا واشاعة الاطمئنان لدى الناس عند سماع كلماته ووعده وصدقه، حيث الناس تأخذ نفساً عميقاً ومريحاً عند كل اطلالة وموقف.
قدم ابنه شهيداً ليكون من ذوي الشهداء وليس من الذين يجلسون في الصالونات السياسية، وينظرون على الناس، فارسل اولاده الى جبهات القتال قبل اولاد الناس، وهذه الجبهات ايضاً عرفته في الكثير من الملاحم البطولية وهذه هي قيم القادة العظام.
زاهد بالمناصب، تاريخ ناصع بالصدق والشفافية ونكران الذات والتمسك بالكرامة والشرف وقيم النضال وعشق الحياة وثقافة الحياة، احتشدت به القيم النبيلة فتجاوز بها تخوم ذاته ليذوب في الذات الجماعية وليغدو رمزاً للوطن والأمة ولنهضتها وعنفوانها.
قارىء صادق وعميق وصحيح للتاريخ، واجه التحديات وشق الطريق الى تغييرات تقارب المستحيل مواصلاً العمل والكفاح للوصول بالامة ومستقبلها الى شط الامان.
نقل زمام المبادرة الى يد المقاومة على حد قول قادة اسرائىل، قلب موازين القوى حيث ولى زمن الهزائم والانكسارات، وفتح الطريق لريادة مشروع الشرق العربي والاسلامي على انقاض مشروع الشرق الاوسط الجديد.
فالسيد حسن نصرالله قائد فذ عبر 20 سنة من الانجازات والانتصارات والمواجهات على الأرض التي اكدت كلها على عظمته، حيث استطاع ان يحل التناقض المزمن في حركة التحرر العربية بين النظرية والممارسة بين العمل والهدف فنزل الى ساحات النضال جامعاً الحزم في المبادىء والوفاء للثوابت والسياسات الواقعية المرنة في ادارة الصراع الداخلي. ونجح فيهاجميعاً، وانقذ لبنان من آتون الصراعات المذهبية والفئوية، حيث كان ضعيفاً جداً أمام الصراعات الداخلية بعكس ما بان منه من شجاعة نادرة وصلابة في ادارة الملفات مع العدو الصهيوني ان كان في المفاوضات لاطلاق الاسرى أو في ساحات المواجهات في الجنوب اللبناني. وكل هذا المسلك جاء ليعبر عن مدى عظمة هذا الرجل وقدراته الهائلة ونفاذ بصيرته.
قيل عنه انه يسبح عكس التيار ، ووقف بوجهه كم هائل من الاعداء المتربصين شراً لكنه واجه الفواجع وعواصف الثورات المضادة وامسك بقوة بناصية التاريخ بقلب لا يعرف الخوف ويد لم ترتجف ابداً واطلق العنان لعوامل المقاومة العنيدة لانهاك العدو فكانت الانتصارات ثمرة أكيدة للاستراتيجية التي فتحت الطريق لزوال الدولة الغاصبة واستعادة ارض فلسطين كل فلسطين.
»الديار« اعدت ملفا شاملاً عن الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله، بالاضافة الى انطباعات قيادات سياسية عن شخصيته ومواقفه التي لم تتبدل ولن تتبدل منذ تسلمه الامانة العامة لجهة تحرير الارض وبناء الدولة القوية والعادلة.
الحلقة الاولى تتضمن السيرة الذاتية عن سماحته كما كتبها بخط يده »لرسالة الحسين في طهران« بتاريخ 12 آب 2006 وبالانكليزيةوهذا نصها:
كان والدي - السيد عبد الكريم - بائع فواكه وخضروات، وكان إخوتي يساعدونه في هذا العمل. وحينما تحسنت احوال ابي المالية فتح محل بقالة صغير في الجوار، فكنت أذهب الى هناك عادة لأساعده. كانت لدينا صورة للإمام موسى الصدر معلقة على الحائط في المحل. وكنت أجلس على كرسي امام تلك الصورة وأحملق فيها. ولطالما تمنيت لو أصبح مثله يوماً.
لم يكن في الحي الذي نقطنه - والذي يحمل اسم »الكرنتينا« - مسجد، فكنت أذهب الى مسجد في سن الفيل أو برج حمود أو النبعة لأصلّي. وكنت أقرأ كل ما تقع عليه يدي من مادة للقراءة، وبخاصة من الكتب الإسلامية. فاذا كان هناك كتاب لا أفهمه أضعه جانباً لأقرأه حينما أصبح أكبر سناً.
التحقت بمدرسة النجاح في الحي لأتلقى تعليمي الابتدائي، وكنت بين المجموعة الأخيرة من الطلاب الذين نالوا شهادتها. بعد ذلك ذهبت الى مدرسة سن الفيل الحكومية لأواصل تعليمي هناك، غير ان نيران الحرب الأهلية في عام 1975 اندلعت في أعقاب ذلك مباشرة. من ثم غادرت »الكرنتينا« وعدت - بصحبة أسرتي - الى قرية البازورية حيث ولدت. بعد ذلك أنهيت تعليمي الثانوي في احدى المدارس الحكومية في مدينة صور الساحلية.
قبل ذلك - حينما كنا لا نزال نقطن في حي »الكرنتينا« لم يكن أي من أفراد أسرتي منتمياً لأي من الأحزاب السياسية. في الوقت نفسه، فإن عديداً من المنظمات السياسية - التي كانت بعضها منظمات فلسطينية - كانت نشطة في المنطقة، انما، في ما بعد - حينما رحلنا عائدين الى البازورية - انخرطت في صفوف حركة أمل. وكان هذا خياراً اتجهت اليه بشغف شديد لأنني كنت شديد الإعجاب بالإمام موسى الصدر. في ذلك الوقت كنت ما أزال في الخامسة عشرة من عمري، وكانت حركة أمل تدعى وتعرف بـ»حركة المحرومين«. وكان اهتمامي بقرية البازورية يتراجع لأن تلك القرية كانت تتحول الى مضمار لنشاط المثقفين الماركسيين، وبخاصة مؤيدو الحزب الشيوعي اللبناني. على اي الأحوال، فإن أخي السيد حسين وأنا أصبحنا عضوين في حركة أمل، وعلى الرغم من صغر سني فإنني سريعاً ما أصبحت ممثل قريتنا.
الذهاب الى النجف
في غضون أشهر قليلة اتخذت قراراً حاسماً بأن أذهب الى النجف الأشرف في العراق. وكنت وقتها بالكاد في السادسة عشرة من العمر وواجهت عقبات كثيرة في وجه ذهابي. لكن، لأن اعتمادي كان على الله، قابلت في أحد الأيام في مسجد في مدينة صور علاّمة اسمه السيد محمد الغروي. كان يعمل هناك مدرساً نيابة عن الامام موسى الصدر. وبمجرد أن سمع مني أنني أريد الذهاب الى النجف الأشرف لأتلقى العلم، كتب رسالة وأعطاها لي. كان السيد محمد الغروي صديقاً مقربا ومفضلاً لآية الله العظمى السيد محمد باقر الصدر. وكانت الرسالة التي زودني بها رسالة توصية لالتحاقي بفصول هذا العلامة البارز.
وبمساعدة الأصدقاء ومساعدة والدي، وبيع بعض متعلقاتي، جمعت بعض المال وطرت الى بغداد، ومن هناك ركبت حافلة الى النجف. وحينما وصلت الى النجف، لم يكن قد بقي في جيبي شيء من المال. غير ان هناك كان مزيد من الغرباء الذين يعانون الوحدة في النجف. والأهم من هذا - بطبيعة الحال - حقيقة أنه يتعين على باحث ان يتعلم كيف يعيش حياة محترمة وهو خاوي الوفاض. كان طعامي خبزاً وماء، وفراشي قطعة اسفنج مستطيلة. بمجرد أن وصلت سألت الدارسين اللبنانيين الآخرين هناك عن الكيفية التي يمكنني بها أن أوصل خطاب التوصية بي الى آية الله الصدر الذي كان يعدّ من أعمدة الحوزة الدينية،وأبلغوني أن باستطاعة السيد عباس الموسوي ان يسدي هذه الخدمة لي.
حينما تقابلت والسيد عباس الموسوي - ولأنه كان ذا بشرة داكنة قليلا - ظننته عراقياً. لهذا تحدثت اليه بعربية فصحى، ولكنه في رده عليّ قال لي: »لا تقلق: فأنا أيضا لبناني، وقد جئت الى هنا من منطقة النبي شيت!«. هكذا كان تعارفنا، وهكذا بدأت صداقة وثيقة بيننا. كان السيد عباس صديقاً وأخاً ومعلماً ورفيقاً لي. وقد افترقنا حينما أطلق الاسرائيليون الصواريخ على سيارته من طائرة مروحية، واستشهد السيد عباس ومعه زوجته وطفله الصغير. وقع هذا الحدث بعد ستة عشر عاما من البداية الحلوة لصداقتنا في مدينة النجف.
بعد ان استقبلني آية الله الصدر وقرأ رسالة التوصية بي من السيد محمد الغروي سألني: »هل لديك أية نقود؟«، فأجبته: »ولا ملليم!«، عندئذ التفت الى الموسوي وقال »أولاً، دبّر له غرفة، ثم كن معلمه ودر بالك عليه«. بعد ذلك أعطاني بعض النقود لأشتري لنفسي بعض الثياب والكتب، وكذلك بعض النقود لأنفق منها طوال شهر. وقد دبر الموسوي غرف لي في الحوزة بالقرب من بيته هو.
في ذلك الوقت كان السيد عباس الموسوي قد تزوّج لتوه، وكان مسموحاً للأزواج بأن تكون لهم بيوت مستقلة خاصة بهم. ولكن الدارسين العزاب كانت تخصص لهم غرف واحيانا ما كان يقطن اثنان او حتى ثلاثة منهم معا في غرفة واحدة. كذلك كان هناك رسم شهري صغير عن كل دارس بقيمة خمسة دنانير.
كان لليسد عباس الموسوي - الذي كان قد اجتاز دروس المرحلة الابتدائىة ودخل المرحلة التالية - عدد من التلاميذ. وكنت واحدا منهم. كان موسوي شديد الانضباط والجدية. وبسبب تعاليمه المشـددة استطعنا ان نكمل دروس خمس سنوات في سنتين اثنتين. كان علينا ان ندرس طوال الوقت حتى في الاعياد مثل عطلتنا في شهر رمضان وفي موسم الحج من دون ان نأخذ انقطاعا للراحة بل اننا كنا ندرس في ايام الخميس والجمعة التي كانت عطلة نهاية الاسبوع المعتادة في الحوزة الدينية.
في عام 1982 اتممت منهاجي الدراسي الاول بدرجة مقبول. وفي السنة نفسها بدأ نظام البعث الحاكم يمارس ضغطا على الدارسين الاكراد ورحل كثيرون منهم الى بلادهم. واجبر دارسون كثيرون من جنسيات مختلفة على ان يتركوا تعليمهم قبل إتمامه. واسوأ حتى من هذا ان ساسة بغداد خصوا الدارسين اللبنانيين باتهام بأنهم عملاء لحركة امل. وكانوا يذهبون في بعض الاحيان الى حد الربط بيننا وبين حزب الدعوة وحزب البعث السوري وقالوا في النهاية انه ايا كان جدول اعمالنا فإن جهاز المخابرات السوري هو الذي ارسلنا. واخيرا في عام 1987 طرد الدارسون اللبنانيون - شأنهم شأن الدارسين من بلدان اخرى - من العراق (وقد جرى ذلك لكثيرين منهم بعد ان احتجزوا في الاعتقال لعدة اشهر).
غارة قوات صدام
في تلك الاثناء اغارت قوات صدام على الحوزة الدينية. وكان السيد عباس الموسوي في لبنان في ذلك اليوم بالتحديد ولكن اسرته كانت لا تزال في النجف وابلغه تلاميذه بأن لا يعود الى العراق لأنه كان مطلوب فيه. اما انا فكنت محظوظا وقتها لأنني لم اكن هناك عندما اغارت الشرطة على الحوزة الدينية وبمجرد ان عرفت بما حدث غادرت النجف على الفور. وحيث ان امر القبض علي كان صادرا عـن منطقة النجف وليس عن البلد ككل فإنني لم اتعرض لمشكلة عند نقطة الحدود. وتمكنت من مغادرة العراق بسهولة وعدت الى لبنان في النـهاية.
اسس الموسوي ومعه عدد من علماء الدين مدرسة للعلوم الدينية في بعلبك ولا تزال هذه المدرسة قائمة الى هذا اليوم. واصلت دراساتي في تلك المدرسة وابقيت على تعاوني مع حركة امل. وفي عام 1978 عينتني حركة امل ممثلا سياسيا لها في منطقة البقاع وكانت تلك هي الطريقة التي اصبحت بها واحدا من الاعضاء السياسيين للمكتب المركزي. وفي العام نفسه انهيت ايضا منهاجي الدراسي الثاني في الحوزة.
اجتياح لبنان
في حزيران 1982 بدأت اسرائىل اجتياحها الشامل للبنان وعندما استولى الاسرائىليون على بيروت تأسست جبهة تدعى »جبهة الخلاص الوطني«. وقد ابدى نبيه بري زعيم حركة امل قدرا كبيرا من الاهتمام بانضمام حركة امل الى تلك الجبهة ولكن الاصوليين الدينيين في حركة امل كـانوا معارضين لهذا. ومن تلك النقطة بدأت تتصاعد الخلافات وانفصلت المجموعة الاصولـية عـن الحركة. وكانت هذه مسألة واضحة ومتوقعة لأن بعض الخلافات في الرأي وبخاصة في ما يتعـلق بوجهات نظرهم وتفسيراتهم لنصائح الإمام موسى الصدر كانت ملحوظة تماما من مرحلة سابقة. ولاحظوا ان طاولة الإنقاذ كانت تخطط لجـعل بشير الجميل رئىسا لجمهورية لبنان وكان هذا قرارا لا يمكن ان يقبله الجـناح الديـني في حـركة امل على الاطلاق. وكانت القوى الدينـية تعتقد ان زعيم جماعات الكتائب شبه العـسكرية كان مستعدا تماما للتوصل الى اتفاق مع الاسرائىليين.
ترك الاصوليون حركة امل ودخلوا في ائتلاف مع جماعات اخرى خارج تلك الحركة وذلك من اجل إقامة وتأسيس حزب الله. وعندما تركت امل لم يفعل اخي حسين كما فعلت انما بقي مع امل حتى اليوم. وقد مثّل الحركة - لفترة قصيرة - في منطقة الشياح ولكنه استقال من ذلك المنصب في وقتها بسبب حالته الصحية (اذ كان قد مرض).
أنا وأسرتي فقدنا ابننا الغالي الذي نحبه ولكننا سنلتقي به في الحياة الابدية
حينما تطأ قدماي بيتي أترك كل عملي ومصاعبه عند الباب حتى أصبح زوجاً وأباً
كل من قيض له ان يلتقي الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله يخرج مأسوراً بالسحر الخاص لهذه الشخصية الفذة، فهو المتواضع الذي يلاقي ضيوفه بسلام حار، ويتحدث مستفسراً عن الخاص والعام بهدوء و»حميمية« وهو المستمع الجيد الذي يسأل ويتابع حين يحمل زائره رأياً او موقفاً، وهو المحاور الذي يناقش برفق، ويفكك المنطق المقابل ليجد المختلف نفسه على ارضية مشتركة معه في كثير من المفاصل الذي كان يفترض ان بينه وبين السيد مساحات افتراق فاذا بالحواريؤدي الى تضييق المسافات.
حديث السيد في مجالسه له نكهته الخاصة. فالسيد واسع الثقافة سريع النكتة، متابع بدقة للكثير من القضايا والمواضيع ولكنه يعرض اراءه ومواقفه بتواضع حتى يشعر محاوره بانه يشاركه في التفكير و»يستحثه« على المناقشة.
كثيرون خرجوا من اللقاء الاول مع السيد حسن نصرالله وبينهم زعماء وقادة وكتّاب وديبلوماسيون في حالة تقارب الذهول وعبروا لمن التقوهم بعد اللقاء مباشرة عن اعجاب لا يوصف بالسيد وحديثه وتواضعه رغم ان بعضهم في مواقف سياسية مخالفة.
هو السياسي والمفكر والمقاتل والقائد ولكنه في كل ذلك اولا واخيراً الانسان الطيب الودود الصادق الذي تأنس للقائه ويشتاق كل من يعرفه مباشرة للجلوس معه، سواء كان مختلفاً معه، أو بعيدا عنه كمقام سياسي أو متأثراً بصورته الجذابة في المشهد السياسي.
وبقدر ما يتعرض الزائر للمرة الاولى لرهبة المواجهة مع شخصية بوزن سماحة السيد وموقعه في صياغة الاحداث ومستقبل الامة العربية والعالم الاسلامي خاصة منذ العام 2000 فانه يفاجأ بالتواضع والبساطة اللذين يخـطف بهـما السـيد القلوب والعيون والضمائر في مجلسه ويحرر زواره من كل تكلف بضحكة عابرة وسؤال عن احوال العائلة والبيت والجوار في قضايا ومواضيع شتى تفرضها طبيعة الزوار واللقاء.
»الديار« اعدت ملفا شاملاً عن الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله بالاضافة الى انطباعات قيادات سياسية عن شخصيته ومواقفه التي لم تتبدل ولن تتبدل منذ تسلمه الامانة العامة لجهة تحرير الارض وبناء الدولة القوية والعادلة.
الحلقة الثانية تتضمن السيرة الذاتية لسماحته وهي استكمال للحلقة الاولى، وهي بخط يد السيد كما كتبها لمجلة رسالة الحسين في طهران ونشرت بتاريخ 12 ايار2006 وبالانكليزية وهذا نصها:
كنت الابن الاكبر في اسرة من احد عشر عضوا. كان لي تسعة اخوة واخوات، ويجيء الحسين بعدي، وبعده زينب ثم فاطمة - التي ما تزال في بيت الاسرة - بعدها يأتي محمد، وهو رجل اعمال، ثم جعفر وهو موظف. وبعدهم في الترتيب بحسب العمر:زكية وآمنة وسعد، وكلهم متزوجون.
اخواتي جميعهن عضوات ناشطات في حزب الله. اما عن اخوتي فكانوا جميعا في حركة امل في البداية. والان فجلهم - عدا حسين - تركوها. محمد في الاساس ليس معنيا بالشأن السياسي: وهو وان لم يكن عضوا في حزب الله، فانه يتفق معه. مع ذلك جعفر لم يستقر على توجه سياسي حتى الآن: وما نزال الى الآن نتناقش ونتناول وجهات نظرنا بعضنا مع بعضنا الاخر منذ فترة.
واليوم يحقق حزب الله تقدما طيبا ويتغير الى الافضل. هدفه هو التحرك في الاتجاه الصحيح مع ضرورات الزمن مع التمسك بمبادئه الشيعية. ومن الخطأ ان نعتقد ان باستطاعة اي شخص - ايا كان علو مقامه - ان يراكم ويحتكر كل المعرفة الفكرية والدينية والفقهية والسياسية في العالم لذاته. يؤمن اعضاء حزب الله ان الشخصية العظمى، الاكثر تميزا بلا منازع في القرن العشرين كان الامام الخميني. وبعد رحيل الامام الخميني فان من الطبيعي ان الامام الخامنئي هو الخليفة الاصوب للخميني. وفي رأينا ان الآراء والافكار السابقة ما تزال لها قيمتها.
حينما تأسس حزب الله كنت في الثانية والعشرين من عمري، وكنت عضوا في قوة باسق المقاومة. وفي وقت لاحق اصبحت مديرا للحزب في منطقة بعلبك. بعد ذلك اصبحت مدير الحزب لمنطقة البقاع بأسرها. وبعد مضي فترة عينت معاونا ثم نائبا للسيد ابراهيم امين السيد، الذي كان مديرا للحزب في بيروت. بعدذلك بوقت قصير قرر الحزب ان يفصل الشؤون السياسية عن نشاطاته العملاتية والتنظيمية. واختار السيد ابراهيم الفرع السياسي واصبحت مدير منطقة بيروت بعده. ثم انشئ منصب المدير العام التنفيذي وكانت مسؤولياته تشمل تنفيذ اوامر المجلس الاستشاري. وقد عينت في هذا المنصب.
وعلى الرغم من المسؤوليات التي احملها في الحزب - والتي تأخذ معظم وقتي فعليا - قررت ايضا ان اواصل دراساتي. الا انه في اعقاب الاجتياح الاسرائيلي الشامل كان علي ان اضع دراساتي جانبا. وبعد ذلك بسبع سنوات، في عام 1989 اصبح الوضع مناسبا للدراسة مرة اخرى. ثم - وبتصريح من الحزب - ذهبت الى قم لاتمام تعليمي. وبطبيعة الحال، فانه حتى في ذلك الوقت لم يتوقف مروجو الشائعات عن عملهم. قالوا ان السيد نصرالله غادر لبنان بسبب نزاع بينه وبين قادة حزب الله.
في اعقاب تصاعد الخلافات مع حركة امل ونشوب صراعات مسلحة في منطقة البقاع، اعتبرت ان واجبي ان اعود الى لبنان. وبطبيعة الحال كان هذا ايضا ما ارادني الحزب ان افعله. ثم، لم اتمكن - مرة اخرى - من اغتنام الفرصة ومواصلة دراساتي الى النقطة التي كنت اوّد. واليوم، فان رغبتي الكبرى هي ان يخفف اخواني عبء العمل عليّ ويعفوني كأمين عام للحزب حتى استطيع ان اعود الى الحوزة واواصل دراساتي كباحث.
بعد اغتيال عباس الموسوي على يد الاسرائيليين اخترت زعيماً لحزب الله واميناً عاما للحزب. قبل ذلك، وفي اثناء زمن اقامتي في قم عهدوا بمسؤوليتي التنفيذية في المجلس الاعلى للحزب لمساعدي الشيخ نعيم قاسم. ثم، عندما عدت من قم اديت واجبي كعضو في الاطار القيادي من دون ان تكون لي اي مسؤوليات محددة. مع ذلك، عندما اختير السيد عباس الموسوي امينا عاما للحزب عين نعيم قاسم نائبا له، وعدت انا الى منصبي السابق.
في عام 1992 اغتال الاسرائيليون السيد عباس الموسوي. ثم رتب اعضاء المجلس الاستشاري اجتماعا لاختيار خليفته.وتبين انه كان انا من اختير. وفي اليوم الذي اختارني فيه المجلس الاستشاري كانت لدي مخاوف كثيرة وقلق شديد لاننيكنت آنذاك اصغر سـنا بكثـير. وحـتى تلك النقطة كنت مكلفا فقط بالترتيبات الداخلية للحزب. ولم تكن لي خبرة بشؤون الحزب الخارجية. غير ان المجلس اصرّ على ان اتولى الوظيفة. رفضت في البداية، ولكنني - لاحقا - وحينما الح عليّ الخبراء قبلت هذه المسؤولية في النهاية.
الاهتمام بالعائلة
في عام 1978 تزوجت الانسة فاطمة ياسين من حي العباسية في مدينة صور، وبالاضافة الى ابني هادي - الذي استشهد في عمر الثامنة عشرة - لي ثلاثة ابناء آخرين، محمد جواد، وزينب ومحمد علي. حينما تطأ قدماي بيتي اترك كل عملي ومصاعبه عند بابه حتى اصبح زوجا وابا يرعى بيته. انني احاول ان احفظ قيمة حياتي الخاصة وايماني.. اقرأ كثيرا، وبخاصة عن مغامرات السياسيين. والان فانني منذ فترة اقرأ سيرة حياة شارون، وساعود الى قراءة هذا الكتاب مرة اخرى وكذلك قراءة كتاب نتنياهو ومكان تحت الشمس.
في رأيي ان حزب الله لا يعني مقاومة فحسب. اليوم حزب الله هو ايضا عقيدة وايديولوجية سياسية مبنية على الاسلام. والاسلام بالنسبة الينا بايجاز ليس مجرد دين فحسب محدود بالعبادة والطقوس الدينية. الاسلام واجب الهي خاص للانسانية كافة، وهو الاجابة عن كل الهموم العامة والمحددة للبشرية. الاسلام دين لكل مجتمع يريد ان يثور وان يقيم حكما. الاسلام دين تستطيع ان تقيم عليه حكما على اساس مبادئ. ولست انكر ان رغبة حزب الله هي ان يقيم نظام جمهورية اسلاميةيوما ما، لان حزب الله يعتقد ان اقامة حكومة اسلامية هي الطريق الوحيد لتحقيق الاستقرار لمجتمع، وهو الطريق الوحيد لتسوية الخلافات الاجتماعية، حتى في مجتمع مكوّن من اقليات متعددة. ومع ذلك، فان اقامة جمهورية اسلامية ليست امرا ممكنا بالقوة والمقاومة. انه يتطلب استفتاء وطنيا واستفتاء يفوز بنسبة 51 في المئة من الاصوات ليس - مع ذلك - حلا. الامر يتطلب استفتاء يصوّت له تسعون في المئة من الشعب. ثم - ومع هذه الفرضية وبالنظر الى الامر الواقع، فان اقامة نظام جمهورية اسلامية في لبنان ليس ممكنا في الوقت الحاضر.
الموت ليس سوى بوابة بين عالمين. بعض الناس يعبرون هذه البوابة بصعوبة ومعاناة، وبعضهم يعبرها بيسر وطواعية. والشهادة هي الطريق الافضل للعبور الى عالم الابدية، لان الشهادة واحدة من منح الخالق العظيم المجيدة. حينما يموت شهيد (اي ينتقل من مكان الى آخر) يكون ذلك مثل شخص يذهب الى السماء ومعه هدايا ثمينة. هذا هو السبب في ان للشهادة قيمة كبرى لاناس آخرين (للمسلمين). وحتى في تلك الامم التي لا تؤمن بالله، حينما يكرس الناس ارواحهم لوطنهم وامتهم ولهدف يؤمنون به. يكون ذلك موضع استحسان واعجاب. وكأب فقد ابنه لا يساورني قلق، فانني على ثقة من ان ابني في الجنة مع ربه العظيم. قبل ان يستشهد هادي كانت صوره لا توجد الا في بيتنا. اما اليوم فان صورته موجودة فيكل مكان وفي كل بيت. صحيح ان اسرتي وانا قد فقدنا ابننا الغالي الذي نحبه، ولكننا على ثقة من اننا سنلتقي به في الحياة الابدية يوما ما.
اما عن الصفات القيادية (الكاريزما) التي تقولون ان الناس يرونها فيّ، فانها ليست شيئا يتوجب عليّ ان اتحدث فيه. انما هي شيء يتحدث عنه الناس. اما الكاريزما بوجه عام فتعني النفوذ الذي يملكه شخص ما على الآخرين. وهذا - في الحقيقة - نعمة من الله يمكنه ان يحسنها اكثر بالمعرفة والخبرة، على الرغم من ان المعرفة والخبرة ليستا كافيتين لجعل شخص كاريزميا. انها تحتاج ايضا الى نعمة من الله وقصد.
❊ ولد الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله في 31/8/1960 في حي شرشبوك شرقي بيروت في النبعة.
حقائق عن السيد حسن نصرالله
من زاره سيجد حين يزوره في الاعوام التالية حتى اليوم بأنه لم يتغير، وساعة يده السايكو تغيرت منذ عامين بساعة من نفس الماركة لا يزيد ثمنها عن تسعة عشر دولاراً وأن كل الهدايا الثمينة التي ترسل له من المغتربين والأغنياء والزوار يتبرع لها »للشباب« لأنهم أحق بمالها الذي تباع به.
يوم زاره كوفي عنان في العام الفين طلب له الكابوتشينو وقنينة بيريه لأنه كان يعرف ما الذي يحبه كوفي وما الذي يرغبه وتلك كانت الرسالة الأولى لكوفي عنان إلى أن مهمته مستحيلة مع رجل يهتم بالتفاصيل المملة عن حياته وشرابه المفضل.
لم يتورع يوما عن دعوة محامي لبناني إعتقل لشبهة العمالة بحكم علاقته مع شخصيات اجنبية مشبوهة ليتبين فيما بعد أن الرجل لم يكن له علاقة أمنية معهم وليعتذر منه نصرالله وليقدم له عرضا قائلا »انا المسؤول خذ حقك مني حتى ترضى إن لم يكفيك الإعتذار الشفهي وكوب الشاي الأسود والمكسور بالماء الساخن«.
في إحدى مناسبات شهر رمضان أقيمت لدار أيتام في منطقة سوق الروشة الجديد وكان ذلك في أول ظهور له بـعد انتخابه امينا عاما وكانت الدعوة موجهة للحاضرين بداعي جمع التبرعات لصالح مبرة أيتام لا علاقة لها بالحزب.
وكان من الحاضرين وزراء ونواب وقادة جيش ورجال سياسة وديبلوماسيين.
حين دخل نصرالله بلحمه وشحمه مرّ بجانب الزعماء ولم يتوقف بل حيّاهم من بعيد واضعا يده على صدره ولكنه حين وصل الى طاولة »معثرين« سلم على جميع من على الطاولة باليد وجلس من دون الألتفات الى طاولات الزعماء التي دعي من المشرّفين ليجلس عليها.
ولكنه أكتشف سريعاً بأن مجموعة من رجال الأعمال والتجار وبعض الأخوة الكويتيين من التجار الكبار هم من يجلس معهم.
وقد لحظ الجميع أن الرجل يثير في النفس أحاسيس متناقضة تجعلك تحسه حين يحادثك بأنه محنك لأقصى درجة رغم محاولته إخفاء ذكائه وثقته بنفسه وتواضعه الذي لا يخفي خفة دمه وسرعة استيعابه لمستوى الموجودين. ففر من الطاولة تلك وحط على طاولة فقراء ومساكين. أحد الموجودين علّق فقال »الرجل خائف أن يجلس مع الأغنياء فيصاب بعدوى«.
آخر أخبار أبو هادي انه ينام قليلاً ويقوم كثيراً وأنه صائم منذ اليوم الأول لتهجير المدنيين مساواة لنفسه بهم (تذكرون ظهوره التلفزيوني وفمه الجاف) وأنه ينام على حرام يغطي الأرض التي يتمدد فوقها لساعات قليلة عليه ويرفض النوم على سرير أو حتى فوق فراش من الإسفنج.
حسن نصرالله يفاوض في اجتماع ويتابع التفاصيل في اجتماع آخر وبين هذا وذاك يتابع قراءة دعاء يقطعه تطور يستدعي معالجة منه ثم يعود الى دعائه وصلاة نافلة تقربا الى الله... يقول عنه المقربون انه يعرف ما الذي يمثله شخصه ولكنه لا يستمتع به ولا يفخر بل يخافه ويتهيب المسؤولية فهي ضخمة وتستدعي التهيب للحظات. يقولون أيضاً أنه تغير منذ العام اثنين وتسعين، صار أكثر روحانية وعرفانا وقربا الى الله يحسم الأمور القيادية بلا تردد ولكنه لا يمانع في عقد قران عروس على عريسها ممن يطلبون منه ذلك ويمازح ويبارك لهما بأطيب الكلمات توددا ثم يعود للعمل.
اسرائىل تقصف بيوت الفقراء بحثا عن نصرالله وهو هناك فوق تلال الجنوب ووديانه حاملا كفنه مطمئنا على كهوف المقاتلين وأنفاقهم ومشجعا هذا مدللا ذاك من رجال الله في لبنان.
مشكلة السيد حسن انه حنون »زيادة عن اللزوم« في الأمور المتعلقة باللبنانيين وخصوصا خصومه الداخليين، فهم شركاء في الوطن وذلك كاف
لأبن جبل عامل ليحفظ وداً في مكان ما لمن يمني النفس أن يستفيقوا من عمالتهم قبل فوات الآوان.
شوق الوالدين
نصر الله : سأبقى خجولاً امام اللواتي قدّمن فلذات أكبادهن لصون الارض والعرض
لم يخل خطاب للامين العام لحزب الله السيد حـسن نـصرالـله مـن ذكر عوائـل الشهـداء وامــهــات الشهــداء واطفـال الشهـداء وابـاء الشهــداء، والتـأكــيد علــى الوفــاء »لصــبرهن« وتضحــياتهــن وعظـمتـهن وخـجله امـام امـهات الشــهداء، وسيــبقى »خجلاً«امام الذين قدموا »فلذات اكبادهن« لصــون الارض والعرض والشرف وللواتي وضع الله الجنة تحـت اقدامــهن.
فامهات الشهداء هن كنوز هذه الامة، وبصبرهن تحققت الانجازات وفي عيدهن كل التـحية لـكل الامـهات وخصـوصاً لامـهات الشهداء اللواتي سيعدن رافـعات ســنابل القمـح واغصـان الزيتون لننعم بربيع الامومة وربيع النصر من رجس الاحتلال.
وقـد عـبرت السـيدة »ام حـسن« والدة الامــين الـعام لحـزب الــلـه السيد حسن نـصرالـله عن شـوقها لابـنها بدمعــتين انحــدرتا عنوة وقالت »انا عطول مشتاقتلو.. وقليل لشوفوه« وهي توجه الى امهات الشهداء وعوائل الشهداء التـحية القلبـية في عيد الام وتدعو الى الله ان يجزيهن خير الدنيا والاخرة ولا تنسى في بطاقة المعايدة، هذه ان تذكر والد الشهداء الثـلاثة،والحـاجـة ام عـماد مغــنية ورفيــقة درب سـراج عـمرها »ام هادي«.
اما شقيقة السيد الحاجة زكية فتعتبر ان »السيد« نموذج لن يتكرر حتى في اولادها واخوتها، و»امـي سـتبقى نمـوذجـاً لـلامهـات العابرات اللواتي لن يتكررن الا في مجتمع شريف مقاوم«.
فتحية الى اعظم ام وهي ام الشهيد وتحية الى الام المنتظرة في ظلمة الليل، ايتها الام التي لبست الاسود بصمت، وارسلت ولدها ليضيء بدمه الطاهر نور شمسنا الغائبة.
أم حسن : »انا عطول مشتاقتلو.. وقليل لشوفو« ولأمهات الشهداء التحيّة القلبية
خلف نظارتين سميكتين وبين معالم يظللها سواد العمامةواللحية،تلمع عينا السيد حسن نصرالله ببريق جديد مغلف بالترقب، فالعرب لم يعرفوا الفرح منذ عقود ولم يختبروا تاليا نتائجه.
محطات خاصة وعامة طبعت شباب السيد.. فكان يصبر على الخاص وينصرف الى العام، وهو الذي يقول انه نذر نفسه لقضية تجاوزت الوطن الى الانسان وكرامته.
لا ينتمي الى عائلة سياسية تقليدية، ولم يتخرج من بيت سياسي كان صاحبه نائبا او وزيرا ولم يلمع اسمه في الحرب ولا بعد الحرب ولم يكن قائد ميليشيا او زعيم تنظيم فرخته دوائر المخابرات.
لم يعرف كرجل دين واعظ وخطيب في المساجد والحسينيات ولم يكوّن اتباعا يتحلقون حوله في كل مناسبة.
باكراً شعر بانه ليس كاقرانه في الحي، لم يكن هاجسه اللعب. كان الاولاد يذهبون الى البحر والنهر للسياحة، ويقصدون كل فسحة للعب بالكرة.. فيما كان هو يذهب وحيدا الى المسجد سواء في سن الفيل او برج حمود او النبعة، لعدم وجود مسجد في الكرنتينا، كان اندفاعه نحو الدين داخلياً وليس وليد تأثره بالمحيط. فجو المنزل لم يتعد حدود الالتزام الديني التقليدي في واجبات الصلاة والصوم الى حال من الانغماس القوي والتدين الشديد، والاجواء في الكرنتينا تطغى عليها سمة الانفتاح والاختلاط المتعدد بين الاديان والطوائف. حين يستذكر طفولته وميله الباكر الى التدين لا يجد سببا سوى ذلك النزوع الداخلي النفسي والروحي والعقلي، وربما كان لصورة الامام الصدر تأثيرها المعنوي فيه، ذلك انه دأب وهو ابن التاسعة على النزول الى ساحة البرج لشراء الكتب من البسطات كان يختار الكتب الاسلامية او تلك التي تتحدث عن الاسلام.
لم يكن الرجل معروفاً قبل العام 1992، ومع ذلك ترك بصمة في تاريخ لبنان الحديث لا يماثلها اي حضور اخر واربك شخصيات سياسية كبيرة بقيت اسيرة لعبة الزواريب الداخلية. ترك الزواريب التي عاش فيها طفولته في منطقة الكرنتينا، احد احزمة البؤس في بيروت التي اسست لجوانب كثيرة في شخصيته، فالمنطقة عبارة عن تجمع للمحرومين من كل الطوائف قدموا من مختلف المناطق هرباً من الفقر، كان الحرمان الهدية التي جمعته مع اقرانه الاطفال فتوحد معهم في الملبس والمظهر ومصرف الجيب المتواضع وطرق التسلية.
هنا يحضر الانسان لا الطائفة في عيون الصغير الذي رأى والده النازح من البازورية ووالد صديقه الارمني او المسيحي او السني يدفعون العربات والفواكه لبيع الخضار ويسألون عن الفرج من رب واحد.
يقول رفاق السيد حسن نصرالله في مدرسة النجاح انه كان متدينا بالفطرة، يتلقى المزاح الثقيل من اقرانه بهدوء وخجل، الا انه كان شرساً جداً في رفضه اي مزاح يمس الدين او الذات الالهية، ولطالما تخاصم مع رفاقه الى حد القطيعة تجاه هذه المسائل.
رفاق السيد حسن توزعوا بين شيوعيين وناصريين وبعثيين وسوريين قوميين، اما هو الملتزم عقيدة ايمانية تسمو في رأيه على كل العقائد السياسية الاخرى، فكان يراقب حركة الامام موسى الصدر ويجزم والد السيد حسن ان ابنه تأثر كثيراً بالسيد موسى الصدر وقرر السير على خطاه والاقتداء به.
يقول قريبون من السيد نصرالله انه لم يكن يرغب ان يتورط حزب الله في اي معركة خارج نطاق المواجهة مع اسرائيل، بل لم يكن يحبذ التدخل في اي خلاف لقناعته بان ذلك يأكل من رصيد المقاومة ولا يضيف اليها وهو »السيد« يرفض اساساً نشوء الية خلاف وحل خلاف، حتى لا تتكرس وينجر الحزب الى الزواريب مجدداً.
لذلك بقي السيد رجل المهمات التنظيمية بامتياز مع بداية نشوء حزب الله، يبني كوادر يعلمها، يحضرها للمقاومة والجهاد يقيم حلقات دروس دينية بكل ما فيها من عبر واصرار على محاربة الظلم واحقاق الحق. ويروي قياديون في الحزب انه كان يقول لهم دائما »ان اسرائيل قوية في اوهامنا فقط وانه عندما نسقط هذا الوهم ونستخدم القوة الكامنة فينا، سنجد ان هذا الكيان الذي اسمه اسرائيل اوهن من بيت العنكبوت«.
ودائما كان الشهيد احمد قصير وعملية استشهاد حاضرة في اي تعبئة، ويقول السيد حسن نصرالله في حوار صحافي عن الخوف والخلل في موازين القوى: »نعود الى اسئلة 1982 حين كان الاحتلال موجودا على ارض اوسع، واذكر حين اقتحم الشهيد احمد قصير مقر الحاكم العسكري الاسرائيلي في صور وفي عملية استشهادية تحدث الاسرائيليون عن 85 قتيلا واعلن بيغن الحداد لثلاثة ايام، واطلق يومها كلاما بان اسرائيل ستدمر لبنان لانها لا تحتمل خسارة من هذا النوع وان خيار المقاومة مكلف ومجهد ومتعب«. والسيد ما فتئ يكرر هذا الكلام لاستنهاض الهمم والتأكيد على ان العين تقاوم المخرز اذا كانت في منطقة الحق.
»أبو حسن« : متفوّقٌ دائماً
قال السيد عبد الكريم نصرالله والد السيد حسن نصرالله الامين العام لحزب الله »ان السيد حسن نصرالله كان يطالع نحو 100 صفحة يوميا من الكتب السياسية والاسلامية عندما كان في التاسعة من عمره«.
واضاف عبد الكريم نصرالله »ان نجله دخل المدرسة وهو في الرابعة من عمره وحصل على أول شهادة رسمية في التاسعة وكان متفوقاً على زملائه من الناحية الدراسية«.
واوضح ان السيد حسن نصرالله كان يذهب الى المدرسة صباحا والى الحوزة الدينية مساء لتلقي العلوم الدينية وكان ملفتا في تعلم الدروس الدينية.
وتابع والد السيد حسن نصرالله ان نجله كان يقول ان بامكانه ايجاد توازن بين المدرسة والحوزة العلمية ولا داعي للقلق من ذلك لانه متوفق في كلاهما.
وذكر ان السيد حسن نصرالله كان يعاشر منذ صغره الادباء والعلماء وكان يلقي خطابات حول نهضة الامام الحسين (ع).
وقال ان السيد حسن نصرالله ذهب الى العراق في الثمانينات ابان الحرب الاهلية في لبنان وكان في ذلك الوقت في السادسة عشرة من عمره واستطاع ان يتألق في الحوزة العلمية بالنجف الاشرف.
واضاف ان المغفور له السيد محمد باقر الصدر قد سجل السيد حسن في المدرسة العلمية ومهّد لتعرفه على السيد عباس الموسوي الذي كان يرأس الطلبة اللبنانيين الذين كانوا يدرسون في الحوزة العلمية بالنجف.
واوضح انه عندما سأل السيد عباس الموسوي لدى عودته من العراق الى لبنان عن نجله السيد حسن فقال السيد عباس الموسوي ان السيد حسن نصرالله رجل عظيم »فاستغربت من هذا الكلام وقلت كيف فرد السيد عباس الموسوي ان السيد حسن هو قلبي«.
وقال والد السيد حسن نصرالله ان السيد عباس الموسوي قال مرة انه قد يستطيع ان يعيش بدون اسرته لكنه لا يستطيع العيش من دون السيد حسن نصرالله.
واضاف ان السيد محمد باقر الصدر كان يكن احتراماً كبيراً للسيد حسن وحتى انه البسه شخصيا العمامة.
واردف يقول ان نجله السيد حسن نصرالله كان مولعاً بالامام موسى الصدر »وكنت اضع صورة للامام موسى الصدر في محلي التجاري وكلما كان يأتي السيد حسن الى المحل وينظر الى هذه الصورة كان يقول بي هل من الممكن ان اصبح يوما مثل هذا الرجل«.
واوضح انه بعد اختطاف الامام موسى الصدر اصبح السيد حسن اكثر ولعا وتعلقا بافكار الإمام الخميني الراحل (رض) بحيث ان هذا الامر منحه قوة وزخما معنويا كبيرا والان عندما يتم الحديث عن الإمام الخميني (رض) فان الدمع ينهمر من عيني السيد حسن نصرالله وهذا مؤشر على تعلقه وحرصه على الإمام الراحل.
وقال انه مسرور بطبيعة الحال بأن تحول نجله بعد حرب الـ33 يوما الى بطل العرب واول انسان عربي استطاع الوقوف بوجه الكيان الصهيوني وانتصر عليه وتعرف عليه العالم اجمع.
وتحدث عن ذكرياته خلال حرب الـ33 يوما وقال انه بمجرد اسر الجنديين الاسرائيليين على يد حزب الله ابلغوه بان عليهم مغادرة منزلهم على الفور »فلقد غادرنا المنزل الى بستان بالقرب من القرية التي تقطنها شقيقتي. ولم تمض نصف ساعة حتى قصفت الطائرات الاسرائيلية منزلنا وسوته بالتراب«.
»لقد بقينا في هذا البستان 15 يوماً ومن ثم طلب منا ان نغير مكان اقامتنا فتوجهنا الى بيروت وكانت الطائرات الاسرائيلية تقصف الطريق المودى الى بيروت«.
وعما اذا كان طوال الحرب على اتصال مع السيد حسن نصرالله قال »نعم. كان هذا الاتصال يجري عبر الهاتف ولقد ارسل السيد حسن اسرته الينا مرات عديدة«.
ويقول عبد الكريم نصرالله عن والدة السيد حسن »إنها امّ وأمّ وأمّ، جوهرة الحياة في أسرتي، منذ زواجنا، لم تُغضب احداً، ولم تظلم أحداً. تاريخها معي يشهد على أنها من نسل السادة الأشراف ادباً ونسباً. لقد وفقنا الله سبحانه والتقينا كعائلتين مؤمنتين، فمن الله علينا بهذا الخلف الطاهر، والذرية الصالحة. لم تكن تهمها الدنيا في شيء. هي منذ العام 1975 تصبر على غياب اولادها عنها. كانت كلما طمأنتها عنهم تقول: سلمتهم لله. إنها فعلاً من الصابرات على الخوف والقلق والانتظار الدائم لرؤية أبي هادي.
»أم حسن« : »الله يرضى عليه«
عبرت والدة السيد حسن نصرالله عن شوقها لابنها حين مسحت دمعتين انحدرتا عنوة وقالت »انا عطول مشتاقتلو.. وقليل لشوفوه«.
وقالت عن طفولة السيد: »لقد امضاها رجلا قبل آوان الرجولة، هي حملته المسؤولية باكرا، فاهتم بإخوته الصغار في غيابها لمساعدة ابيه. نال »السرتفيكا« وكان في التاسعة من عمره. كان مجتهدا، يلبي دعوتها للدراسة ولو كان قد انهى كل واجباته. كان يحب الرياضيات والشعر. كانت تجيبه بدقة عن اسئلته في »الحساب«، من خلال خبرتها في ادارة دكانهم في النبعة، وكان يشكرها مساء لان فرضه كان خاليا من الاخطاء تماما بين رفاقه. كان محبوبا منهم ومن اساتذته. وقد حزن كثيرا عندما اضطر بسبب التهجير لترك مدرسته الاولى في النبعة »الكفاح«. وقد فتح الحياة كلها على اسمها فيما بعد. هي حملت له يوما شمعة من اقاصي القرية واضاءتها ليتابع درسه، لان ضوء القمر لم يكفه في غياب الكهرباء، شاركها السيد عناء التهجير وتبعاته من النبعة وبرج حمود، مع مطلع الحرب الاهلية، غطته بقامتها كي لا يؤذيه احد، وهما يغادران المنطقة الشرقية في شاحنة قديمة، ومع ذلك شجعته على السفر الى العراق للمرة الاولى. رغم توجّسه من الطائرة نصحته بالاتكال على الله ففعل ومضى.. وكانت تلك اولى محطاتها مع الخوف على السيد فقد عاشته بكل المه، صباحا عندما اخبرتها شقيقتها ان انفجارا حصل في مطار بغداد ولكن... فسلمت الله امره وامرها.. وبعد انتخابه اميناً عاما بعد استشهاد »ابي ياسر« خامرها خوف بسيط: »معقول بكرا يصير فيك مثل السيد عباس؟« فاجابها بتسليم واطمئنان علمته اياه »مش بتقوليلي اتكل ع الله وسلم امرك الو؟«.
لم يجبرها مرة في طفولته او صباه على زجره او لومه. كان يساعدها في قطف الزيتون ولو تراكمت عليه الدروس. كان منذ طفولته شجاعاً. مصلياً. ناداها احدهم لتراه يؤم رفاقه في الصلاة، ثم يعظهم كأنه على منبر الجمعة. في شبابه، راسلها من بعلبك، طالبا منهم ان تخطب له من اصبحت فيما بعد »ام هادي« وقد قصدت بعد بحث طويل منزل والديها في رأس النبع، وتم الزواج.
احبّت ام حسن »ام هادي« كابنة لها وهي بادلتها حبا بحب »الله يرضى عليها وعلى كل كنايني واصهرتي« والشهيد هادي كان متعلقا بها كثيرا، لا يتناول فطوره من دونها، وعندما سافر الى ايران للمرة الاولى كان يتصل بها كل صباح، وكان يمازحها بقوله: »قلب اللي بحبك حبّو« ولم تجد سوى الدمع تشارك به ام هادي بعد استشهاده. وهي ما زالت حتى اليوم تبكيه كلما تذكرته. وقد اعجبت ام حسن كثيرا بام ثلاثة شهداء من برعشيت، التقتها في رحلة الى ايران، كانت متماسكة، تشرح للجميع عظمة الشهداء والشهادة. وعندما ألمّ بها حزن خفيف امام احد الاسئلة، غمرتها ام حسن بحنانها، ولم تتركها طوال الرحلة. وفي عدوان تموز خافت ام »السيد« على الناس كافة، لا على »السيد« وحده. كانت المجازر تحرمها النوم، وكانت تبكي لكل ما مرّ على الناس من مآس.
تذكرت وهي تقفل بوابة البيت الكبير بالمفتاح، نزوح الاخوة الفلسطينيين واحتفاظهم مع ذلك بمفاتيح بيوتهم. وقد عانت كسائر الخلق عذاب التهجير في هذه الحرب. والقلق على »زكية« ابنتها التي حوصرت في »مارون الراس« وقد غادرتها بعد مرورها بصعوبات ومخاطر كثيرة، وكانت تنتظر رسائل السيد المتلفزة بلهفة كالناس جميعا، فاخباره قد انقطعت عنها. ومع ذلك صبرت وفرحت عندما تحقق صدق الوعد بالنصر الذي اطلقه »السيد« تختتم ام حسن حديث ذكرياتها هذا بالشكر لكل عوائل الشهداء وتوجه الى امهاتهن التحية القلبية في عيد الام وتدعو الله ان يجزيهن خير الدنيا والآخرة. ولا تنسى في بطاقة المعايدة هذه ان تتذكر والدة الشهداء الثلاثة، والحاجة ام عماد مغنية، كما لاتنسى رفيقة درب سراج عمرها ام هادي.
و»للسيد« تعلن اطمئنانها الى ان الله كافله وقلبها وقلوب المؤمنين التي اعتلاها حبيبا، تدعو له وتنزل عليه من الله رضوانا، وللمقاومة وشعبها وشهدائها، دوام النصر.
شقيقة نصرالله : أمهات الشهداء يرفعن رؤوسنا
ترفض الحاجة زكية نصر الله إعطاء أمها شهادة في عيد الأم، »فهي من تعطينا جميعاً شهادات في الأمومة. إنها مدرستنا الأولى. منها تعلمنا الصبر والمثابرة، والهدوء والإيمان والكفاح. هي كأمهات الشهداء الصابرات اللواتي يرفعن رؤوسنا عالياً، لهن مني كل التهاني في عيد الأم. ربما انفردت امي عن الأمهات، بمعاناة ألم الفراق المر المحتوم، لفلذة الكبد الغالي، لكن أمي تكابد منذ زمن ألم الخوف والقلق الدائم على حياة السيد (حفظه الله). ان ألم أم الشهيد لا يعرفه الا الله وأم شهيد مثلها، وأمي ايضا، لا يدرك معاناتها الا الله سبحانه، اضيفي الى ذلك المها عندما تواسي ام الشهيد. كأنها ام ثانية لها أو له«. أما »السيد« فتعتبر زكية انه نموذج لن يتكرر حتى في اولادها واخوتها، »كذلك أمي ستبقى نموذجاً للامهات الصابرات اللواتي لن يتكررن الا في مجتمع شريف، مقاوم«.
❊ سيدة التواضع امنا جميعاً:
وتقول قريبتها السيدة »أم هاشم«: »أن الحاجة ام حسن هي سيدة التواضع. تحرص على واجباتها مع الاقربين والابعدين. تشاركهم احزانهم، فتقصدهم في قراهم البعيدة. فهي منهم ولهم. وهي ترفض في هذه المناسبات محاولات بعض الاخوات تقبيل يديها الكريمتين، وتبادر الى مبادلتها بقبلة على الجبين، لانها تعتبر نفسها اماً كسائر الأمهات وهي تنوه دائماً بوجوب اجلال وتقدير امهات الشهداء وهي لا تعتذر عن عدم حضور مناسبة الا اذا كانت تنتظر »السيد« بعد طول غياب، وهي تعتبره ليس ابناً لها وحدها. والله لا أبالغ لو قلت انها أمنا جميعاً. أليست هي من ربّت لنا قائد سفينة الانتصارات العظيمة، حتى الوعد الصادق وما سيليه«؟
البداية الاولى تمثلت بالتصدي البطولي للجيش الاسرائيلي في كلية العلوم ــ الحدث
لم يشهد التاريخ الحديث والقديم ان حزبا لم يتجاوز عمره الـ25 سنة حقق انجازات تاريخية بهذا المستوى قاربت حد المستحيل لجهة اسقاط مفاهيم سادت السنوات الماضية بان لا امل في شيء، وبان الدعوة الى الصمود والمواجهة دعوة رومانسية بل دعوة الى الانتحار لا اكثر ولا اقل، فالمحدلة سائرة ومن يقف في طريقها، تسوّيه في الارض.
وترافق ذلك مع نظريات تدعو الى الواقعية: ودفن الرؤوس بالرمال حتى مرور العاصفة وبان الظروف ليست لصالح القوى المناوئة للاحتلال وللاستمرار بالمواجهة وان انهيار الاتحاد السوفياتي يحتم مراجعة شاملة للمفاهيم الى حد تسارع الخطوات نحو الاعتراف بعدو الامة التاريخي.
ولذلك بدأت عند البعض وتحديدا عند الكثير من الاحزاب العربية والقومية مراجعة للمسلمات والبديهيات، متزامنة مع تعبئة سياسية وايديولوجية سفهت قيم النضال والوطنية وترويج مفاهيم جديدة تزيد الاعمال السيئة وتشجع على التراجع والنكوص بحيث بدأ البعض يعتبر ان الاستسلام قدر لا مفر منه وكأنه الحقيقة الازلية والكلمة الاخيرة للتاريخ.
وفي هذا السياق التراجعي جاءت انتصارات استراتيجية حزب الله والسيد حسن نصراله لتبدل كل هذه المفاهيم، وتحقق التحولات الاستراتيجية التي اعترف بها قادة العدو، ولتقر عن مدى عظمة هذا القائد ونفاذ بصيرته ودهائه الاستراتيجي بل الاسطوري كما يعبرعنه الاعداء والاصدقاء وليشق الطريق نحو نصر الهي يحرر ارض لبنان باستثناء مزارع شبعا وتلال كفرشوبا، وليضع مصير هذا الكيان الغاصب وزواله على المحك، وليشق الطريق نحو مستقبل مشرق للامة ولحاقها بركب الانسانية المتقدم وسد الفجوة التي تفصلنا عنه. فاستراتيجية »السيد« التي تمثل للشرفاء املا واقعيا نابضا بالانتصار وترسم علامة بارزة مشرقة في التاريخ العربي المعاصر، تؤسس فعليا لنهضة عربية منشودة بعد عقود من التخلف والتفتت والتأكل والاحباط.
فهذه الاستراتيجية التي بدأت عبر عمليات الوخز بالابر المتواصلة لانهاك جيش العدو الى الكاتيوشا الى ما بعد.. بعد حيفا شقت الطريق لتوازنات جديدة ولعالم انساني حر يشهد بقوة المقاومة وسوريا وايران ومأزق اسرائيل الواقعة في استنزاف مفتوح سيمتد حتما الى العالم الغربي والولايات المتحدة الاميركية وسيقلب كل المفاهيم نحو ثقة جديدة بالنفس وكل ذلك بفضل صمود المقاومة وانجازاتها.
هذا الحزب الغني بقيادته الشابة حقق ما عجزت عن تحقيقه انظمة وجيوش واحزاب، حتى بدا الصراع العربي الاسرائيلي في السنوات الاخيرة وكأنه صراع بين حزب الله واسرائيل، وكل ذلك من اجل هوية الامة واصالتها، وتقدمها بين الامم والشعوب.
»الديار« اعدت ملفاً شاملاً عن الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله من طفولته الى الامانة العامة لحزب الله، واليوم تطرق الى نشأة حزب الله ودور الامين العام.
ظهر حزب الله الى الوجود في اوائل عام 1980 في خضم التطورات السياسية التي عصفت بلبنان والمنطقة، وبرز عمله الاول في مواجهة الالة العسكرية الاسرائيلية عام 1982 في خلدة وكلية العلوم التي قاومت ببسالة نادرة وباسلحة متواضعة، ابطالها مجموعة من شبان متدينين كانوا يؤسسون ويعملون لمرحلة جديدة ترفع حالة الاحباط عن كامل شعبنا.
في 20 حزيران 1982 اي بعد 14 يوما على بدء الاجتياح عقدت هيئة الانقاذ اول اجتماع لها برئاسة الرئيس الراحل الياس سركيس وحضور كامل اعضائها وسط تنديد الشارع الاسلامي، وقد ترك تشكيل الهيئة اثره على الوضع الشيعي وعلى حركة امل تحديداً، حيث وجدت الحركة نفسها في سياق ازمة كبيرة لها امتدادات اقليمية ودولية تركت اثرها على وحدة حركة امل وغادر الحركة قيادات بارزة ابرزهم السيد حسين الموسوي عضو المكتب السياسي للحركة والناطق الرسمي باسمها الذي اسس مع مجموعة من الذين غادروا »امل« حركة »امل - الاسلامية« ومن بينهم السيد عباس الموسوي وابراهيم امين السيد وكان رئيس مكتب امل في طهران حتى العام 1982 ومصطفى الديراني مسؤول الامن المركزي في »امل« والسيد حسن نصرالله الامين العام الحالي لحزب الله واصرت هذه القيادات على المواجهة في محاور بيروت والضاحية وجرى اجتماع لعدد من قيادات حركة امل الرئيسية في البقاع وصدر بيان يرفض الهيئة وفي موازاة ذلك كانت كل الترتيبات قد اتخذت من هذه القيادات للبدء بخطوات ميدانية لمواجهة مخاطر المرحلة فتخرج عدد من الكوادر من دورات الحرس ثم ارسلت المجموعات الى الجنوب وبيروت لتلتقي بمجموعات اخرى متواجدة في المنطقة كانت قد باشرت عملها الميداني وبسرية كاملة ضد الجيش الاسرائيلي والقوات المتعددة الجنسيات.
مع بداية التدريب العسكري تكثفت اللقاءات في البقاع لتشكيل الاطار السياسي الجديد للتيار الاسلامي، واختير تسعة اشخاص لتحديد هذا الاطار بدأوا وتحركهم واجتماعاتهم فيما عرف بلجنة التسعة التي ضمت ممثلين عن مختلف الاتجاهات الاسلامية، فكان منها مندوبون عن امل الاسلامية حزب الدعوة واللجان الاسلامية وعلماء وشخصيات مستقلة وكانت مهمتها اعداد الصيغة السياسية التي ستكون الواجهة للعمل الاسلامي واجرت اللجنة اتصالا بايران لتنسيق المساعدات وحينها كلف الامام الخميني ممثلا عنه لمتابعة الوضع في لبنان وايجاد طرق العلاقة بين الدولة الاسلامية والاسلاميين في لبنان.
اقتصرت مهمة لجنة التسعة على ايجاد القواعد الاولية للصيغة السياسية ولذلك لم تعمر طويلا، فاستبدلت بلجنة خماسية اطلق عيها اسم شورى لبنان، عقدت اجتماعاتها في مطلع العام 1983 وحصلت على موافقة الاسلاميين في لبنان ودعم وتأييد القيادة الاسلامية في ايران، اما ميدانيا فكانت العمليات ضد الغزاة تتصاعد في بيروت والجبل والجنوب واطراف الضاحية الجنوبية وفي تشرين الثاني 1982 دوى انفجارعنيف في مدينة صور دمر مقر الحاكم العسكري الاسرائيلي، واسفر عن سقوط العشرات من جنود الاحتلال بين قتيل وجريح، ولم يتمكن الاسرائيليون من معرفة سبب هذا الانفجار ووصفه رئيس اركان الجيش الاسرائيلي رافائيل اتيان بانه ناجم عن ضعف البناء الا ان هذا الانفجار لم يكن سوى بداية الطريق لحرب لم يشهد الاسرائيليون مثلها في تاريخ حروبهم.
انها عملية انتحارية والتي لم تكشف المقاومة الاسلامية النقاب عن منفذها الا بعد 3 سنوات، انه شاب من بلدة دير قانون النهر اسمه احمد قصير تم تحضير سيارته والمتفجرات من قبل احدى مجموعات المقاومة الاسلامية ليفاجئ بها الاسرائيليون وتكون البداية للمجابهة الطويلة بين الاسلاميين وجيش الاحتلال حيث عم الفرح كل قرى الجنوب ولبنان يوم الاعلان عن العملية.
اختلاف التعاطي مع مجلس الشورى
وبعد ذلك بدأ التعاطي يختلف مع مجلس الشورى، وبدأ المصطلح يتردد في الاوساط الاسلامية مع الابقاء على سرية اسماء اعضائها، وترافق ذلك مع ظهور شعارات تحمل اسم حزب الله حتى قررت الشورى في ايار العام 1984 اعتماد تسمية ثابتة وشعار مركزي يتصدر كل البيانات هو حزب الله - الثورة الاسلامية في لبنان وانشئ في الوقت نفسه المكتب السياسي واقرار اصدار المطبوعة الاسبوعية »العهد«.
وبعد فترة ارتفع عدد اعضاء الشورى الى سبعة واخذ النشاط في الضاحية يتصاعد وبيروت يتزايد تشييع لشهداء وعمليات متواصلة حتى شباط العام 1985 عندما اعلن حزب الله رسالته المفتوحة للمستضعفين مجددا رؤيته ومواقفه وبرنامجه السياسي ومؤكدا على الاطار الفكري الذي يتحرك من خلاله على مستوى القيادة والقاعدة وما يتفرع عنها.
لقد تبنى حزب الله في فلسفته العقائدية الفكرية الاسلام كمنهج للحياة واعلن انه يجاهد من اجل تطبيق الشريعة الاسلامية، واختيار اسم حزب الله منبعه القرآن الكريم له دلالاته التاريخية والعقائدية في الاوساط الاسلامية.
قاسم حزب الله مأخوذ من القرآن الكريم الذي اورد في عدة آيات هذا اللقب الذي يطلق على المتحركين في خط الإلتزام بالتعاليم الإلهية كما ورد في سورة المجادلة لا تجد قوما يؤمنون بالله وباليوم الاخر يوادون من جاد الله ورسوله ولو كان آباءهم او ابناءهم او اخوانهم او عشيرتهم اولئك كتب في قلوبهم الايمان وايدهم بروح منه ويدخلهم جنات تجري من تحتها الانهار خالدين فيها رضى الله عنهم ورضوا عنه اولئك حزب الله الا ان حزب الله هم المفلحون...
وهذا الوصف القرآني لحزب الله كمفهوم للجماعة المؤمنة بالتعاليم الإلهية والمتجاوزة لكل الشكليات الرحمية او القبلية او المناطقية في سبيل اهدافها اراد حزب الله في لبنان السير على خطاه، في إطار فكري متحرك على بنائه في بداية انطلاقه مستخدما الخلايا الصغيرة التي كانت تتلقى المبادئ التي قوم عليها حزب الله في المراكز والمساجد بعيدا عن اي تدخلات خارجية بحيث بقي النطاق ضيقا ومغلقا حتى اكتملت عوامل البناء.
ولادة حزب الله
ولا شك بأن الاعلان الرسمي عن ولادة حزب الله يعود الى السادس عشر من شباط 1985 في الشياح بمناسبة احياء الذكرى الاولى لاستشهاد الشيخ راغب حرب وقد استقبل حزب الله حين خروجه الى الوجود بكثير من الريبة من قبل كل الاحزاب السياسية يومها بسبب صلته بإيران ونجم عن ذلك انخراط الحزب في معارك ضارية ضد الحزب الشيوعي اللبناني والحزب السوري القومي الاجتماعي في مشغرة ليتوج خلافه مع حركة امل في العام 1988 لكن حزب الله نجح خلال بداية التسعينات في تبديد هذه الصورة السلبية عنه مع استلام الشهيد السيد عباس الموسوي الامانة العامة للحزب وبعده السيد حسن نصرالله الذي اتقن كيف يرفع من مستوى الخطاب السياسي للحزب اذ مال حزب الله الى ايلاء القضية الوطنية الداخلية كل الاهتمام.
واصبح السيد حسن نصرالله رمزا لكل اللبنانيين الذين وقفوا معه في اصعب اللحظات التي مر بها حزب الله.
ولقد تمكن الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله من تصحيح صورة الحزب عند كل اللبنانيين الذين يقدرون للحزب دوره وعمله.
الامانة العامة
ووصف اعلاميون انتخاب السيد حسن نصرالله عام 1992 بالاتي : لم تكن خطوة انتخاب مجلس الشورى القرار في حزب الله السيد حسن نصرالله 1992 امينا عاما لحزب الله خلفا للسيد عباس الموسوي مفاجأة للعارفين ببواطن الامور في الحزب فهذا القيادي الذي كان دائما بعيدا عن الاضواء والاعلام، بعد في صفوف الحزب واحدا من ابرز عقوله ومفكريه وواحدا من الذين يقترن اسمهم بالاحترام والتقدير وذكر مجالسهم ومحاضراتهم بالمعرفة العميقة بالامور السياسية والدراية الواسعة بالمشكلات الفقهية.
والامين العام الجديد لحزب الله وهو الثالث بعد السيد عباس الموسوي منذ ظهور الحزب الى الضوء تربى حيث نشأ على الإلتزام الديني منذ حداثته وفي البازورية وعلى رغم صغر سنه انذاك اسس مكتبة اسلامية عامة في الطبقة الارضية من الحسينية ونظم حلقة دينية لجمهرة من اترابه في مسجدها متحديا بذلك الجو اليساري الذي كان يهيمن على البلدة ويغزو الجنوب عموما ولا تنظر الاحزاب في تلك الفترة بالرضا الى الافكار الدينية خصوصا اذا ما خرجت عن اطارها العبادي الى طروحات سياسية.
ويقول الاستاذ ابراهيم بيرم »عام 1992 ومن النشاط الاصغر الى النشاط الاكبر انتقل نصرالله الى النجف الاشرف بتشجيع من العلامة السيد محمد حسين فضل الله وفي الجامعة الدينية الاعرق للشيعة تغذى السيد نصرالله بأفكار المفكر الشيعي الراحل السيد محمد باقر الصدر وتربى على طروحاته السياسية. ثم عاد الى لبنان ليشارك في غرس نواة حزب الله في مطلع الثمانينات. وهو منذ ان اطلق الحزب هيئاته القيادية كان في الصفوف الاولى وكان واحدا من المسؤولين عن الجانب العقيدي والثقافي للحزب وفي مؤتمر عام الحزب 1991 كلف بمهمة التعبئة الفكرية السياسية ولم يكن له اي دور في عملية الاتصال بالاحزاب والقوى السياسية الاسلامية وغير الاسلامية وهي استجدت في الحزب عقب اختبار الموسوي«.
والحزب الذي تلقى باغتيال الموسوي ضربة مؤلمة سارع الى انتخاب خلف جديد له قبل دفنه هو السيد حسن نصرالله. الذي بكى السيد عباس الموسوي كما لم يبك احدا من قبل فهو استاذه ورفيق نضاله وجهاده وقضى شهيدا ومن المفارقات ايضا ان الرجلين شديدا الشبه ببعضهما بعضا.. مع بعض الفارق في القامات.
ولقد أكدت التجارب التاريخية أن دور الفرد في التاريخ حقيقة ثابتة، وان الظروف الموضوعية حين تنضج لثورة فانها ربما تكون أمام فرصة ضائعة او مهدورة اذا لم تتح لها قيادة تاريخية تتجسد بقائد فرد ينظر الى حركة التاريخ بمنظار المستقبل دون الغرق في موازين القوى منطلقاً من الايمان بحركة الناس والامل الذي لا يستسلم لرتابة الانتظار ولا الرهان السلبي على الغد.
والقادة الذين لا تنجب منهم الامم الا النوادر يتميزون بصفات فريدة ومتعددة ولكن جوهرها أربعة:
1ـ ربط الفكر بالممارسة.
2ـ الصدق ـ البساطة ـ الشفافية ـ والخطاب المباشر
3ـ الكريزما الذي تتوفر بشخصية القائد
4ـ القدرة البارعة على ربط التكتيك بالاستراتيجية والتمكن من كل التفاصيل، والقدرة على معالجتها بطريقة ابداعية.
وبالخلاصة فان كل هذه المميزات تجتمع بالامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله.
ولو عقدنا مقاربة بين السيد حسن نصرالله والقادة العظام في التاريخ، من صلاح الدين الايوبي الى نهرو الى المهاتماغاندي، الى قائد الاتحاد السوفياتي العظيم لينين، الى ملهم الثورة الصينية ماوتسي تونغ، الى هوشي منه في فيتنام الى ديغول الى القائد جمال عبد الناصر، فان السيد حسن نصرالله يوازيهم بالفكر والممارسة بل يملك قدرات اضافية لجهة التقاط اللحظة التاريخية لصناعة الاحداث الكبرى وصياغة المستقبل.
ولو عقدنا ايضاً مقاربة مع القادة المتطهرين من الصحابي الى الرسل وصولا الى غيفارا وجياب، فان الفارق الوحيد هو العصر والزمان والوحي عند الرسل، وتحت الرسل لا أحد يوازيه.
فالسيد حسن نصرالله احد تلاميذ المدرسة الفكرية والنضالية لقائد اسلامي طبع نهاية القرن العشرين باسمه وفكره وهو الامام الخميني، واحدث تغييراً في مجرى البشرية.
فنشأة السيد حسن نصرالله كنشأة كل القادة التاريخيين، ولد في بيئة فقيرة وتربية صالحة اجتماعياً وكفاحياً، فواجه الفقر بعصامية وانخرط في النضال بأشكال مختلفة.
تحصيل علمي ليس بالمعنى الاكاديمي بل بالمعنى الفكري والنضالي، وتجربة فذة منذ أن كان شبلا في حركة أمل الى تأسيس حزب الله الى قائد لمنطقة البقاع الى قم والنجف الى امين عام لحزب الله الى قائد للأمة كلها.
هذه التربية النقية خلقت »كاريزما« جعلت منه قادراً على حلحلة كل القضايا واشاعة الاطمئنان لدى الناس عند سماع كلماته ووعده وصدقه، حيث الناس تأخذ نفساً عميقاً ومريحاً عند كل اطلالة وموقف.
قدم ابنه شهيداً ليكون من ذوي الشهداء وليس من الذين يجلسون في الصالونات السياسية، وينظرون على الناس، فارسل اولاده الى جبهات القتال قبل اولاد الناس، وهذه الجبهات ايضاً عرفته في الكثير من الملاحم البطولية وهذه هي قيم القادة العظام.
زاهد بالمناصب، تاريخ ناصع بالصدق والشفافية ونكران الذات والتمسك بالكرامة والشرف وقيم النضال وعشق الحياة وثقافة الحياة، احتشدت به القيم النبيلة فتجاوز بها تخوم ذاته ليذوب في الذات الجماعية وليغدو رمزاً للوطن والأمة ولنهضتها وعنفوانها.
قارىء صادق وعميق وصحيح للتاريخ، واجه التحديات وشق الطريق الى تغييرات تقارب المستحيل مواصلاً العمل والكفاح للوصول بالامة ومستقبلها الى شط الامان.
نقل زمام المبادرة الى يد المقاومة على حد قول قادة اسرائىل، قلب موازين القوى حيث ولى زمن الهزائم والانكسارات، وفتح الطريق لريادة مشروع الشرق العربي والاسلامي على انقاض مشروع الشرق الاوسط الجديد.
فالسيد حسن نصرالله قائد فذ عبر 20 سنة من الانجازات والانتصارات والمواجهات على الأرض التي اكدت كلها على عظمته، حيث استطاع ان يحل التناقض المزمن في حركة التحرر العربية بين النظرية والممارسة بين العمل والهدف فنزل الى ساحات النضال جامعاً الحزم في المبادىء والوفاء للثوابت والسياسات الواقعية المرنة في ادارة الصراع الداخلي. ونجح فيهاجميعاً، وانقذ لبنان من آتون الصراعات المذهبية والفئوية، حيث كان ضعيفاً جداً أمام الصراعات الداخلية بعكس ما بان منه من شجاعة نادرة وصلابة في ادارة الملفات مع العدو الصهيوني ان كان في المفاوضات لاطلاق الاسرى أو في ساحات المواجهات في الجنوب اللبناني. وكل هذا المسلك جاء ليعبر عن مدى عظمة هذا الرجل وقدراته الهائلة ونفاذ بصيرته.
قيل عنه انه يسبح عكس التيار ، ووقف بوجهه كم هائل من الاعداء المتربصين شراً لكنه واجه الفواجع وعواصف الثورات المضادة وامسك بقوة بناصية التاريخ بقلب لا يعرف الخوف ويد لم ترتجف ابداً واطلق العنان لعوامل المقاومة العنيدة لانهاك العدو فكانت الانتصارات ثمرة أكيدة للاستراتيجية التي فتحت الطريق لزوال الدولة الغاصبة واستعادة ارض فلسطين كل فلسطين.
»الديار« اعدت ملفا شاملاً عن الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله، بالاضافة الى انطباعات قيادات سياسية عن شخصيته ومواقفه التي لم تتبدل ولن تتبدل منذ تسلمه الامانة العامة لجهة تحرير الارض وبناء الدولة القوية والعادلة.
الحلقة الاولى تتضمن السيرة الذاتية عن سماحته كما كتبها بخط يده »لرسالة الحسين في طهران« بتاريخ 12 آب 2006 وبالانكليزيةوهذا نصها:
كان والدي - السيد عبد الكريم - بائع فواكه وخضروات، وكان إخوتي يساعدونه في هذا العمل. وحينما تحسنت احوال ابي المالية فتح محل بقالة صغير في الجوار، فكنت أذهب الى هناك عادة لأساعده. كانت لدينا صورة للإمام موسى الصدر معلقة على الحائط في المحل. وكنت أجلس على كرسي امام تلك الصورة وأحملق فيها. ولطالما تمنيت لو أصبح مثله يوماً.
لم يكن في الحي الذي نقطنه - والذي يحمل اسم »الكرنتينا« - مسجد، فكنت أذهب الى مسجد في سن الفيل أو برج حمود أو النبعة لأصلّي. وكنت أقرأ كل ما تقع عليه يدي من مادة للقراءة، وبخاصة من الكتب الإسلامية. فاذا كان هناك كتاب لا أفهمه أضعه جانباً لأقرأه حينما أصبح أكبر سناً.
التحقت بمدرسة النجاح في الحي لأتلقى تعليمي الابتدائي، وكنت بين المجموعة الأخيرة من الطلاب الذين نالوا شهادتها. بعد ذلك ذهبت الى مدرسة سن الفيل الحكومية لأواصل تعليمي هناك، غير ان نيران الحرب الأهلية في عام 1975 اندلعت في أعقاب ذلك مباشرة. من ثم غادرت »الكرنتينا« وعدت - بصحبة أسرتي - الى قرية البازورية حيث ولدت. بعد ذلك أنهيت تعليمي الثانوي في احدى المدارس الحكومية في مدينة صور الساحلية.
قبل ذلك - حينما كنا لا نزال نقطن في حي »الكرنتينا« لم يكن أي من أفراد أسرتي منتمياً لأي من الأحزاب السياسية. في الوقت نفسه، فإن عديداً من المنظمات السياسية - التي كانت بعضها منظمات فلسطينية - كانت نشطة في المنطقة، انما، في ما بعد - حينما رحلنا عائدين الى البازورية - انخرطت في صفوف حركة أمل. وكان هذا خياراً اتجهت اليه بشغف شديد لأنني كنت شديد الإعجاب بالإمام موسى الصدر. في ذلك الوقت كنت ما أزال في الخامسة عشرة من عمري، وكانت حركة أمل تدعى وتعرف بـ»حركة المحرومين«. وكان اهتمامي بقرية البازورية يتراجع لأن تلك القرية كانت تتحول الى مضمار لنشاط المثقفين الماركسيين، وبخاصة مؤيدو الحزب الشيوعي اللبناني. على اي الأحوال، فإن أخي السيد حسين وأنا أصبحنا عضوين في حركة أمل، وعلى الرغم من صغر سني فإنني سريعاً ما أصبحت ممثل قريتنا.
الذهاب الى النجف
في غضون أشهر قليلة اتخذت قراراً حاسماً بأن أذهب الى النجف الأشرف في العراق. وكنت وقتها بالكاد في السادسة عشرة من العمر وواجهت عقبات كثيرة في وجه ذهابي. لكن، لأن اعتمادي كان على الله، قابلت في أحد الأيام في مسجد في مدينة صور علاّمة اسمه السيد محمد الغروي. كان يعمل هناك مدرساً نيابة عن الامام موسى الصدر. وبمجرد أن سمع مني أنني أريد الذهاب الى النجف الأشرف لأتلقى العلم، كتب رسالة وأعطاها لي. كان السيد محمد الغروي صديقاً مقربا ومفضلاً لآية الله العظمى السيد محمد باقر الصدر. وكانت الرسالة التي زودني بها رسالة توصية لالتحاقي بفصول هذا العلامة البارز.
وبمساعدة الأصدقاء ومساعدة والدي، وبيع بعض متعلقاتي، جمعت بعض المال وطرت الى بغداد، ومن هناك ركبت حافلة الى النجف. وحينما وصلت الى النجف، لم يكن قد بقي في جيبي شيء من المال. غير ان هناك كان مزيد من الغرباء الذين يعانون الوحدة في النجف. والأهم من هذا - بطبيعة الحال - حقيقة أنه يتعين على باحث ان يتعلم كيف يعيش حياة محترمة وهو خاوي الوفاض. كان طعامي خبزاً وماء، وفراشي قطعة اسفنج مستطيلة. بمجرد أن وصلت سألت الدارسين اللبنانيين الآخرين هناك عن الكيفية التي يمكنني بها أن أوصل خطاب التوصية بي الى آية الله الصدر الذي كان يعدّ من أعمدة الحوزة الدينية،وأبلغوني أن باستطاعة السيد عباس الموسوي ان يسدي هذه الخدمة لي.
حينما تقابلت والسيد عباس الموسوي - ولأنه كان ذا بشرة داكنة قليلا - ظننته عراقياً. لهذا تحدثت اليه بعربية فصحى، ولكنه في رده عليّ قال لي: »لا تقلق: فأنا أيضا لبناني، وقد جئت الى هنا من منطقة النبي شيت!«. هكذا كان تعارفنا، وهكذا بدأت صداقة وثيقة بيننا. كان السيد عباس صديقاً وأخاً ومعلماً ورفيقاً لي. وقد افترقنا حينما أطلق الاسرائيليون الصواريخ على سيارته من طائرة مروحية، واستشهد السيد عباس ومعه زوجته وطفله الصغير. وقع هذا الحدث بعد ستة عشر عاما من البداية الحلوة لصداقتنا في مدينة النجف.
بعد ان استقبلني آية الله الصدر وقرأ رسالة التوصية بي من السيد محمد الغروي سألني: »هل لديك أية نقود؟«، فأجبته: »ولا ملليم!«، عندئذ التفت الى الموسوي وقال »أولاً، دبّر له غرفة، ثم كن معلمه ودر بالك عليه«. بعد ذلك أعطاني بعض النقود لأشتري لنفسي بعض الثياب والكتب، وكذلك بعض النقود لأنفق منها طوال شهر. وقد دبر الموسوي غرف لي في الحوزة بالقرب من بيته هو.
في ذلك الوقت كان السيد عباس الموسوي قد تزوّج لتوه، وكان مسموحاً للأزواج بأن تكون لهم بيوت مستقلة خاصة بهم. ولكن الدارسين العزاب كانت تخصص لهم غرف واحيانا ما كان يقطن اثنان او حتى ثلاثة منهم معا في غرفة واحدة. كذلك كان هناك رسم شهري صغير عن كل دارس بقيمة خمسة دنانير.
كان لليسد عباس الموسوي - الذي كان قد اجتاز دروس المرحلة الابتدائىة ودخل المرحلة التالية - عدد من التلاميذ. وكنت واحدا منهم. كان موسوي شديد الانضباط والجدية. وبسبب تعاليمه المشـددة استطعنا ان نكمل دروس خمس سنوات في سنتين اثنتين. كان علينا ان ندرس طوال الوقت حتى في الاعياد مثل عطلتنا في شهر رمضان وفي موسم الحج من دون ان نأخذ انقطاعا للراحة بل اننا كنا ندرس في ايام الخميس والجمعة التي كانت عطلة نهاية الاسبوع المعتادة في الحوزة الدينية.
في عام 1982 اتممت منهاجي الدراسي الاول بدرجة مقبول. وفي السنة نفسها بدأ نظام البعث الحاكم يمارس ضغطا على الدارسين الاكراد ورحل كثيرون منهم الى بلادهم. واجبر دارسون كثيرون من جنسيات مختلفة على ان يتركوا تعليمهم قبل إتمامه. واسوأ حتى من هذا ان ساسة بغداد خصوا الدارسين اللبنانيين باتهام بأنهم عملاء لحركة امل. وكانوا يذهبون في بعض الاحيان الى حد الربط بيننا وبين حزب الدعوة وحزب البعث السوري وقالوا في النهاية انه ايا كان جدول اعمالنا فإن جهاز المخابرات السوري هو الذي ارسلنا. واخيرا في عام 1987 طرد الدارسون اللبنانيون - شأنهم شأن الدارسين من بلدان اخرى - من العراق (وقد جرى ذلك لكثيرين منهم بعد ان احتجزوا في الاعتقال لعدة اشهر).
غارة قوات صدام
في تلك الاثناء اغارت قوات صدام على الحوزة الدينية. وكان السيد عباس الموسوي في لبنان في ذلك اليوم بالتحديد ولكن اسرته كانت لا تزال في النجف وابلغه تلاميذه بأن لا يعود الى العراق لأنه كان مطلوب فيه. اما انا فكنت محظوظا وقتها لأنني لم اكن هناك عندما اغارت الشرطة على الحوزة الدينية وبمجرد ان عرفت بما حدث غادرت النجف على الفور. وحيث ان امر القبض علي كان صادرا عـن منطقة النجف وليس عن البلد ككل فإنني لم اتعرض لمشكلة عند نقطة الحدود. وتمكنت من مغادرة العراق بسهولة وعدت الى لبنان في النـهاية.
اسس الموسوي ومعه عدد من علماء الدين مدرسة للعلوم الدينية في بعلبك ولا تزال هذه المدرسة قائمة الى هذا اليوم. واصلت دراساتي في تلك المدرسة وابقيت على تعاوني مع حركة امل. وفي عام 1978 عينتني حركة امل ممثلا سياسيا لها في منطقة البقاع وكانت تلك هي الطريقة التي اصبحت بها واحدا من الاعضاء السياسيين للمكتب المركزي. وفي العام نفسه انهيت ايضا منهاجي الدراسي الثاني في الحوزة.
اجتياح لبنان
في حزيران 1982 بدأت اسرائىل اجتياحها الشامل للبنان وعندما استولى الاسرائىليون على بيروت تأسست جبهة تدعى »جبهة الخلاص الوطني«. وقد ابدى نبيه بري زعيم حركة امل قدرا كبيرا من الاهتمام بانضمام حركة امل الى تلك الجبهة ولكن الاصوليين الدينيين في حركة امل كـانوا معارضين لهذا. ومن تلك النقطة بدأت تتصاعد الخلافات وانفصلت المجموعة الاصولـية عـن الحركة. وكانت هذه مسألة واضحة ومتوقعة لأن بعض الخلافات في الرأي وبخاصة في ما يتعـلق بوجهات نظرهم وتفسيراتهم لنصائح الإمام موسى الصدر كانت ملحوظة تماما من مرحلة سابقة. ولاحظوا ان طاولة الإنقاذ كانت تخطط لجـعل بشير الجميل رئىسا لجمهورية لبنان وكان هذا قرارا لا يمكن ان يقبله الجـناح الديـني في حـركة امل على الاطلاق. وكانت القوى الدينـية تعتقد ان زعيم جماعات الكتائب شبه العـسكرية كان مستعدا تماما للتوصل الى اتفاق مع الاسرائىليين.
ترك الاصوليون حركة امل ودخلوا في ائتلاف مع جماعات اخرى خارج تلك الحركة وذلك من اجل إقامة وتأسيس حزب الله. وعندما تركت امل لم يفعل اخي حسين كما فعلت انما بقي مع امل حتى اليوم. وقد مثّل الحركة - لفترة قصيرة - في منطقة الشياح ولكنه استقال من ذلك المنصب في وقتها بسبب حالته الصحية (اذ كان قد مرض).
أنا وأسرتي فقدنا ابننا الغالي الذي نحبه ولكننا سنلتقي به في الحياة الابدية
حينما تطأ قدماي بيتي أترك كل عملي ومصاعبه عند الباب حتى أصبح زوجاً وأباً
كل من قيض له ان يلتقي الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله يخرج مأسوراً بالسحر الخاص لهذه الشخصية الفذة، فهو المتواضع الذي يلاقي ضيوفه بسلام حار، ويتحدث مستفسراً عن الخاص والعام بهدوء و»حميمية« وهو المستمع الجيد الذي يسأل ويتابع حين يحمل زائره رأياً او موقفاً، وهو المحاور الذي يناقش برفق، ويفكك المنطق المقابل ليجد المختلف نفسه على ارضية مشتركة معه في كثير من المفاصل الذي كان يفترض ان بينه وبين السيد مساحات افتراق فاذا بالحواريؤدي الى تضييق المسافات.
حديث السيد في مجالسه له نكهته الخاصة. فالسيد واسع الثقافة سريع النكتة، متابع بدقة للكثير من القضايا والمواضيع ولكنه يعرض اراءه ومواقفه بتواضع حتى يشعر محاوره بانه يشاركه في التفكير و»يستحثه« على المناقشة.
كثيرون خرجوا من اللقاء الاول مع السيد حسن نصرالله وبينهم زعماء وقادة وكتّاب وديبلوماسيون في حالة تقارب الذهول وعبروا لمن التقوهم بعد اللقاء مباشرة عن اعجاب لا يوصف بالسيد وحديثه وتواضعه رغم ان بعضهم في مواقف سياسية مخالفة.
هو السياسي والمفكر والمقاتل والقائد ولكنه في كل ذلك اولا واخيراً الانسان الطيب الودود الصادق الذي تأنس للقائه ويشتاق كل من يعرفه مباشرة للجلوس معه، سواء كان مختلفاً معه، أو بعيدا عنه كمقام سياسي أو متأثراً بصورته الجذابة في المشهد السياسي.
وبقدر ما يتعرض الزائر للمرة الاولى لرهبة المواجهة مع شخصية بوزن سماحة السيد وموقعه في صياغة الاحداث ومستقبل الامة العربية والعالم الاسلامي خاصة منذ العام 2000 فانه يفاجأ بالتواضع والبساطة اللذين يخـطف بهـما السـيد القلوب والعيون والضمائر في مجلسه ويحرر زواره من كل تكلف بضحكة عابرة وسؤال عن احوال العائلة والبيت والجوار في قضايا ومواضيع شتى تفرضها طبيعة الزوار واللقاء.
»الديار« اعدت ملفا شاملاً عن الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله بالاضافة الى انطباعات قيادات سياسية عن شخصيته ومواقفه التي لم تتبدل ولن تتبدل منذ تسلمه الامانة العامة لجهة تحرير الارض وبناء الدولة القوية والعادلة.
الحلقة الثانية تتضمن السيرة الذاتية لسماحته وهي استكمال للحلقة الاولى، وهي بخط يد السيد كما كتبها لمجلة رسالة الحسين في طهران ونشرت بتاريخ 12 ايار2006 وبالانكليزية وهذا نصها:
كنت الابن الاكبر في اسرة من احد عشر عضوا. كان لي تسعة اخوة واخوات، ويجيء الحسين بعدي، وبعده زينب ثم فاطمة - التي ما تزال في بيت الاسرة - بعدها يأتي محمد، وهو رجل اعمال، ثم جعفر وهو موظف. وبعدهم في الترتيب بحسب العمر:زكية وآمنة وسعد، وكلهم متزوجون.
اخواتي جميعهن عضوات ناشطات في حزب الله. اما عن اخوتي فكانوا جميعا في حركة امل في البداية. والان فجلهم - عدا حسين - تركوها. محمد في الاساس ليس معنيا بالشأن السياسي: وهو وان لم يكن عضوا في حزب الله، فانه يتفق معه. مع ذلك جعفر لم يستقر على توجه سياسي حتى الآن: وما نزال الى الآن نتناقش ونتناول وجهات نظرنا بعضنا مع بعضنا الاخر منذ فترة.
واليوم يحقق حزب الله تقدما طيبا ويتغير الى الافضل. هدفه هو التحرك في الاتجاه الصحيح مع ضرورات الزمن مع التمسك بمبادئه الشيعية. ومن الخطأ ان نعتقد ان باستطاعة اي شخص - ايا كان علو مقامه - ان يراكم ويحتكر كل المعرفة الفكرية والدينية والفقهية والسياسية في العالم لذاته. يؤمن اعضاء حزب الله ان الشخصية العظمى، الاكثر تميزا بلا منازع في القرن العشرين كان الامام الخميني. وبعد رحيل الامام الخميني فان من الطبيعي ان الامام الخامنئي هو الخليفة الاصوب للخميني. وفي رأينا ان الآراء والافكار السابقة ما تزال لها قيمتها.
حينما تأسس حزب الله كنت في الثانية والعشرين من عمري، وكنت عضوا في قوة باسق المقاومة. وفي وقت لاحق اصبحت مديرا للحزب في منطقة بعلبك. بعد ذلك اصبحت مدير الحزب لمنطقة البقاع بأسرها. وبعد مضي فترة عينت معاونا ثم نائبا للسيد ابراهيم امين السيد، الذي كان مديرا للحزب في بيروت. بعدذلك بوقت قصير قرر الحزب ان يفصل الشؤون السياسية عن نشاطاته العملاتية والتنظيمية. واختار السيد ابراهيم الفرع السياسي واصبحت مدير منطقة بيروت بعده. ثم انشئ منصب المدير العام التنفيذي وكانت مسؤولياته تشمل تنفيذ اوامر المجلس الاستشاري. وقد عينت في هذا المنصب.
وعلى الرغم من المسؤوليات التي احملها في الحزب - والتي تأخذ معظم وقتي فعليا - قررت ايضا ان اواصل دراساتي. الا انه في اعقاب الاجتياح الاسرائيلي الشامل كان علي ان اضع دراساتي جانبا. وبعد ذلك بسبع سنوات، في عام 1989 اصبح الوضع مناسبا للدراسة مرة اخرى. ثم - وبتصريح من الحزب - ذهبت الى قم لاتمام تعليمي. وبطبيعة الحال، فانه حتى في ذلك الوقت لم يتوقف مروجو الشائعات عن عملهم. قالوا ان السيد نصرالله غادر لبنان بسبب نزاع بينه وبين قادة حزب الله.
في اعقاب تصاعد الخلافات مع حركة امل ونشوب صراعات مسلحة في منطقة البقاع، اعتبرت ان واجبي ان اعود الى لبنان. وبطبيعة الحال كان هذا ايضا ما ارادني الحزب ان افعله. ثم، لم اتمكن - مرة اخرى - من اغتنام الفرصة ومواصلة دراساتي الى النقطة التي كنت اوّد. واليوم، فان رغبتي الكبرى هي ان يخفف اخواني عبء العمل عليّ ويعفوني كأمين عام للحزب حتى استطيع ان اعود الى الحوزة واواصل دراساتي كباحث.
بعد اغتيال عباس الموسوي على يد الاسرائيليين اخترت زعيماً لحزب الله واميناً عاما للحزب. قبل ذلك، وفي اثناء زمن اقامتي في قم عهدوا بمسؤوليتي التنفيذية في المجلس الاعلى للحزب لمساعدي الشيخ نعيم قاسم. ثم، عندما عدت من قم اديت واجبي كعضو في الاطار القيادي من دون ان تكون لي اي مسؤوليات محددة. مع ذلك، عندما اختير السيد عباس الموسوي امينا عاما للحزب عين نعيم قاسم نائبا له، وعدت انا الى منصبي السابق.
في عام 1992 اغتال الاسرائيليون السيد عباس الموسوي. ثم رتب اعضاء المجلس الاستشاري اجتماعا لاختيار خليفته.وتبين انه كان انا من اختير. وفي اليوم الذي اختارني فيه المجلس الاستشاري كانت لدي مخاوف كثيرة وقلق شديد لاننيكنت آنذاك اصغر سـنا بكثـير. وحـتى تلك النقطة كنت مكلفا فقط بالترتيبات الداخلية للحزب. ولم تكن لي خبرة بشؤون الحزب الخارجية. غير ان المجلس اصرّ على ان اتولى الوظيفة. رفضت في البداية، ولكنني - لاحقا - وحينما الح عليّ الخبراء قبلت هذه المسؤولية في النهاية.
الاهتمام بالعائلة
في عام 1978 تزوجت الانسة فاطمة ياسين من حي العباسية في مدينة صور، وبالاضافة الى ابني هادي - الذي استشهد في عمر الثامنة عشرة - لي ثلاثة ابناء آخرين، محمد جواد، وزينب ومحمد علي. حينما تطأ قدماي بيتي اترك كل عملي ومصاعبه عند بابه حتى اصبح زوجا وابا يرعى بيته. انني احاول ان احفظ قيمة حياتي الخاصة وايماني.. اقرأ كثيرا، وبخاصة عن مغامرات السياسيين. والان فانني منذ فترة اقرأ سيرة حياة شارون، وساعود الى قراءة هذا الكتاب مرة اخرى وكذلك قراءة كتاب نتنياهو ومكان تحت الشمس.
في رأيي ان حزب الله لا يعني مقاومة فحسب. اليوم حزب الله هو ايضا عقيدة وايديولوجية سياسية مبنية على الاسلام. والاسلام بالنسبة الينا بايجاز ليس مجرد دين فحسب محدود بالعبادة والطقوس الدينية. الاسلام واجب الهي خاص للانسانية كافة، وهو الاجابة عن كل الهموم العامة والمحددة للبشرية. الاسلام دين لكل مجتمع يريد ان يثور وان يقيم حكما. الاسلام دين تستطيع ان تقيم عليه حكما على اساس مبادئ. ولست انكر ان رغبة حزب الله هي ان يقيم نظام جمهورية اسلاميةيوما ما، لان حزب الله يعتقد ان اقامة حكومة اسلامية هي الطريق الوحيد لتحقيق الاستقرار لمجتمع، وهو الطريق الوحيد لتسوية الخلافات الاجتماعية، حتى في مجتمع مكوّن من اقليات متعددة. ومع ذلك، فان اقامة جمهورية اسلامية ليست امرا ممكنا بالقوة والمقاومة. انه يتطلب استفتاء وطنيا واستفتاء يفوز بنسبة 51 في المئة من الاصوات ليس - مع ذلك - حلا. الامر يتطلب استفتاء يصوّت له تسعون في المئة من الشعب. ثم - ومع هذه الفرضية وبالنظر الى الامر الواقع، فان اقامة نظام جمهورية اسلامية في لبنان ليس ممكنا في الوقت الحاضر.
الموت ليس سوى بوابة بين عالمين. بعض الناس يعبرون هذه البوابة بصعوبة ومعاناة، وبعضهم يعبرها بيسر وطواعية. والشهادة هي الطريق الافضل للعبور الى عالم الابدية، لان الشهادة واحدة من منح الخالق العظيم المجيدة. حينما يموت شهيد (اي ينتقل من مكان الى آخر) يكون ذلك مثل شخص يذهب الى السماء ومعه هدايا ثمينة. هذا هو السبب في ان للشهادة قيمة كبرى لاناس آخرين (للمسلمين). وحتى في تلك الامم التي لا تؤمن بالله، حينما يكرس الناس ارواحهم لوطنهم وامتهم ولهدف يؤمنون به. يكون ذلك موضع استحسان واعجاب. وكأب فقد ابنه لا يساورني قلق، فانني على ثقة من ان ابني في الجنة مع ربه العظيم. قبل ان يستشهد هادي كانت صوره لا توجد الا في بيتنا. اما اليوم فان صورته موجودة فيكل مكان وفي كل بيت. صحيح ان اسرتي وانا قد فقدنا ابننا الغالي الذي نحبه، ولكننا على ثقة من اننا سنلتقي به في الحياة الابدية يوما ما.
اما عن الصفات القيادية (الكاريزما) التي تقولون ان الناس يرونها فيّ، فانها ليست شيئا يتوجب عليّ ان اتحدث فيه. انما هي شيء يتحدث عنه الناس. اما الكاريزما بوجه عام فتعني النفوذ الذي يملكه شخص ما على الآخرين. وهذا - في الحقيقة - نعمة من الله يمكنه ان يحسنها اكثر بالمعرفة والخبرة، على الرغم من ان المعرفة والخبرة ليستا كافيتين لجعل شخص كاريزميا. انها تحتاج ايضا الى نعمة من الله وقصد.
❊ ولد الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله في 31/8/1960 في حي شرشبوك شرقي بيروت في النبعة.
حقائق عن السيد حسن نصرالله
من زاره سيجد حين يزوره في الاعوام التالية حتى اليوم بأنه لم يتغير، وساعة يده السايكو تغيرت منذ عامين بساعة من نفس الماركة لا يزيد ثمنها عن تسعة عشر دولاراً وأن كل الهدايا الثمينة التي ترسل له من المغتربين والأغنياء والزوار يتبرع لها »للشباب« لأنهم أحق بمالها الذي تباع به.
يوم زاره كوفي عنان في العام الفين طلب له الكابوتشينو وقنينة بيريه لأنه كان يعرف ما الذي يحبه كوفي وما الذي يرغبه وتلك كانت الرسالة الأولى لكوفي عنان إلى أن مهمته مستحيلة مع رجل يهتم بالتفاصيل المملة عن حياته وشرابه المفضل.
لم يتورع يوما عن دعوة محامي لبناني إعتقل لشبهة العمالة بحكم علاقته مع شخصيات اجنبية مشبوهة ليتبين فيما بعد أن الرجل لم يكن له علاقة أمنية معهم وليعتذر منه نصرالله وليقدم له عرضا قائلا »انا المسؤول خذ حقك مني حتى ترضى إن لم يكفيك الإعتذار الشفهي وكوب الشاي الأسود والمكسور بالماء الساخن«.
في إحدى مناسبات شهر رمضان أقيمت لدار أيتام في منطقة سوق الروشة الجديد وكان ذلك في أول ظهور له بـعد انتخابه امينا عاما وكانت الدعوة موجهة للحاضرين بداعي جمع التبرعات لصالح مبرة أيتام لا علاقة لها بالحزب.
وكان من الحاضرين وزراء ونواب وقادة جيش ورجال سياسة وديبلوماسيين.
حين دخل نصرالله بلحمه وشحمه مرّ بجانب الزعماء ولم يتوقف بل حيّاهم من بعيد واضعا يده على صدره ولكنه حين وصل الى طاولة »معثرين« سلم على جميع من على الطاولة باليد وجلس من دون الألتفات الى طاولات الزعماء التي دعي من المشرّفين ليجلس عليها.
ولكنه أكتشف سريعاً بأن مجموعة من رجال الأعمال والتجار وبعض الأخوة الكويتيين من التجار الكبار هم من يجلس معهم.
وقد لحظ الجميع أن الرجل يثير في النفس أحاسيس متناقضة تجعلك تحسه حين يحادثك بأنه محنك لأقصى درجة رغم محاولته إخفاء ذكائه وثقته بنفسه وتواضعه الذي لا يخفي خفة دمه وسرعة استيعابه لمستوى الموجودين. ففر من الطاولة تلك وحط على طاولة فقراء ومساكين. أحد الموجودين علّق فقال »الرجل خائف أن يجلس مع الأغنياء فيصاب بعدوى«.
آخر أخبار أبو هادي انه ينام قليلاً ويقوم كثيراً وأنه صائم منذ اليوم الأول لتهجير المدنيين مساواة لنفسه بهم (تذكرون ظهوره التلفزيوني وفمه الجاف) وأنه ينام على حرام يغطي الأرض التي يتمدد فوقها لساعات قليلة عليه ويرفض النوم على سرير أو حتى فوق فراش من الإسفنج.
حسن نصرالله يفاوض في اجتماع ويتابع التفاصيل في اجتماع آخر وبين هذا وذاك يتابع قراءة دعاء يقطعه تطور يستدعي معالجة منه ثم يعود الى دعائه وصلاة نافلة تقربا الى الله... يقول عنه المقربون انه يعرف ما الذي يمثله شخصه ولكنه لا يستمتع به ولا يفخر بل يخافه ويتهيب المسؤولية فهي ضخمة وتستدعي التهيب للحظات. يقولون أيضاً أنه تغير منذ العام اثنين وتسعين، صار أكثر روحانية وعرفانا وقربا الى الله يحسم الأمور القيادية بلا تردد ولكنه لا يمانع في عقد قران عروس على عريسها ممن يطلبون منه ذلك ويمازح ويبارك لهما بأطيب الكلمات توددا ثم يعود للعمل.
اسرائىل تقصف بيوت الفقراء بحثا عن نصرالله وهو هناك فوق تلال الجنوب ووديانه حاملا كفنه مطمئنا على كهوف المقاتلين وأنفاقهم ومشجعا هذا مدللا ذاك من رجال الله في لبنان.
مشكلة السيد حسن انه حنون »زيادة عن اللزوم« في الأمور المتعلقة باللبنانيين وخصوصا خصومه الداخليين، فهم شركاء في الوطن وذلك كاف
لأبن جبل عامل ليحفظ وداً في مكان ما لمن يمني النفس أن يستفيقوا من عمالتهم قبل فوات الآوان.
شوق الوالدين
نصر الله : سأبقى خجولاً امام اللواتي قدّمن فلذات أكبادهن لصون الارض والعرض
لم يخل خطاب للامين العام لحزب الله السيد حـسن نـصرالـله مـن ذكر عوائـل الشهـداء وامــهــات الشهــداء واطفـال الشهـداء وابـاء الشهــداء، والتـأكــيد علــى الوفــاء »لصــبرهن« وتضحــياتهــن وعظـمتـهن وخـجله امـام امـهات الشــهداء، وسيــبقى »خجلاً«امام الذين قدموا »فلذات اكبادهن« لصــون الارض والعرض والشرف وللواتي وضع الله الجنة تحـت اقدامــهن.
فامهات الشهداء هن كنوز هذه الامة، وبصبرهن تحققت الانجازات وفي عيدهن كل التـحية لـكل الامـهات وخصـوصاً لامـهات الشهداء اللواتي سيعدن رافـعات ســنابل القمـح واغصـان الزيتون لننعم بربيع الامومة وربيع النصر من رجس الاحتلال.
وقـد عـبرت السـيدة »ام حـسن« والدة الامــين الـعام لحـزب الــلـه السيد حسن نـصرالـله عن شـوقها لابـنها بدمعــتين انحــدرتا عنوة وقالت »انا عطول مشتاقتلو.. وقليل لشوفوه« وهي توجه الى امهات الشهداء وعوائل الشهداء التـحية القلبـية في عيد الام وتدعو الى الله ان يجزيهن خير الدنيا والاخرة ولا تنسى في بطاقة المعايدة، هذه ان تذكر والد الشهداء الثـلاثة،والحـاجـة ام عـماد مغــنية ورفيــقة درب سـراج عـمرها »ام هادي«.
اما شقيقة السيد الحاجة زكية فتعتبر ان »السيد« نموذج لن يتكرر حتى في اولادها واخوتها، و»امـي سـتبقى نمـوذجـاً لـلامهـات العابرات اللواتي لن يتكررن الا في مجتمع شريف مقاوم«.
فتحية الى اعظم ام وهي ام الشهيد وتحية الى الام المنتظرة في ظلمة الليل، ايتها الام التي لبست الاسود بصمت، وارسلت ولدها ليضيء بدمه الطاهر نور شمسنا الغائبة.
أم حسن : »انا عطول مشتاقتلو.. وقليل لشوفو« ولأمهات الشهداء التحيّة القلبية
خلف نظارتين سميكتين وبين معالم يظللها سواد العمامةواللحية،تلمع عينا السيد حسن نصرالله ببريق جديد مغلف بالترقب، فالعرب لم يعرفوا الفرح منذ عقود ولم يختبروا تاليا نتائجه.
محطات خاصة وعامة طبعت شباب السيد.. فكان يصبر على الخاص وينصرف الى العام، وهو الذي يقول انه نذر نفسه لقضية تجاوزت الوطن الى الانسان وكرامته.
لا ينتمي الى عائلة سياسية تقليدية، ولم يتخرج من بيت سياسي كان صاحبه نائبا او وزيرا ولم يلمع اسمه في الحرب ولا بعد الحرب ولم يكن قائد ميليشيا او زعيم تنظيم فرخته دوائر المخابرات.
لم يعرف كرجل دين واعظ وخطيب في المساجد والحسينيات ولم يكوّن اتباعا يتحلقون حوله في كل مناسبة.
باكراً شعر بانه ليس كاقرانه في الحي، لم يكن هاجسه اللعب. كان الاولاد يذهبون الى البحر والنهر للسياحة، ويقصدون كل فسحة للعب بالكرة.. فيما كان هو يذهب وحيدا الى المسجد سواء في سن الفيل او برج حمود او النبعة، لعدم وجود مسجد في الكرنتينا، كان اندفاعه نحو الدين داخلياً وليس وليد تأثره بالمحيط. فجو المنزل لم يتعد حدود الالتزام الديني التقليدي في واجبات الصلاة والصوم الى حال من الانغماس القوي والتدين الشديد، والاجواء في الكرنتينا تطغى عليها سمة الانفتاح والاختلاط المتعدد بين الاديان والطوائف. حين يستذكر طفولته وميله الباكر الى التدين لا يجد سببا سوى ذلك النزوع الداخلي النفسي والروحي والعقلي، وربما كان لصورة الامام الصدر تأثيرها المعنوي فيه، ذلك انه دأب وهو ابن التاسعة على النزول الى ساحة البرج لشراء الكتب من البسطات كان يختار الكتب الاسلامية او تلك التي تتحدث عن الاسلام.
لم يكن الرجل معروفاً قبل العام 1992، ومع ذلك ترك بصمة في تاريخ لبنان الحديث لا يماثلها اي حضور اخر واربك شخصيات سياسية كبيرة بقيت اسيرة لعبة الزواريب الداخلية. ترك الزواريب التي عاش فيها طفولته في منطقة الكرنتينا، احد احزمة البؤس في بيروت التي اسست لجوانب كثيرة في شخصيته، فالمنطقة عبارة عن تجمع للمحرومين من كل الطوائف قدموا من مختلف المناطق هرباً من الفقر، كان الحرمان الهدية التي جمعته مع اقرانه الاطفال فتوحد معهم في الملبس والمظهر ومصرف الجيب المتواضع وطرق التسلية.
هنا يحضر الانسان لا الطائفة في عيون الصغير الذي رأى والده النازح من البازورية ووالد صديقه الارمني او المسيحي او السني يدفعون العربات والفواكه لبيع الخضار ويسألون عن الفرج من رب واحد.
يقول رفاق السيد حسن نصرالله في مدرسة النجاح انه كان متدينا بالفطرة، يتلقى المزاح الثقيل من اقرانه بهدوء وخجل، الا انه كان شرساً جداً في رفضه اي مزاح يمس الدين او الذات الالهية، ولطالما تخاصم مع رفاقه الى حد القطيعة تجاه هذه المسائل.
رفاق السيد حسن توزعوا بين شيوعيين وناصريين وبعثيين وسوريين قوميين، اما هو الملتزم عقيدة ايمانية تسمو في رأيه على كل العقائد السياسية الاخرى، فكان يراقب حركة الامام موسى الصدر ويجزم والد السيد حسن ان ابنه تأثر كثيراً بالسيد موسى الصدر وقرر السير على خطاه والاقتداء به.
يقول قريبون من السيد نصرالله انه لم يكن يرغب ان يتورط حزب الله في اي معركة خارج نطاق المواجهة مع اسرائيل، بل لم يكن يحبذ التدخل في اي خلاف لقناعته بان ذلك يأكل من رصيد المقاومة ولا يضيف اليها وهو »السيد« يرفض اساساً نشوء الية خلاف وحل خلاف، حتى لا تتكرس وينجر الحزب الى الزواريب مجدداً.
لذلك بقي السيد رجل المهمات التنظيمية بامتياز مع بداية نشوء حزب الله، يبني كوادر يعلمها، يحضرها للمقاومة والجهاد يقيم حلقات دروس دينية بكل ما فيها من عبر واصرار على محاربة الظلم واحقاق الحق. ويروي قياديون في الحزب انه كان يقول لهم دائما »ان اسرائيل قوية في اوهامنا فقط وانه عندما نسقط هذا الوهم ونستخدم القوة الكامنة فينا، سنجد ان هذا الكيان الذي اسمه اسرائيل اوهن من بيت العنكبوت«.
ودائما كان الشهيد احمد قصير وعملية استشهاد حاضرة في اي تعبئة، ويقول السيد حسن نصرالله في حوار صحافي عن الخوف والخلل في موازين القوى: »نعود الى اسئلة 1982 حين كان الاحتلال موجودا على ارض اوسع، واذكر حين اقتحم الشهيد احمد قصير مقر الحاكم العسكري الاسرائيلي في صور وفي عملية استشهادية تحدث الاسرائيليون عن 85 قتيلا واعلن بيغن الحداد لثلاثة ايام، واطلق يومها كلاما بان اسرائيل ستدمر لبنان لانها لا تحتمل خسارة من هذا النوع وان خيار المقاومة مكلف ومجهد ومتعب«. والسيد ما فتئ يكرر هذا الكلام لاستنهاض الهمم والتأكيد على ان العين تقاوم المخرز اذا كانت في منطقة الحق.
»أبو حسن« : متفوّقٌ دائماً
قال السيد عبد الكريم نصرالله والد السيد حسن نصرالله الامين العام لحزب الله »ان السيد حسن نصرالله كان يطالع نحو 100 صفحة يوميا من الكتب السياسية والاسلامية عندما كان في التاسعة من عمره«.
واضاف عبد الكريم نصرالله »ان نجله دخل المدرسة وهو في الرابعة من عمره وحصل على أول شهادة رسمية في التاسعة وكان متفوقاً على زملائه من الناحية الدراسية«.
واوضح ان السيد حسن نصرالله كان يذهب الى المدرسة صباحا والى الحوزة الدينية مساء لتلقي العلوم الدينية وكان ملفتا في تعلم الدروس الدينية.
وتابع والد السيد حسن نصرالله ان نجله كان يقول ان بامكانه ايجاد توازن بين المدرسة والحوزة العلمية ولا داعي للقلق من ذلك لانه متوفق في كلاهما.
وذكر ان السيد حسن نصرالله كان يعاشر منذ صغره الادباء والعلماء وكان يلقي خطابات حول نهضة الامام الحسين (ع).
وقال ان السيد حسن نصرالله ذهب الى العراق في الثمانينات ابان الحرب الاهلية في لبنان وكان في ذلك الوقت في السادسة عشرة من عمره واستطاع ان يتألق في الحوزة العلمية بالنجف الاشرف.
واضاف ان المغفور له السيد محمد باقر الصدر قد سجل السيد حسن في المدرسة العلمية ومهّد لتعرفه على السيد عباس الموسوي الذي كان يرأس الطلبة اللبنانيين الذين كانوا يدرسون في الحوزة العلمية بالنجف.
واوضح انه عندما سأل السيد عباس الموسوي لدى عودته من العراق الى لبنان عن نجله السيد حسن فقال السيد عباس الموسوي ان السيد حسن نصرالله رجل عظيم »فاستغربت من هذا الكلام وقلت كيف فرد السيد عباس الموسوي ان السيد حسن هو قلبي«.
وقال والد السيد حسن نصرالله ان السيد عباس الموسوي قال مرة انه قد يستطيع ان يعيش بدون اسرته لكنه لا يستطيع العيش من دون السيد حسن نصرالله.
واضاف ان السيد محمد باقر الصدر كان يكن احتراماً كبيراً للسيد حسن وحتى انه البسه شخصيا العمامة.
واردف يقول ان نجله السيد حسن نصرالله كان مولعاً بالامام موسى الصدر »وكنت اضع صورة للامام موسى الصدر في محلي التجاري وكلما كان يأتي السيد حسن الى المحل وينظر الى هذه الصورة كان يقول بي هل من الممكن ان اصبح يوما مثل هذا الرجل«.
واوضح انه بعد اختطاف الامام موسى الصدر اصبح السيد حسن اكثر ولعا وتعلقا بافكار الإمام الخميني الراحل (رض) بحيث ان هذا الامر منحه قوة وزخما معنويا كبيرا والان عندما يتم الحديث عن الإمام الخميني (رض) فان الدمع ينهمر من عيني السيد حسن نصرالله وهذا مؤشر على تعلقه وحرصه على الإمام الراحل.
وقال انه مسرور بطبيعة الحال بأن تحول نجله بعد حرب الـ33 يوما الى بطل العرب واول انسان عربي استطاع الوقوف بوجه الكيان الصهيوني وانتصر عليه وتعرف عليه العالم اجمع.
وتحدث عن ذكرياته خلال حرب الـ33 يوما وقال انه بمجرد اسر الجنديين الاسرائيليين على يد حزب الله ابلغوه بان عليهم مغادرة منزلهم على الفور »فلقد غادرنا المنزل الى بستان بالقرب من القرية التي تقطنها شقيقتي. ولم تمض نصف ساعة حتى قصفت الطائرات الاسرائيلية منزلنا وسوته بالتراب«.
»لقد بقينا في هذا البستان 15 يوماً ومن ثم طلب منا ان نغير مكان اقامتنا فتوجهنا الى بيروت وكانت الطائرات الاسرائيلية تقصف الطريق المودى الى بيروت«.
وعما اذا كان طوال الحرب على اتصال مع السيد حسن نصرالله قال »نعم. كان هذا الاتصال يجري عبر الهاتف ولقد ارسل السيد حسن اسرته الينا مرات عديدة«.
ويقول عبد الكريم نصرالله عن والدة السيد حسن »إنها امّ وأمّ وأمّ، جوهرة الحياة في أسرتي، منذ زواجنا، لم تُغضب احداً، ولم تظلم أحداً. تاريخها معي يشهد على أنها من نسل السادة الأشراف ادباً ونسباً. لقد وفقنا الله سبحانه والتقينا كعائلتين مؤمنتين، فمن الله علينا بهذا الخلف الطاهر، والذرية الصالحة. لم تكن تهمها الدنيا في شيء. هي منذ العام 1975 تصبر على غياب اولادها عنها. كانت كلما طمأنتها عنهم تقول: سلمتهم لله. إنها فعلاً من الصابرات على الخوف والقلق والانتظار الدائم لرؤية أبي هادي.
»أم حسن« : »الله يرضى عليه«
عبرت والدة السيد حسن نصرالله عن شوقها لابنها حين مسحت دمعتين انحدرتا عنوة وقالت »انا عطول مشتاقتلو.. وقليل لشوفوه«.
وقالت عن طفولة السيد: »لقد امضاها رجلا قبل آوان الرجولة، هي حملته المسؤولية باكرا، فاهتم بإخوته الصغار في غيابها لمساعدة ابيه. نال »السرتفيكا« وكان في التاسعة من عمره. كان مجتهدا، يلبي دعوتها للدراسة ولو كان قد انهى كل واجباته. كان يحب الرياضيات والشعر. كانت تجيبه بدقة عن اسئلته في »الحساب«، من خلال خبرتها في ادارة دكانهم في النبعة، وكان يشكرها مساء لان فرضه كان خاليا من الاخطاء تماما بين رفاقه. كان محبوبا منهم ومن اساتذته. وقد حزن كثيرا عندما اضطر بسبب التهجير لترك مدرسته الاولى في النبعة »الكفاح«. وقد فتح الحياة كلها على اسمها فيما بعد. هي حملت له يوما شمعة من اقاصي القرية واضاءتها ليتابع درسه، لان ضوء القمر لم يكفه في غياب الكهرباء، شاركها السيد عناء التهجير وتبعاته من النبعة وبرج حمود، مع مطلع الحرب الاهلية، غطته بقامتها كي لا يؤذيه احد، وهما يغادران المنطقة الشرقية في شاحنة قديمة، ومع ذلك شجعته على السفر الى العراق للمرة الاولى. رغم توجّسه من الطائرة نصحته بالاتكال على الله ففعل ومضى.. وكانت تلك اولى محطاتها مع الخوف على السيد فقد عاشته بكل المه، صباحا عندما اخبرتها شقيقتها ان انفجارا حصل في مطار بغداد ولكن... فسلمت الله امره وامرها.. وبعد انتخابه اميناً عاما بعد استشهاد »ابي ياسر« خامرها خوف بسيط: »معقول بكرا يصير فيك مثل السيد عباس؟« فاجابها بتسليم واطمئنان علمته اياه »مش بتقوليلي اتكل ع الله وسلم امرك الو؟«.
لم يجبرها مرة في طفولته او صباه على زجره او لومه. كان يساعدها في قطف الزيتون ولو تراكمت عليه الدروس. كان منذ طفولته شجاعاً. مصلياً. ناداها احدهم لتراه يؤم رفاقه في الصلاة، ثم يعظهم كأنه على منبر الجمعة. في شبابه، راسلها من بعلبك، طالبا منهم ان تخطب له من اصبحت فيما بعد »ام هادي« وقد قصدت بعد بحث طويل منزل والديها في رأس النبع، وتم الزواج.
احبّت ام حسن »ام هادي« كابنة لها وهي بادلتها حبا بحب »الله يرضى عليها وعلى كل كنايني واصهرتي« والشهيد هادي كان متعلقا بها كثيرا، لا يتناول فطوره من دونها، وعندما سافر الى ايران للمرة الاولى كان يتصل بها كل صباح، وكان يمازحها بقوله: »قلب اللي بحبك حبّو« ولم تجد سوى الدمع تشارك به ام هادي بعد استشهاده. وهي ما زالت حتى اليوم تبكيه كلما تذكرته. وقد اعجبت ام حسن كثيرا بام ثلاثة شهداء من برعشيت، التقتها في رحلة الى ايران، كانت متماسكة، تشرح للجميع عظمة الشهداء والشهادة. وعندما ألمّ بها حزن خفيف امام احد الاسئلة، غمرتها ام حسن بحنانها، ولم تتركها طوال الرحلة. وفي عدوان تموز خافت ام »السيد« على الناس كافة، لا على »السيد« وحده. كانت المجازر تحرمها النوم، وكانت تبكي لكل ما مرّ على الناس من مآس.
تذكرت وهي تقفل بوابة البيت الكبير بالمفتاح، نزوح الاخوة الفلسطينيين واحتفاظهم مع ذلك بمفاتيح بيوتهم. وقد عانت كسائر الخلق عذاب التهجير في هذه الحرب. والقلق على »زكية« ابنتها التي حوصرت في »مارون الراس« وقد غادرتها بعد مرورها بصعوبات ومخاطر كثيرة، وكانت تنتظر رسائل السيد المتلفزة بلهفة كالناس جميعا، فاخباره قد انقطعت عنها. ومع ذلك صبرت وفرحت عندما تحقق صدق الوعد بالنصر الذي اطلقه »السيد« تختتم ام حسن حديث ذكرياتها هذا بالشكر لكل عوائل الشهداء وتوجه الى امهاتهن التحية القلبية في عيد الام وتدعو الله ان يجزيهن خير الدنيا والآخرة. ولا تنسى في بطاقة المعايدة هذه ان تتذكر والدة الشهداء الثلاثة، والحاجة ام عماد مغنية، كما لاتنسى رفيقة درب سراج عمرها ام هادي.
و»للسيد« تعلن اطمئنانها الى ان الله كافله وقلبها وقلوب المؤمنين التي اعتلاها حبيبا، تدعو له وتنزل عليه من الله رضوانا، وللمقاومة وشعبها وشهدائها، دوام النصر.
شقيقة نصرالله : أمهات الشهداء يرفعن رؤوسنا
ترفض الحاجة زكية نصر الله إعطاء أمها شهادة في عيد الأم، »فهي من تعطينا جميعاً شهادات في الأمومة. إنها مدرستنا الأولى. منها تعلمنا الصبر والمثابرة، والهدوء والإيمان والكفاح. هي كأمهات الشهداء الصابرات اللواتي يرفعن رؤوسنا عالياً، لهن مني كل التهاني في عيد الأم. ربما انفردت امي عن الأمهات، بمعاناة ألم الفراق المر المحتوم، لفلذة الكبد الغالي، لكن أمي تكابد منذ زمن ألم الخوف والقلق الدائم على حياة السيد (حفظه الله). ان ألم أم الشهيد لا يعرفه الا الله وأم شهيد مثلها، وأمي ايضا، لا يدرك معاناتها الا الله سبحانه، اضيفي الى ذلك المها عندما تواسي ام الشهيد. كأنها ام ثانية لها أو له«. أما »السيد« فتعتبر زكية انه نموذج لن يتكرر حتى في اولادها واخوتها، »كذلك أمي ستبقى نموذجاً للامهات الصابرات اللواتي لن يتكررن الا في مجتمع شريف، مقاوم«.
❊ سيدة التواضع امنا جميعاً:
وتقول قريبتها السيدة »أم هاشم«: »أن الحاجة ام حسن هي سيدة التواضع. تحرص على واجباتها مع الاقربين والابعدين. تشاركهم احزانهم، فتقصدهم في قراهم البعيدة. فهي منهم ولهم. وهي ترفض في هذه المناسبات محاولات بعض الاخوات تقبيل يديها الكريمتين، وتبادر الى مبادلتها بقبلة على الجبين، لانها تعتبر نفسها اماً كسائر الأمهات وهي تنوه دائماً بوجوب اجلال وتقدير امهات الشهداء وهي لا تعتذر عن عدم حضور مناسبة الا اذا كانت تنتظر »السيد« بعد طول غياب، وهي تعتبره ليس ابناً لها وحدها. والله لا أبالغ لو قلت انها أمنا جميعاً. أليست هي من ربّت لنا قائد سفينة الانتصارات العظيمة، حتى الوعد الصادق وما سيليه«؟
البداية الاولى تمثلت بالتصدي البطولي للجيش الاسرائيلي في كلية العلوم ــ الحدث
لم يشهد التاريخ الحديث والقديم ان حزبا لم يتجاوز عمره الـ25 سنة حقق انجازات تاريخية بهذا المستوى قاربت حد المستحيل لجهة اسقاط مفاهيم سادت السنوات الماضية بان لا امل في شيء، وبان الدعوة الى الصمود والمواجهة دعوة رومانسية بل دعوة الى الانتحار لا اكثر ولا اقل، فالمحدلة سائرة ومن يقف في طريقها، تسوّيه في الارض.
وترافق ذلك مع نظريات تدعو الى الواقعية: ودفن الرؤوس بالرمال حتى مرور العاصفة وبان الظروف ليست لصالح القوى المناوئة للاحتلال وللاستمرار بالمواجهة وان انهيار الاتحاد السوفياتي يحتم مراجعة شاملة للمفاهيم الى حد تسارع الخطوات نحو الاعتراف بعدو الامة التاريخي.
ولذلك بدأت عند البعض وتحديدا عند الكثير من الاحزاب العربية والقومية مراجعة للمسلمات والبديهيات، متزامنة مع تعبئة سياسية وايديولوجية سفهت قيم النضال والوطنية وترويج مفاهيم جديدة تزيد الاعمال السيئة وتشجع على التراجع والنكوص بحيث بدأ البعض يعتبر ان الاستسلام قدر لا مفر منه وكأنه الحقيقة الازلية والكلمة الاخيرة للتاريخ.
وفي هذا السياق التراجعي جاءت انتصارات استراتيجية حزب الله والسيد حسن نصراله لتبدل كل هذه المفاهيم، وتحقق التحولات الاستراتيجية التي اعترف بها قادة العدو، ولتقر عن مدى عظمة هذا القائد ونفاذ بصيرته ودهائه الاستراتيجي بل الاسطوري كما يعبرعنه الاعداء والاصدقاء وليشق الطريق نحو نصر الهي يحرر ارض لبنان باستثناء مزارع شبعا وتلال كفرشوبا، وليضع مصير هذا الكيان الغاصب وزواله على المحك، وليشق الطريق نحو مستقبل مشرق للامة ولحاقها بركب الانسانية المتقدم وسد الفجوة التي تفصلنا عنه. فاستراتيجية »السيد« التي تمثل للشرفاء املا واقعيا نابضا بالانتصار وترسم علامة بارزة مشرقة في التاريخ العربي المعاصر، تؤسس فعليا لنهضة عربية منشودة بعد عقود من التخلف والتفتت والتأكل والاحباط.
فهذه الاستراتيجية التي بدأت عبر عمليات الوخز بالابر المتواصلة لانهاك جيش العدو الى الكاتيوشا الى ما بعد.. بعد حيفا شقت الطريق لتوازنات جديدة ولعالم انساني حر يشهد بقوة المقاومة وسوريا وايران ومأزق اسرائيل الواقعة في استنزاف مفتوح سيمتد حتما الى العالم الغربي والولايات المتحدة الاميركية وسيقلب كل المفاهيم نحو ثقة جديدة بالنفس وكل ذلك بفضل صمود المقاومة وانجازاتها.
هذا الحزب الغني بقيادته الشابة حقق ما عجزت عن تحقيقه انظمة وجيوش واحزاب، حتى بدا الصراع العربي الاسرائيلي في السنوات الاخيرة وكأنه صراع بين حزب الله واسرائيل، وكل ذلك من اجل هوية الامة واصالتها، وتقدمها بين الامم والشعوب.
»الديار« اعدت ملفاً شاملاً عن الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله من طفولته الى الامانة العامة لحزب الله، واليوم تطرق الى نشأة حزب الله ودور الامين العام.
ظهر حزب الله الى الوجود في اوائل عام 1980 في خضم التطورات السياسية التي عصفت بلبنان والمنطقة، وبرز عمله الاول في مواجهة الالة العسكرية الاسرائيلية عام 1982 في خلدة وكلية العلوم التي قاومت ببسالة نادرة وباسلحة متواضعة، ابطالها مجموعة من شبان متدينين كانوا يؤسسون ويعملون لمرحلة جديدة ترفع حالة الاحباط عن كامل شعبنا.
في 20 حزيران 1982 اي بعد 14 يوما على بدء الاجتياح عقدت هيئة الانقاذ اول اجتماع لها برئاسة الرئيس الراحل الياس سركيس وحضور كامل اعضائها وسط تنديد الشارع الاسلامي، وقد ترك تشكيل الهيئة اثره على الوضع الشيعي وعلى حركة امل تحديداً، حيث وجدت الحركة نفسها في سياق ازمة كبيرة لها امتدادات اقليمية ودولية تركت اثرها على وحدة حركة امل وغادر الحركة قيادات بارزة ابرزهم السيد حسين الموسوي عضو المكتب السياسي للحركة والناطق الرسمي باسمها الذي اسس مع مجموعة من الذين غادروا »امل« حركة »امل - الاسلامية« ومن بينهم السيد عباس الموسوي وابراهيم امين السيد وكان رئيس مكتب امل في طهران حتى العام 1982 ومصطفى الديراني مسؤول الامن المركزي في »امل« والسيد حسن نصرالله الامين العام الحالي لحزب الله واصرت هذه القيادات على المواجهة في محاور بيروت والضاحية وجرى اجتماع لعدد من قيادات حركة امل الرئيسية في البقاع وصدر بيان يرفض الهيئة وفي موازاة ذلك كانت كل الترتيبات قد اتخذت من هذه القيادات للبدء بخطوات ميدانية لمواجهة مخاطر المرحلة فتخرج عدد من الكوادر من دورات الحرس ثم ارسلت المجموعات الى الجنوب وبيروت لتلتقي بمجموعات اخرى متواجدة في المنطقة كانت قد باشرت عملها الميداني وبسرية كاملة ضد الجيش الاسرائيلي والقوات المتعددة الجنسيات.
مع بداية التدريب العسكري تكثفت اللقاءات في البقاع لتشكيل الاطار السياسي الجديد للتيار الاسلامي، واختير تسعة اشخاص لتحديد هذا الاطار بدأوا وتحركهم واجتماعاتهم فيما عرف بلجنة التسعة التي ضمت ممثلين عن مختلف الاتجاهات الاسلامية، فكان منها مندوبون عن امل الاسلامية حزب الدعوة واللجان الاسلامية وعلماء وشخصيات مستقلة وكانت مهمتها اعداد الصيغة السياسية التي ستكون الواجهة للعمل الاسلامي واجرت اللجنة اتصالا بايران لتنسيق المساعدات وحينها كلف الامام الخميني ممثلا عنه لمتابعة الوضع في لبنان وايجاد طرق العلاقة بين الدولة الاسلامية والاسلاميين في لبنان.
اقتصرت مهمة لجنة التسعة على ايجاد القواعد الاولية للصيغة السياسية ولذلك لم تعمر طويلا، فاستبدلت بلجنة خماسية اطلق عيها اسم شورى لبنان، عقدت اجتماعاتها في مطلع العام 1983 وحصلت على موافقة الاسلاميين في لبنان ودعم وتأييد القيادة الاسلامية في ايران، اما ميدانيا فكانت العمليات ضد الغزاة تتصاعد في بيروت والجبل والجنوب واطراف الضاحية الجنوبية وفي تشرين الثاني 1982 دوى انفجارعنيف في مدينة صور دمر مقر الحاكم العسكري الاسرائيلي، واسفر عن سقوط العشرات من جنود الاحتلال بين قتيل وجريح، ولم يتمكن الاسرائيليون من معرفة سبب هذا الانفجار ووصفه رئيس اركان الجيش الاسرائيلي رافائيل اتيان بانه ناجم عن ضعف البناء الا ان هذا الانفجار لم يكن سوى بداية الطريق لحرب لم يشهد الاسرائيليون مثلها في تاريخ حروبهم.
انها عملية انتحارية والتي لم تكشف المقاومة الاسلامية النقاب عن منفذها الا بعد 3 سنوات، انه شاب من بلدة دير قانون النهر اسمه احمد قصير تم تحضير سيارته والمتفجرات من قبل احدى مجموعات المقاومة الاسلامية ليفاجئ بها الاسرائيليون وتكون البداية للمجابهة الطويلة بين الاسلاميين وجيش الاحتلال حيث عم الفرح كل قرى الجنوب ولبنان يوم الاعلان عن العملية.
اختلاف التعاطي مع مجلس الشورى
وبعد ذلك بدأ التعاطي يختلف مع مجلس الشورى، وبدأ المصطلح يتردد في الاوساط الاسلامية مع الابقاء على سرية اسماء اعضائها، وترافق ذلك مع ظهور شعارات تحمل اسم حزب الله حتى قررت الشورى في ايار العام 1984 اعتماد تسمية ثابتة وشعار مركزي يتصدر كل البيانات هو حزب الله - الثورة الاسلامية في لبنان وانشئ في الوقت نفسه المكتب السياسي واقرار اصدار المطبوعة الاسبوعية »العهد«.
وبعد فترة ارتفع عدد اعضاء الشورى الى سبعة واخذ النشاط في الضاحية يتصاعد وبيروت يتزايد تشييع لشهداء وعمليات متواصلة حتى شباط العام 1985 عندما اعلن حزب الله رسالته المفتوحة للمستضعفين مجددا رؤيته ومواقفه وبرنامجه السياسي ومؤكدا على الاطار الفكري الذي يتحرك من خلاله على مستوى القيادة والقاعدة وما يتفرع عنها.
لقد تبنى حزب الله في فلسفته العقائدية الفكرية الاسلام كمنهج للحياة واعلن انه يجاهد من اجل تطبيق الشريعة الاسلامية، واختيار اسم حزب الله منبعه القرآن الكريم له دلالاته التاريخية والعقائدية في الاوساط الاسلامية.
قاسم حزب الله مأخوذ من القرآن الكريم الذي اورد في عدة آيات هذا اللقب الذي يطلق على المتحركين في خط الإلتزام بالتعاليم الإلهية كما ورد في سورة المجادلة لا تجد قوما يؤمنون بالله وباليوم الاخر يوادون من جاد الله ورسوله ولو كان آباءهم او ابناءهم او اخوانهم او عشيرتهم اولئك كتب في قلوبهم الايمان وايدهم بروح منه ويدخلهم جنات تجري من تحتها الانهار خالدين فيها رضى الله عنهم ورضوا عنه اولئك حزب الله الا ان حزب الله هم المفلحون...
وهذا الوصف القرآني لحزب الله كمفهوم للجماعة المؤمنة بالتعاليم الإلهية والمتجاوزة لكل الشكليات الرحمية او القبلية او المناطقية في سبيل اهدافها اراد حزب الله في لبنان السير على خطاه، في إطار فكري متحرك على بنائه في بداية انطلاقه مستخدما الخلايا الصغيرة التي كانت تتلقى المبادئ التي قوم عليها حزب الله في المراكز والمساجد بعيدا عن اي تدخلات خارجية بحيث بقي النطاق ضيقا ومغلقا حتى اكتملت عوامل البناء.
ولادة حزب الله
ولا شك بأن الاعلان الرسمي عن ولادة حزب الله يعود الى السادس عشر من شباط 1985 في الشياح بمناسبة احياء الذكرى الاولى لاستشهاد الشيخ راغب حرب وقد استقبل حزب الله حين خروجه الى الوجود بكثير من الريبة من قبل كل الاحزاب السياسية يومها بسبب صلته بإيران ونجم عن ذلك انخراط الحزب في معارك ضارية ضد الحزب الشيوعي اللبناني والحزب السوري القومي الاجتماعي في مشغرة ليتوج خلافه مع حركة امل في العام 1988 لكن حزب الله نجح خلال بداية التسعينات في تبديد هذه الصورة السلبية عنه مع استلام الشهيد السيد عباس الموسوي الامانة العامة للحزب وبعده السيد حسن نصرالله الذي اتقن كيف يرفع من مستوى الخطاب السياسي للحزب اذ مال حزب الله الى ايلاء القضية الوطنية الداخلية كل الاهتمام.
واصبح السيد حسن نصرالله رمزا لكل اللبنانيين الذين وقفوا معه في اصعب اللحظات التي مر بها حزب الله.
ولقد تمكن الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله من تصحيح صورة الحزب عند كل اللبنانيين الذين يقدرون للحزب دوره وعمله.
الامانة العامة
ووصف اعلاميون انتخاب السيد حسن نصرالله عام 1992 بالاتي : لم تكن خطوة انتخاب مجلس الشورى القرار في حزب الله السيد حسن نصرالله 1992 امينا عاما لحزب الله خلفا للسيد عباس الموسوي مفاجأة للعارفين ببواطن الامور في الحزب فهذا القيادي الذي كان دائما بعيدا عن الاضواء والاعلام، بعد في صفوف الحزب واحدا من ابرز عقوله ومفكريه وواحدا من الذين يقترن اسمهم بالاحترام والتقدير وذكر مجالسهم ومحاضراتهم بالمعرفة العميقة بالامور السياسية والدراية الواسعة بالمشكلات الفقهية.
والامين العام الجديد لحزب الله وهو الثالث بعد السيد عباس الموسوي منذ ظهور الحزب الى الضوء تربى حيث نشأ على الإلتزام الديني منذ حداثته وفي البازورية وعلى رغم صغر سنه انذاك اسس مكتبة اسلامية عامة في الطبقة الارضية من الحسينية ونظم حلقة دينية لجمهرة من اترابه في مسجدها متحديا بذلك الجو اليساري الذي كان يهيمن على البلدة ويغزو الجنوب عموما ولا تنظر الاحزاب في تلك الفترة بالرضا الى الافكار الدينية خصوصا اذا ما خرجت عن اطارها العبادي الى طروحات سياسية.
ويقول الاستاذ ابراهيم بيرم »عام 1992 ومن النشاط الاصغر الى النشاط الاكبر انتقل نصرالله الى النجف الاشرف بتشجيع من العلامة السيد محمد حسين فضل الله وفي الجامعة الدينية الاعرق للشيعة تغذى السيد نصرالله بأفكار المفكر الشيعي الراحل السيد محمد باقر الصدر وتربى على طروحاته السياسية. ثم عاد الى لبنان ليشارك في غرس نواة حزب الله في مطلع الثمانينات. وهو منذ ان اطلق الحزب هيئاته القيادية كان في الصفوف الاولى وكان واحدا من المسؤولين عن الجانب العقيدي والثقافي للحزب وفي مؤتمر عام الحزب 1991 كلف بمهمة التعبئة الفكرية السياسية ولم يكن له اي دور في عملية الاتصال بالاحزاب والقوى السياسية الاسلامية وغير الاسلامية وهي استجدت في الحزب عقب اختبار الموسوي«.
والحزب الذي تلقى باغتيال الموسوي ضربة مؤلمة سارع الى انتخاب خلف جديد له قبل دفنه هو السيد حسن نصرالله. الذي بكى السيد عباس الموسوي كما لم يبك احدا من قبل فهو استاذه ورفيق نضاله وجهاده وقضى شهيدا ومن المفارقات ايضا ان الرجلين شديدا الشبه ببعضهما بعضا.. مع بعض الفارق في القامات.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق