2011-10-21 |
لم تحكم الثورة في مصر، وطريقة اختيار القيادات في البلاد، أكبر دليل على أن الحكم الجديد هو امتداد للنظام القديم.. وفي كل شيء!. وإذا كنا قد رضينا على مضض بالهم الذي تمثل في عودة منصب وزارة الإعلام، فان الهم لم يرض بنا، واستمر القوم في إدارتهم لمرفق الإعلام يؤكدون في قراراتهم على أنه لا جديد تحت الشمس، وقد انتظرنا بعد الثورة عودة برنامج 'رئيس التحرير' الذي كان يقدمه حمدي قنديل للشاشة، فلم يعد البرنامج، بل فوجئنا بالاحتفاء بمنع سبق له وان اعترف بجريمة منعه، وكأنهم يخرجون ألسنتهم لنا، امتثالاً للأغنية التاريخية: 'والنبي لنكيد العزال'، ولسان حالهم يقول لنا 'يا عوازل فلفلوا'.. ولمن لا يعرفون ثقافة 'فلفلة العوازل' فعليهم أن يعودوا إلى الأغنية التاريخية في هذا الصدد لصاحبها خالد الذكر فريد الأطرش: 'ما قال لي وقلت له'، مع ملاحظة العامية المصرية في نطق المكتوب. من قبل شكلوا مجلس أمناء اتحاد الإذاعة والتلفزيون وجعلوا رئاسته لثروت مكي رئيس قطاع الأخبار السابق، وصاحب الاعتراف الشهير بمنع برنامج 'رئيس التحرير' قالها الرجل في حينها بشجاعة منقطعة النظير، وان كنا نعرف انه اقل من أن يمنع برنامجا بهذا الحجم، فلابد من أن نأخذ في الاعتبار ان الاعتراف سيد الأدلة، ومن عجب أن مجلس الأمناء جمع بين الضحية والجلاد، وبين حمدي قنديل وثروت مكي، وقد رفع عنا قنديل الحرج باستقالته منه. وعلى ذكر التشكيل 'المزيكا' لمجلس الأمناء، فقد ضم هذا التشكيل من ينتمون الى العصر البائد وبعض القيادات السابقة في 'ماسبيرو' كانت تنحني وتقبل يد 'الهانم' حرم الرئيس المخلوع، وقد تم استدعاؤهم من غيابات الجب لتولي مناصب قيادية في عهد الثورة، ومنهم من لم يقبل يد الهانم، لكنه كان من اختيارها مثل هذه السيدة التي تولت منصب رئيس الفضائية المصرية، ولم تهتم بتطويرها وقدمت نموذجاً حياً على الكفاح الفاشل في إدارتها للقناة، إذ كانت تعلم ان رضا 'أولي الأمر' هو الأساس في الاختيار وليس الجودة في العمل، فلم تهتم بتطوير القناة وانما انشغلت بالأولى. كان ثروت مكي صاحب الاعتراف المثير قد بقي له ثلاثة شهور في ذمة العمل الحكومي ويحال للتقاعد لبلوغه السن القانونية، ولأنه صاحب تاريخ مشرف في 'المشي في ركب قياداته' باعتبار ان طاعة ولي الأمر واجبة، فقد تم التمديد له، وتم تجاهل تقارير الأجهزة الرقابية فيما يختص ببعض ممارساته، بل ان تقارير رقابية أخرى خرجت مزيفة لتبرر عملية المد هذه ليستمر سيادته في الخدمة بعد السن القانونية باعتباره من الكائنات المنقرضة في هذا الزمان، وعلى أساس انه صاحب خبرة في أن يتحمل بالنيابة عن المسؤول الأكبر أي تهمة يمكن أن توجه إليه. لقد كان الرائد متقاعد صفوت الشريف هو صاحب قرار منع بث برنامج حمدي قنديل، وكان ممثل النظام في مهمة مطاردته من فضائية الى أخرى، ومن 'دريم' إلى القناة الليبية إياها لصاحبها سيف القذافي، وصفوت الشريف ومعه عمر سليمان هما من رجال القذافي في القاهرة، وكانا يتوليان ترويضه، ويضعانه على 'كفوف الراحة' ويحققان له حلم حياته في القيام بدور الزعيم على ارض مصر، عندما كانا يخرجان له المصريين ليهتفون له: 'بالروح.. بالدم نفديك يا قذافي'، وقبل ان يهتف هو: زنقة .. زنقة .. دار.. دار. ولأن الجنين في بطن أمه كان يعلم أن الشريف هو صاحب قرار منع 'رئيس التحرير' إلا أن ثروت مكي هو من أعلن انه من منع البرنامج 'وأعلى ما في خيل من يعترض على هذا يركبه'. دين مبارك ثروت مكي يمتلك ميزة إذن تؤهله للاستمرار في العمل لحاجة القيادة الإعلامية الجديدة في ان يتولى بالنيابة عنها تحمل الأخطاء بشجاعة ورباطة جأش، لأنه ليس لديه ما يخسره وليس له تاريخ يخاف عليه، وهو على 'دين مبارك' الذي قال له ذات مرة المفكر الراحل محمد سيد سعيد على ملأ من رجاله: تستطيع أن تدخل التاريخ إن فعلت.. وقبل أن يكمل عبارته صده المخلوع: أنا لا عايز ادخل تاريخ ولا جغرافيا. ولأنه ليس كل ما يتمناه المرء يدركه فقد دخل سيادته التاريخ ولكن من الباب المخصص لدخول اللصوص والقتلة. على ذكر المخلوع، فان العبد لله كاتب هذه السطور في حالة دهشة منذ أن ظهر في الجلسات العلنية لمحاكمته عبر شاشات التلفزيون وفق قاعدة 'اعمل ميت'.. وفي وضع مهين جلباً لتعاطف الرأي العام، الذي لا يصدق انه مريض، ويوقن انه متمارض. فيظل بالساعات طريح الفراش.. يرفع رأسه ليرى ما يدور حوله وعندما يشاهد الكاميرا يرجع سريعاً بها على الوسادة، ويخفي وجهه بذراعه. تمنيت لو واجه مصيره بشجاعة.. وقام ووبخ القاضي.. وهيئة الدفاع.. واسر الشهداء.. والإعلام.. كم سنة يمكن ان يعيشها ليقبل بهذا الهوان؟! السيدة جيهان السادات كانت رائعة مع معتز الدمرداش على فضائية 'الحياة' وقالت بدبلوماسية شديدة انه من العيب ان يبدو مبارك كذلك، مع انه لا يوجد من يصدق انه مريض. ومشكلة المذكورة أنها تبدو في كلامها في الجملة دبلوماسية إلى حد الملل، وفي كل لقاء تلفزيوني تكسب كثيراً وتبدد الصورة التي في الأذهان عنها، عندما كانت تقدمها المعارضة في عهد السادات على أنها سبب كل البلاء إلى حد قيام البعض بوصفها بـ 'سيئة مصر الأولى'، فلم يكونوا قد وقفوا بعد على 'الست سيئات' الحقيقية، التي كانت تمد يدها فيقبلها وزراء، ومذيعات يدعين النضال الآن، وباعتبار إنهن من فجرن الثورة. من أخطاء جيهان السادات في برنامج قناة 'الحياة' أنها دافعت عن قرار زوجها باختيار مبارك نائباً له، وقالت ما معناه انه كان شخصاً جيداً ومؤهلاً للمنصب، ومن كانوا مقربين من السادات في هذه المرحلة يعلمون ان اختياره كان لأنه كان لا يعلم ألف باء سياسة، وهناك اعتراضات تمت من قبل المقربين من السادات على هذا الاختيار، وحجتهم انه جاهل سياسياً، وقد اتخذه عثمان احمد عثمان صديق السادات المقرب هزواً وهو من أطلق عليه اللقب الشائع عنه، ولا يمكن ذكره هنا امتثالاً لقوله تعالى: 'ولا تنابزوا بالألقاب'. قال مصطفى كامل مراد مرة للسادات لقد استقدمت شخصاً 'ميح' في السياسة، فعلق السادات 'بكرة يتعلم يا مصطفى'.. وقال مراد: عندما يتعلم نكون متنا، وقال محمود جامع كلاماً قريباً من هذا للسادات، لكنه أصر على قراره. جيهان كانت وهي تشييد ببدايات مبارك تدافع عن اختيارات زوجها، وهو موقف مقدر، لكنه يحفظ ولا يُعمل به. الرئيس الضرورة وقد تمنيت أن يكون مبارك شجاعاً وهو يواجه مصيره حتى نلتمس لأنفسنا العذر ونحن نعمل له ألف حساب ونخشى بطشه، وجبروته، ونقيم له حلقات الذكر التي تم نصبها له فهو الرئيس الحكيم.. والرئيس الضرورة.. والرئيس المفكر.. والرئيس الذي لم تلد النساء مثله، وكنا نتقرب منه بالنوافل، وعند أول مواجهة جادة مع نظامه إذ به يبدو هشاً وضعيفاً، كرماد اشتد به الريح في يوم عاصف، وتبين رجاله وكأنهم أعجاز نخل خاوية. لكن ليس كل ما يتمناه المرء يدركه، وكلما تذكرت صورته وهو ملقى على السرير بدون مرض حتى بعد أن قررت المحكمة التي تحاكمه وقف النقل المباشر وغير المباشر للمحاكمات نظرت للنفس بازدراء. نحن الذين فرعنا مبارك، وقديما سئل فرعون: من الذي فرعنك؟.. قال لم أجد من يوقفني عند حدي. ما علينا، فلم يكتف أولو الأمر منا بالمد في عمر خدمة ثروت مكي القائم بأعمال رئيس اتحاد الإذاعة والتلفزيون، ولكنهم عينوه في الأسبوع الماضي رئيساً لاتحاد الإذاعة والتلفزيون، فلم يعد مجرد قائم بالأعمال! وبعيداً عن موقفه من برنامج حمدي قنديل، فاللافت أن المذكور سبق له ان تولى رئاسة القناة الثالثة، فرئيس قطاع الأخبار، ولم تظهر عليه كرامات تجعله يتولى هذا المنصب، إلا إذا كان التعيين يتم وفق القاعدة المتوارثة، التي بمقتضاها اختار السادات حسني مبارك نائباً له، واختار المجلس العسكري عصام شرف رئيساً للحكومة، وهو رجل بركة وطيب لكنه ضعيف، وقد كانت جدتي رحمة الله تعالى عليها تقول: إن الحاكم الضعيف فتنة. فالكفاءة المهنية ليست مطلوبة، فنحن في زمن تعد فيه كفاءة المرء عبئاً عليه، لذا فان اختيار المسؤول الاعلى يراعي ان يكون التابع شخصية مطيعة لا تفكر في مزاحمته مستقبلاً على المنصب، مع ان مبارك تولى رئاسة مصر لمدة ثلاثين عاماً وكان يقدم على انه حكيم زمانه. أداء التلفزيون إن سؤالاً يتكرر كثيراً هل بالإمكان النهوض بأداء التلفزيون المصري لكي يكون قادراً على منافسة القنوات الأخرى، وزميلنا سيد علي سألني في برنامج 'حدوتة مصرية' هذا السؤال ثم أردف ماذا ستفعل لو كنت وزيراً للإعلام، وقلت في سري: من فمك لباب السماء، وان كان قد عاد ونكد علي بقوله: ونحن نعلم انك لن توافق علي ذلك.. من قال له أنني لن أوافق على ذلك؟!، وحسب معلوماتي أن الوزير ولو تولى يوماً مهام منصبه فان له معاشاً يغنيه الدهر كله ويورث لذريته من بعده.. انظر حفظك الله ورعاك كيف تم تبديد ميزانية الدولة المصرية على اختيارات فاشلة للوزراء بعد الثورة وقبلها، وهناك وزراء تولوا مناصبهم لأسابيع ولأيام ولشهور وبالطبع حصل كل منهم على 'معاش وزير'. قلت لسيد علي المسألة ليست كيمياء، فالتلفزيون المصري لا تنقصه الكفاءات، وكثيرون ممن شاركوا في تأسيس الفضائيات الشهيرة هم من المصريين، لكن ما ينقصنا هو الإرادة السياسية للتفوق، ومن قبل تم استدعاء هؤلاء في مفاوضات وعرضوا عليهم العودة إلى أحضان التلفزيون ووافقوا، لكن لم يسألوا فيهم بعد ذلك. لأن الكفاءة ليست مطلوبة، والمطلوب هم أهل الثقة، ووزير الإعلام هو من هؤلاء، ولا يمكن ان يحتفي بمن يمكن أن ينافسه على موقعه لذا كان اختيار ثروت مكي رئيساً لاتحاد الإذاعة والتلفزيون.. ونعم الاختيار |
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق