الخميس، 2 أكتوبر 2014

إسرائيل حاولت اصطيادى فى بيروت لكنى أوقعت بجواسيسهم فى القاهرة.. اللواء محمد رفعت جبريل

نقلا عن المصري اليوم 
ندما تلتقى مسؤولاً مهماً فى مكتبه ووسط سلطانه ورجاله 
وحرسه، تأخذك الرهبة للحظات، وربما لدقائق أو أكثر، أما الرهبة من «قيمة الرجال» وتاريخهم وذاكرتهم ووطنيتهم، فهى شىء خاص جداً..
عقل الرجل ومواجهاته وخططه لصالح مصر.. هو ما كنا نسعى إليه، على مدى ساعة كاملة، دارت مناقشات ساخنة بيننا، حول المخابرات وصمت رجالاتها.. والضوابط واللوائح التى تضبط ذلك، وكيف يلتزم البعض.. ولا يلتزم آخرون، ولماذا نأخذ معلوماتنا عن عملياتنا وأبطالنا من المخابرات الأجنبية، خاصة الإسرائيلية والأمريكية والبريطانية، بينما يفضل أبطالنا الصمت، وحتى لو كانت هناك ضوابط محددة لهذه العمليات فلماذا كتب البعض، مثل صلاح نصر، مذكراتهم بشكل مطول، وآثر الآخرون غير ذلك؟
وبعد كثير من الشد والجذب، وافق الرجل على إجراء الحوار وتسجيله، على أن نجلس سوياً لمرات عديدة لنواصل توثيق المعلومات والعمليات، وقال لنا: سأذكر هنا ما كنا نعلن عنه فى الستينيات من عمليات لمكافحة التجسس.. وكذلك سأتكلم عن القضايا والمهام التى قمت بها فقط.. ولن أتطرق إلى عمليات الآخرين، كما أننى سأصل إلى النتائج دون الخوض فى العمليات الفنية. وافقت على شروطه فوراً، وقلت له: لى طلب فى المقابل.. وهو أن نبدأ برحلتك من بلدتكم هذه وصولاً إلى المخابرات العامة وانتهاء برئاستك لجهاز «الأمن القومى».. فوافق الرجل وعاد بنا إلى الوراء.. وبالتحديد ما قبل تخرجه فى الكلية الحربية عام 1950.
أنا من مواليد 1928.. كان أبى ميسور الحال.. وألحقنى بمدرسة دمنهور الأميرية التى كانت فى هذا الوقت مدرسة الأثرياء والأعيان.. وأتذكر أننى كنت وأنا طالب أركب حصاناً إلى محطة القطار فى «كوم حمادة» ومنها إلى دمنهور يومياً.. لكننى لا أتذكر الآن ملامح والدى إلا عن طريق الصور الموجودة لدينا، فقد مات وأنا فى السابعة.. ومرت الأيام حتى حصلت على «التوجيهية» ومنها دخلت كلية التجارة جامعة القاهرة. وأتذكر أننى فاتنى، فى هذا العام، موعد تقديم «الكلية الحربية» التى كانت أملى وحلمى الكبير.. كانت الكلية فتحت أبوابها للمصريين من أبناء الطبقة الوسطى والفلاحين فى هذا الوقت، خاصة بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، لكن الحلم تأجل لعام كامل.
مر العام ثقيلاً ومملاً، ورغم تفوقى إلا أننى كنت أركز على موعد تقديم «الحربية».. ولأننى كنت أخشى أن يفوتنى الموعد كنت أذهب إلى مقر الكلية الحربية صباح كل يوم للتأكد من أنهم لم يفتحوا باب التقدم رغم أننى كنت أعرفه جيداً.
وفى هذا الزمان.. كانت «الكلية الحربية الملكية» بالواسطة.. وشاء القدر أن أتعرف على مدير عام القرعة «التجنيد حالياً» فى جلسة عائلية، وحين أدرك الرجل طموحى قرر مساعدتى، ونجحت فى جميع الاختبارات، وجاء كشف الهيئة «كشف تحديد المصير»، وكانت اللجنة برئاسة حيدر باشا، وزير الحربية فى هذا الوقت، وعثمان باشا المصرى، رئيس الأركان، وبعضوية مجموعة من كبار رجال الجيش.
وكانت «واسطتى» كبيرة، كما قلت، ولكن كان علىَّ أن أقدم ما يثبت ملكية عائلتى أطياناً زراعية أو غيرها.. وكانت المفاجأة غير السارة، والتى كادت تعصف بأحلامى بعد كل هذا العناء، هى أن الورود الخاصة بالأطيان، أى «إيصالات سداد الضرائب»، ليست بالملف، رغم أنها مدونة فيه، وكانت مفارقة كبيرة.
وقفت حائراً أمام حيدر باشا «فى كشف الهيئة».. فورقى مكتمل ولكن إدارة الكلية كانت قد ردت إيصالات الضرائب لى بحجة عدم وجود «إعلام وراثة» فى الملف.. وبجرأة حكيت لـ«حيدر باشا» هذه المعلومات فصاح فى وجه صبحى بك مدير الكلية «إيه الفوضى ديه؟!»، ورد عليه مدير الكلية بضرورة وجود إعلام وراثة، وعندها قلت: «بصراحة، الكلية حلمى الكبير.. ولن أتخلى عنه بسهولة»، ويبدو أن حيدر باشا أعجب بكلامى.. وقال لى برفق: «اذهب فوراً وهات أوراقك، ونحن منتظرون»، فقلت له: «أنا محتاج يوم على الأقل»، وإذا بحيدر باشا وسط هذا الجو المشحون واللحظات الحرجة يصيح قائلاً: «ليه هتروح راكب جحشة؟!».
وضحك الجميع.. ولم أضحك إلا عندما سمعت اسمى ضمن المقبولين.
«المصري اليوم» تحاور اللواء محمد رفعت جبريلhttp://media.almasryalyoum.com/News/Large/2014/09/26/254206_0.jpg
متى تخرجت؟
- أنا دفعة 1950.. ودفعتنا استمرت فى الكلية 18 شهراً فقط.. وكان الجيش خرج قبلها بشهور من حرب 1948، ولهذه الظروف تم تكثيف مدة الكلية.. وأنا كنت متفوقاً فى الرياضة والفروسية والرماية حتى أصبحت أحد قيادات الطلبة «أمباشا» أى رئيس مجموعة، ويشاء القدر أن يكون شعراوى جمعة، وزير الداخلية، فيما بعد، هو الضابط المسؤول عن تدريبى.
بعد الكلية، بدأت مشوار الكفاح فى سلاح المدفعية، وفى إحدى ليالى الصيف الحار فى 1951، كان هناك حدث أكثر سخونة من هذه الأجواء.. حيث تم قبولى فى تنظيم «الضباط الأحرار» بترشيح من خالد فوزى، رئيس إحدى شعب التنظيم.. وهو عمل كأمين عام رئاسة الجمهورية لاحقاً.. توسم الرجل فىَّ خيراً.. وبعد مناقشات وتساؤلات اطمأن إلى جديتى، وأنا من جانبى آمنت بالتنظيم وجديته.. ولذلك لم أتردد لحظة واحدة فى عضويتى وانتمائى للتنظيم، رغم المخاطر الكبيرة التى كان من الممكن أن أتعرض لها وأنا فى بداية حياتى.
وكنت حين قامت الثورة مسؤولاً عن مخازن الذخيرة فى سريتى بالمدفعية، وقمت بتهريب الذخيرة وتسليمها إلى على شفيق، سكرتير المشير عامر فيما بعد، كما أننى كنت أقوم بتوزيع المنشورات داخل الجيش، أما ليلة 23 يوليو فقد كنت مسؤولاً عن أمن نقاط التفتيش بمنطقة العباسية، التى كانت تعج بمعسكرات وثكنات الجيش، وشاركت فى القبض على عدد من أصحاب الرتب الكبيرة التى كانت تمثل عائقاً كبيراً أمام نجاح الثورة.
واستمرت خدمتى بالجيش، وقبل انضمامى للعمل بالمخابرات العامة منتصف 1957، شاركت فى حرب 1956، وأتذكر عدداً من المهام التى قمت بها أثناء الحرب مع زملائى ومنها قطع الطريق على القوات الإنجليزية ومنعها من دخول القاهرة عن طريق وادى المعادى، كما شاركت فى زراعة الألغام فى قناة السويس لمنع تقدم أى بواخر لتحالف العدوان الثلاثى.
وحتى قبل انضمامى للمخابرات، كنت قريباً من هذا العمل، وخلال الحرب، أشرفت على جمع المعلومات عن العدو الذى كان وقتها قد بدأ يتقدم من السويس للقاهرة، وكنا ندفع ببعض المواطنين لجمع الأخبار عن العدو وتحليلها وإمداد الجيش بها.
وقبيل تشكيل جهاز المخابرات العامة، كان لدينا فى مصر ما يسمى «مخابرات الحرس الوطنى»، وكنت ضابطاً بهذا الجهاز.. وبرز دورنا من خلال تدريب الشعب، وإقامة معسكرات فى كل محافظة، لكن بعد انتهاء الحرب لصالح مصر.. تقرر إنشاء جهاز مستقل للمخابرات حيث ظهرت أهمية ذلك، وجاء الوقت ليصبح لمصر مخابرات قوية تحفظ أمنها القومى.
وللعلم، فقد كانت هناك اجتهادات قوية لإنشاء «المخابرات» على يد زكريا محيى الدين.. وعلى صبرى.. ولكن للأمانة فإن البداية الحقيقية لنا كانت مع صلاح نصر.
وماذا تقصد بـ«الاجتهادات»؟
- «زكريا محيى الدين» تم تكليفه من جمال عبدالناصر بإنشاء جهاز مستقل للمخابرات، لكن المسؤول المباشر كان على صبرى، الذى جاء من سلاح الطيران، وبالفعل كانت البداية بمقر فى منطقة منشية البكرى.. ورغم تأكيدى أن المفهوم الحقيقى لعمل المخابرات تم مع مجىء صلاح نصر للجهاز، إلا أن عمليات مخابراتية مهمة سبقت هذا التاريخ.. فزرع رأفت الهجان فى إسرائيل والكشف عن تفجيرات اليهود فى القاهرة والإسكندرية تم قبل 1957.
بالمناسبة.. هل عملت مع رأفت الهجان؟
- لا.. العملية تمت قبل إنشاء الجهاز.
لكن رجال المخابرات كانوا يتواصلون معه على مدى عشرين عاماً تقريباً؟
- زملاء آخرون كانوا مسؤولين عنه.
وما رأيك «الفنى» فيه؟
- كرجل مخابرات.. ومسؤول سابق عن «مكافحة التجسس» أؤكد أن العميل لا يستمر أكثر من 4 سنوات.
وبعدها؟
- يصبح عميلاً مزدوجاً للطرفين.. أو يتم استبداله.
ووضع «الهجان»؟
- ساعده الإسرائيليون كثيراً.. وكانت له شركات واستثمارات عديدة فى أوروبا فيما بعد، والمسلسل قدمه ببريق مبالغ فيه للغاية.
وماذا كانت أول مهمة لك عند دخولك الجهاز فى 1957؟
- كشف ومكافحة التجسس الإسرائيلى.
وما الرتبة التى كنت وصلت إليها وقتها فى الجيش؟
- «نقيب»، ترقيت بعد ذلك إلى رتبة «رائد» فى بداية عملى بالمخابرات العامة، وتم وضعى تحت التدريب لمدة عامين، وكان يقوم بتدريبنا مجموعة من المصريين، من بينهم موظف فى وزارة الأوقاف كان يهوى قراءة كتب عن الحرب العالمية واستخلص منها خطوات التدريب، وعلى فكرة لا يوجد جهاز مخابرات يمد آخر بخبرات، وكانت هناك كتب أمريكية ندرس بها مبادئ المخابرات، ونحن فى بداية عملنا فى الجهاز كنا ننحت الصخر، وعرفنا كيفية ممارسة العمل والجاسوسية، واكتسبنا الخبرة من الصراع الدائر حول مصر، وكما يقول المثل «الشاطر يغزل برجل حمار»، فلقد استخدمنا «عقولنا» التى غلبت الموساد الإسرائيلى CIA الأمريكى وKGB الروسى.
معنى هذا أن الـKGB كان يتجسس علينا فى الخمسينيات بالرغم من أن روسيا كانت هى الصديق الأول لمصر؟
- بالطبع ففى عام 67 كنت مشرفاً على الجهاز، وألقينا القبض على جاسوس روسى، كان خبيراً فى القوات المسلحة، من ضمن المدرسين للتدريب على استعمال السلاح.
إذن كنت مع قرار السادات بطرد السوفييت؟
- نعم، وكنت وقتها فى مأمورية باليمن عام 1971 ومن شدة سعادتى بقرار السادات أرسلت له برقية عن طريق الخارجية أهنئه على هذا القرار، فلقد كانوا «مخربين» فى البلد، وكنت أكرههم بالفعل.
وماذا كانت مهمتك فى اليمن؟
- كنت أحضر التحقيق مع ضابط مخابرات إسرائيلى، وكانوا محتاجين إلى خبير لاستجوابه، كانت السلطات اليمنية قد ألقت القبض عليه، وكان يدعى «باروخ مزراحى»، وطلبت اليمن من مصر المساعدة فى التحقيق معه، وذهبت إلى هناك بصفتى أحد خبراء المخابرات لاستجوابه، وعندما علم أننى مصرى تحدث على الفور، فنحن «دارسين بعض» جيداً، سواء المخابرات المصرية أو الإسرائيلية. وهذا الجاسوس له قصة شهيرة سنرويها فيما بعد.
اشترك الآن لتصلك أهم الأخبار لحظة بلحظة


الجمعة 26-09-2014 22:29 | كتب: محمد السيد صالح
الثعلب جالسا على مكتبه بمبنى المخابراتالثعلب جالسا على مكتبه بمبنى المخابراتتصوير : other
عبدالناصر أخطأ أمنياً ومخابراتياً في هذا المجال، فهو لم يعمل بنصائح «المخابرات» في هذا الوقت، بالتكتم على مشروع بناء برنامج الصواريخ المصرى، ولكنه زايد على «المشروع» وكرر ولمرات عديدة أن مصر لديها صواريخ ستصل إلى قلب إسرائيل.
الثعلب يكشف خبايا عمليات عميل الموساد الذى استأجر فيلا أسمهان واخترق سلاح الفرسان
يرى رفعت جبريل أن جهوده في «مكافحة التجسس».. في عقد الستينيات، كانت الأهم في مسيرته الشخصية ومسيرة عمل المخابرات العامة ويقول «كان بلدنا مستهدفاً إلى حد كبير من الإسرائيليين، ومن الأمريكيين ومن اليهود في جميع أنحاء العالم.. حتى بعض الدول الأوروبية الصديقة كانت تتجسس على مصر لصالح إسرائيل.. وأحياناً تتم هذه العمليات بمعرفة القيادات السياسية العليا لهذه البلاد، وأحياناً عن طريق قيادات أجهزة المخابرات التي نجح «الموساد» في استقطاب عدد منهم، أو كان الأمر يتم وفقاً لنظام «تبادل المعلومات» بين الأجهزة.
في هذه الحلقة يركز «الثعلب» على واحدة من أهم العمليات على الإطلاق وهى الخاصة بإيقاعه وفريقه بضابط المخابرات الإسرائيلى «فولجانج لوتز» الذي كان مسؤولاً عن تفخيخ الرسائل الموجهة لعلماء الصواريخ الألمان الذين كانوا يعملون مع عبدالناصر.

جبريل: رسائله المفخخة عثرت عليها وسط علب الصابون
تعلمت من الجاسوس «فولجانج» الكثير
وهو أول من سمانى «الثعلب»
وعبدالناصر استبدله بـ3 آلاف أسير
صلاح نصر له دور كبير.. والجهاز تمتع في عهده بحماية تامة
■ أعود لبداياتك.. مرة أخرى في الجهاز.
- على مدار تاريخ مصر، لم يكن هناك ما يعرف بالجاسوسية بمفهومها العصرى، ولكن بعد حرب 1956 واتجاه الغرب لاحتكار السلاح، وظهور مدارس التجسس الأمريكية والإسرائيلية، نشط العمل في المجال إلى أبعد مدى، وكانت الجاسوسية الإسرائيلية تحديداً نشطة جدا حتى إنها كانت غطاء للنشاط الأمريكى، فكانت أمريكا تريد أن تظل علاقتها بالدول العربية طبيعية، وبالتالى كانت إسرائيل تقوم بذلك على اعتبار أن صورتها مهزوزة فعلياً، فكانت الخبرة والممارسة موجودتين لديها، وكان عندى الأدلة على أن إسرائيل كانت تعمل مع أمريكا في كل العمليات التي رصدناها سواء في مصر أو في العالم العربى كله.
■ وكيف علمت ذلك؟
- من خلال عملائى بينهم.
■ وهل كان لديك عملاء بينهم؟
- بالطبع، أفضل العمليات أن تعرف وتجيد كيفية التعامل مع «العميل المزدوج»، أو كما نسميه «Double agent» وكنت أجيد ذلك تماما ولى مؤلفات عليها وبعضها نشر في الصحافة، حيث كنت أقوم بعمل مؤتمر صحفى كل يوم جمعة تقريباً عن عمليات للأمن القومى والمخابرات.
■ إذن كنت تكشف عن عملية كل أسبوع؟
- بالفعل، وكان المؤتمر حسب قوة القضية التي تم كشفها والقبض على عناصرها، وسألت أحد الخبراء الأمريكيين عن كيفية تقييمه للضابط الناجح في مقاومة الجاسوسية، فقال: لو كشف قضية واحدة يكون ناجحاً، ولو كشف قضيتين يكون «سوبر» وكنت لا أريد أن أعرف منه أكثر من ذلك.
■ ومتى كانت البداية الحقيقية أو ذروة فترة الجاسوسية؟
- ابتداء ً من عام 1958 كانت أول قضية توليتها لعميل يدعى فؤاد محرم على، وكان مصرياً من أم سويسرية.. ولم يكمل تعليمه، وخرج في السنة النهائية من كلية الطيران وعمل في مجال الاتصالات، وكان له وضع خاص، حيث تم تجنيده في الخرطوم وأسمرة، واستطاع من قام بتجنيده من جهاز المخابرات الإسرائيلى أن يعمل له «غسيل مخ» وللحق فقد كان الضابط فائق الذكاء، حتى جعل محرم يقتنع تماما بالمهمة التي يقوم بها، حيث كانت قناعته الشخصية أنه يعمل لصالح مصر عن طريق هذه المنظمة، والتى كان لا يعلم أنها إسرائيلية، وكانت حجة المنظمة له أنهم يدافعون عن مصر ويكافحون الشيوعية بها، وأقنعوه بأنه كلما جاء بمعلومات أكثر استطاعوا مكافحة الشيوعية بشكل أسرع.
■ وكيف تمت محاكمته؟
- عن طريق محكمة أمن الدولة، كان يتولاها المستشار البهنساوى.. ووقتها قال فؤاد في المحكمة «لو أفرجتوا عنى سأعمل مع هذه المنظمة مرة أخرى، لأننى شديد الوطنية وأعمل لصالح مصر، وأخشى من وقوعها في براثن الشيوعية».. وللعلم صفوت الشريف عمل ضمن فريقى في هذه القضية.. وكان ضابطاً متميزاً.. وقدمت تقريراً بهذا المعنى لقيادة الجهاز.
■ وما الحكم الصادر ضده؟
- الإعدام شنقاً.
■ وهل كان من المسموح لكم حضور المحاكمات وقول شهادتكم؟
- لا، وكانت هذه أول قضية من هذا النوع في مصر.
القضية الوحيدة التي حضرت فيها للمحكمة كانت محاكمة صلاح نصر، ومجموعته بعد هزيمة يونيو، وترافعت عن الجهاز لمدة 3 ساعات كاملة، ولكن طلب أن تكون الجلسة سرية، ووقتها قلت إن الجهاز ليس ملكاً لأحد، وإنما ملك لمصر بأكملها، واعترضت على مقولة جمال عبدالناصر بعد 67، والقبض على صلاح نصر بأن «دولة المخابرات انتهت»، فهذه الكلمة تعنى ضعف الجهاز.
«المصرى اليوم» تنشر أول صورة لأخطر جاسوس إسرائيلى أثناء التحقيق معه بمبنى المخابرات
■ ولكن عبدالناصر يبدو أنه كان يقصد تحكم المخابرات في الشارع، وقد يكون المصطلح «خانه»؟
- نعم ولكن كلمة «انتهت» تعنى فشل الجهاز، وكنت أرفض أن تأتى من ضمن «الهفوات» كلمة كهذه، لأنها قد تهدم جهازاً بأكمله.
■ وهل كان السادات أذكى في التعامل مع جهاز المخابرات؟
- السادات كان شخصية عبقرية.
■ أقصد في الأمن القومى وليس السياسة الداخلية؟
- في عهد السادات طلب منا أن ننتشر بين مرسى مطروح وأسوان كأمن قومى، حتى لا تخترقنا أجهزة المخابرات الأخرى وطلب منا أن نترك المكاتب.
■ أشعر من حديثك أنك متحيز لصلاح نصر ثم السادات من بعده؟
- صلاح نصر كان من أعظم رجال المخابرات.
■ كيف؟
- كل ما قيل عنه كذب وافتراء، وكل ما أشيع عنه جاء في وقت لم يستطع الرد عليه، حيث كان في المحكمة والجميع من حوله كان يتملق النظام ضده.
■ ومتى بدأت علاقتك به؟
- أواخر عام 1957 وعملت معه لمدة 10 سنوات كاملة.
■ وهل عرفته وقت الثورة؟
- أنا اشتركت في يوم الثورة وكان صلاح نصر قائد الكتيبة 13 في الثورة، واستدعيت لأننى كنت مسؤولاً عن فرق مخابرات حربية.
■ ومن عرض عليك الانضمام للضباط الأحرار؟
- اليوزباشى خالد فوزى، الذي استدعانى في مكتبه.
■ أريد أن أعرف ملابسات أول عملية قمت بها؟
- أهم مصدر تستقى منه معلوماتك يكون من ضباط جيش وطنى، وهو ما حدث مع فؤاد محرم الذي أحضرته من الخرطوم، فمثلا لو جاء إليك عميل مدرب ويعلم الكثير من الأشياء تستطيع أن تستجوبه وتأخذ منه تكنيك العدو، ونقاط ضعفه حتى تستطيع بعد ذلك أن تصطاد من يماثله، فالمفروض أن كل من يعمل في هذا المجال تكون لديه مدرسة بهذا الشكل.. وهناك أجهزة مخابرات لا تستطيع عمل ذلك مع ضباط الجيش.
■ وكيف تستقى المعلومات من العميل؟
- هو لا يعطينى.. أنا آخذها منه من حيث لا يدرى.
■ كان هناك عميل لصالح إسرائيل ومدرب من قبلهم.. كيف تحصل منه على المعلومات؟
- هو يريد أن يأتى إلى، فهو يأخذ منهم وأنا أترك له هذا المجال، ولقد نجحت في عمليات كثيرة من هذا النوع، وكانت إسرائيل تعتبرها ضربات قاضية لها، ونجحت أيضا في عملية كانت تخطط لاغتيالى، ولكنى كشفتها من بدايتها، وتماشيت معهم، وبدلا من أن تصطادنى إسرائيل في بيروت استطعت اصطياد عملائها في مصر.
إسرائيل حاولت اصطيادى فى بيروت لكنى أوقعت بجواسيسهم فى القاهرة
■ ومن كشف العميل فؤاد محرم؟
- لم يكن فردا واحداً، كنت أدربهم على كيفية الحصول على المعلومات التي أريدها، ذلك من خلال معرفتى لأسلوب المخابرات الإسرائيلية في التعامل والأماكن التي يرتادونها.
■ ما الدول العربية التي عملت بها في عمليات من هذا النوع؟
- هناك سوريا والأردن والعراق.
■ وماذا كانت مهمتك في سوريا؟
- عملت في مجال مكافحة التجسس لصالح سوريا.
■ والعراق؟
- طلبت الحكومة العراقية من مصر خبيراً للتفاهم مع شبكة جاسوسية إسرائيلية تم القبض عليها هناك، ولم يستطيعوا التعامل معها، وكان ذلك في بداية الستينيات، وقمت باستجوابهم.
■ وهل هناك عمليات قمت بها في الدول العربية بعيداً عن الحكومات؟
- لا.
■ وما طبيعة عملك في الأردن؟
- كانت كلها عمليات مساعدة للفلسطينيين.
■ وما طبيعة هذه المساعدات؟
- شكل الفلسطينيون في الأردن أيام الملك حسين شبه دولة داخل المملكة، وكانت لهم أجهزة شرطة خاصة بهم، يقيمون نقاط تفتيش على الطريق، وكانت لمصر مصالح استراتيجية هناك وكانت أحياناً تتقاطع مع مصالح السلطات الأردنية.
■ في هذه الفترة كانت مصر تدعم الاختراق الفلسطينى للأردن.. هل كنت جزءاً من هذا الاختراق؟
- لم أتدخل سياسياً في أي موضوع، وكانت مهمتى هي فقط كل ما يمثل مقاومة إسرائيل.
■ هل تزاملت مع اللواء عبدالسلام المحجوب في تلك الفترة؟
- نعم، وكنت في الأردن في إحدى الرحلات في قضية فلسطينية جاسوسية، وكان موجوداً في الجهاز وقتها.
■ وماذا كانت طبيعة علاقتكما؟
- كانت رتبتى أعلى في هذه الفترة، وكان هو في إحدى هيئات الجهاز المهمة، وكان زميلاً محترماً من الجيل الذهبى لـ«المخابرات».
■ ألم تشترك في عملية خطف ياسر عرفات في هذه الفترة وإعادته لمصر بعد أزمة «أيلول الأسود» عام 1970؟
- لم أشترك.. العملية كانت أقرب إلى العمليات السياسية منها إلى مقاومة الجاسوسية.. فلم يكن هذا عملى.
■ قلت إن مصر لم تعرف المخابرات بشكل علمى إلا مع صلاح نصر فماذا فعل للجهاز؟
- احتكاكى كضابط صغير مع صلاح نصر لم يكن احتكاكاً كبيراً، ولكن كانت هناك حماية تامة للجهاز في أيامه وكنا نعمل 24 ساعة ولم يكن هناك إجازات، حتى يوم الجمعة كنا نعمل في الجهاز وكانت لدينا في ذلك الوقت قضايا وعمليات كثيرة نعمل فيها، ووقتها ألقيت القبض على أكبر شبكة جاسوسية في شارع الهرم.
[quote:4]
■ وما طبيعة هذه القضية؟
- قائد الشبكة كان اسمه فولجانج لوتز.. واشتهر باسم «جاسوس الشمبانيا» قدم لمصر بجواز سفر ألمانى، ولكننا اكتشفنا أنه يعمل في الموساد.
■ أشعر من حديثك وكأنك كنت تلقى القبض على مجرم عادى وأن العملية سهلة، فكيف كانت العملية إذن؟
- لأهمية مصر وأهمية الدور الذي كانت تقوم به، لم يقم الموساد بتجنيد أحد عناصره في هذه العملية، ولكن أرسل أحد ضباطه المتميزين.. وبالفعل نجح لفترة.. وقدم نفسه للمجتمع على أنه رجل ألمانى مليونير يهوى الخيول، وقام بتأجير فيلا «أسمهان» في شارع الهرم ومزرعة خاصة للخيول، وكان هناك أيضاً من ضمن أصدقائه المترددين عليه ضباط من سلاح الفرسان، لدرجة أنه عندما كان يسافر لإحدى رحلاته كان يضع خيوله في سيارات سلاح الفرسان وكان مطمئناً أن له أصدقاء من الضباط.. وبالتالى لن يكتشفه أحد.
■ إذن كيف قمت باكتشافه؟
- وضعت خطة لمدة 3 شهور كاملة، ثم اخترقت الفيلا، ويوم القبض عليه كان عائداً من مرسى مطروح، وكان عند يوسف غراب، محافظ مطروح آنذاك، الذي كان من بين أصدقائه.
■ وهل اعترفت به إسرائيل؟
- نعم، وقام عبدالناصر بالإفراج عنه بعد هزيمة يونيو مقابل الإفراج عن الضباط المصريين الأسرى في حرب 67، بالفعل إسرائيل تسلمته مقابل الإفراج عن جميع الضباط المصريين، وظهر هذا الجاسوس في التليفزيون الإسرائيلى، وحكى عن كيفية إلقاء القبض عليه في مصر، وأكد أنه لم يخطئ خطأ واحداً، وقال إن الخطأ في قيادة الموساد الإسرائيلى نفسه، وقد قامت إسرائيل بنشر كتاب عن هذه العملية.
■ تلاحظ أن إسرائيل تقوم بنشر كتب عن عمليات الجاسوسية، في الوقت الذي لا نقوم فيه نحن بذلك، فما السبب؟
- في رأيى الخاص.. أن العمليات التي انتهت يجوز نشرها.
■ أعود لهذه القضية التي تسميها أنت أخطر قضايا التجسس في الخمسينيات وهى قضية «جاسوس الشمبانيا» ونريد توثيقها بالتفصيل؟
- فولجانج كان ألمانياً يهودياً.. ودخل مصر على أنه ألمانى مسيحى، وكان جاسوساً محترفاً منذ الحرب العالمية الثانية، وعندما استقر به المقام في فيلا أسمهان في الهرم.. وبمهارة يحسد عليها، استطاع النفاذ في مجتمع القاهرة، واشترك في نادى الجزيرة، واشترى الكثير من الخيول الأصيلة، ودخل في معاملات تجارية مع عدد من كبار رجال الدولة، وكل خميس كان يقيم حفلاً ساهراً وغنياً في فيلته.
كانت مهمة الرجل الأساسية والوحيدة هي استهداف العلماء الأجانب، وخاصة الألمان الذين يعملون في مجال الصواريخ، وذلك بالقتل أو الترويع، وتصوير أن عبدالناصر لا يستطيع حمايتهم، وبصراحة فإن عبدالناصر أخطأ أمنياً ومخابراتياً في هذا المجال، فهو لم يعمل بنصائح «المخابرات» في هذا الوقت، بالتكتم على مشروع بناء برنامج الصواريخ المصرى، ولكنه زايد على «المشروع» وكرر ولمرات عديدة أن مصر لديها صواريخ ستصل إلى قلب إسرائيل.. وهو إعلان من وجهة نظرى الفنية غير موفق على الإطلاق.. لسببين، الأول أن البرنامج كان في بدايته في هذا التوقيت، والثانى أن العلماء القائمين عليه كانوا أجانب ولم يكونوا مواطنين مصريين، ولذلك فان حملة الترويع الإسرائيلية قد نجحت في «تطفيشهم» من مصر.
«أنا أحب عبدالناصر إلى حد كبير، فله الفضل في أمور عديدة ويصعب حصرها، ولكنه في هذا المجال، ومع الفارق الزمنى، بدا عبدالناصر وكأنه صدام حسين الذي هدد إسرائيل بصواريخ لا يمكن تسليحها إلا بالأسمنت، عبدالناصر روج لمشاريعه وقبل اكتمال بنائها بعكس السادات الذي كان ماكراً للغاية، بدليل أنه قبل بمبادرة روجرز لوقف حرب الاستنزاف من أجل إكمال بناء الصواريخ، وكنت شاهداً في هذه المرحلة على بعض الانتقادات، من غير العالمين ببواطن الأمور، لقرار السادات هذا.
■ نعود لـ«فولجانج»؟
- «الرجل.. وكذلك رجال آخرون في الموساد نجحوا في إرسال خطابات مفخخة لعدد من هؤلاء العلماء، وكانوا من ألمانيا الشرقية ولاحظنا أن الرسائل يتم إرسالها من داخل مصر وليس من خارجها.. ومات أحد المساعدين المصريين، وأصيب عالم أجنبى وسكرتيرته، وحدث هياج بين هؤلاء العلماء، مما أدى إلى فشل مشروع الصواريخ، وفى هذه الأثناء توصلت لمعلومة وهى أن «فولجانج» هذا وراءه نشاط مريب، وأنه عميل للموساد وهو من خطط لإرسال هذه الخطابات، لكننى كنت أحتاج إلى دليل دامغ، لكى يؤكد إحساسى هذا، دخلنا الفيلا ومعى فريق من المتخصصين، كان الرجل خارج القاهرة، فتشنا في كل الأماكن بشكل بوليسى دقيق ولمدة ساعتين، ولم نجد أي دليل على أنه جاسوس وكنت في قمة الغيظ، لكن شيئاً ما دفعنى في اللحظة الأخيرة لدخول غرفة المكتب.. وفيها كان كل شىء منظماً وفى مكانه، وفجأة عثرت على شىء شكله غريب.. علبة متوسطة الحجم فوق المكتب الرئيسى بالغرفة.. وعندما فتحتها عثرت على عدد من قطع الصابون بداخلها.. وبحاستى السادسة أدركت أن في الأمر شيئاً مريباً، وقد يكون في هذه العلبة ضالتنا المنشودة، وجاء خبير المتفجرات ليجرى فحصاً بسيطاً وسريعاً، ليؤكد لى بالفعل أنها «متفجرات» لم نأخذ الصابون الموجود في العلبة بل أغلقناها ونظفت المكان تماماً، وخرجنا قبل أن يعود الرجل بدقائق معدودة.
[quote:5]
بعد يومين.. حصلنا على إذن النيابة.. وألقينا القبض عليه وأتذكر أننا عندما دخلنا بيته في «الهرم» وعرف مقصدنا هددنا باللجوء إلى سفارته «الألمانية»، كما ذكرنا بمعارفه وأصدقائه من الوزراء والمحافظين.. وبهدوء طلبت منه أن يدخل معى إلى حجرة المكتب.. وببساطة مددت يدى إلى أعلى المكتب وفتحت العلبة وأخرجت الصابون.. وفى لحظات تغيرت ملامح الرجل تماماً.. وانهار وقال وبشكل مفاجئ لى ولجميع من حولى «سأعترف بكل شىء» وقام من تلقاء نفسه بإحضار اللاسلكى وباقى أدوات الاتصال بـ«الموساد» وكان أسهل جاسوس أستجوبه على الإطلاق.. والرجل كان ذكياً للغاية وعلم أننا نعرف كل شىء عنه ومن ثم فإن تعاونه معنا كان عاملاً مهماً في عدم إهانته أو تعرضه للبهدلة، والأمر الثانى، أن الرجل كان يعلم أنه مهم للغاية للموساد وأنه غير مصرى، أي أنه سيدخل في صفقة، آجلاً أم عاجلاً، لتبادل الأسرى، والأهم أنه لن يعدم.
وقضى «فولجانج» بالفعل عدة سنوات في السجن، إلى أن جاءت هزيمة 1967، والتى انتهت بأسر آلاف الضباط والجنود المصريين.. ومع نهاية الحرب طلبت إسرائيل، عبر الصليب الأحمر، استبدال الجاسوس «فولجانج» بـ3 آلاف أسير مصرى.
وأتذكر أنه في أحد الأيام، استدعانى رئيس المخابرات وأطلعنى على خطاب من الرئيس عبدالناصر وبطلب الإسرائيليين، استبدال الجاسوس بالأسرى المصريين.. ورغم أن الخطاب كان بمثابة تأشيرة موافقة من الرئيس إلا أننى قلت لرئيس المخابرات، وفى مذكرة تفصيلية، أرى أن ترفض مصر ورئيسها هذا العرض لأكثر من سبب، أولها أن الأسرى المصريين سيعودن لمصر لأنهم ليسوا مفقودين، ولكنهم مسجلون في الصليب الأحمر، وهم عبء حقيقى على إسرائيل وأنه من الحكمة أن نطلب المزيد من الأسرى.. وكنت أرى أن إسرائيل من الممكن أن تستبدله بـ7 آلاف أسير، والسبب الأهم في نظرى أن هذا الرجل خطير جداً، والمخابرات الإسرائيلية ستنشئ له مدرسة أو معهداً لتدريب رجال المخابرات، وكنت قد جلست معه طويلاً وأعرف أنه خطير للغاية.. وأعترف أيضاً بأننى تعلمت منه الكثير.
ولكن مذكرتى، لم تصل لأحد، ووافق عبدالناصر على الصفقة، وعاد الرجل إلى تل أبيب.. وبعد شهور معدودة أنشأ المعهد، ودرب عشرات المرشحين للعمل في المخابرات.. بل إننى علمت من مصادر أنهم منحوه بيتاً ضخماً ومكتباً خاصاً.. وبعد سنوات وصلتنى حلقة من برنامج تسجيلى أجراه التليفزيون الإسرائيلى، ركز فيها على طريقة القبض عليه وقال: «أوقع بى رجل مخابرات مصرى.. لا أعلم من هو.. ولكن من مناقشاتى معه ومن طريقة إيقاعه بى تأكدت أنه أفضل رجل مخابرات رأيته».
وأضاف: لا أعرف اسمه ولكنه رجل بشعر أشهب ونظارة سوداء.. ثم قال إنه «ثعلب مصرى».
[quote:6]
■ لكن تسميتك بـ«الثعلب» جاءت بعد ذلك بنحو 5 سنوات تقريباً من خلال عملية التنصت على «الموساد»..
- بالفعل.. ولكن في المرتين جاءت تسمية «الثعلب» من داخل إسرائيل!

الأحد 28-09-2014 20:29 | كتب: محمد السيد صالح
10)
10)تصوير : other
تحدث الفنان سمير الإسكندرانى لأكثر من صحيفة، وفى أكثر من برنامج إذاعى وتليفزيونى عن قيام الموساد بتجنيده فى نهاية الخمسينيات من القرن الماضى عندما كان طالباً فى أوروبا.
وروايات الإسكندرانى لقصته كانت متعددة الأحجام.. والحبكة التى يرويها من وحى خياله، لكن «الثعلب» كان له رأى آخر تماماً.. فهو روى لى خلال جلسة مطولة حكايته مع الإسكندرانى.. وكيف أنه اكتشف من ورائه شبكة جواسيس فى القاهرة والإسكندرية، علماً بأن هذه العملية بالذات كان الرجل «الثعلب» يعود إلى مذكرات بحوزته ليقرأ منها تفاصيلها:
■ فى منتصف يوم 11/10/1958 توجه شاب صغير السن إلى جهاز المخابرات العامة وطلب مقابلة أحد المسؤولين لإبلاغه بموضوع خاص بأمن وسلامة الدولة.
وبعد نصف ساعة من هذا البلاغ كان المواطن يجلس أمام أحد المسؤولين بمقاومة التجسس، ليسرد أمامه أسئلة الاستفسار التى كانت توجه إليه وكان هذا الشاب الصغير هو سمير فؤاد الإسكندرانى.
ومن خلال ما قدمه سجلنا التالى:
نشأ فى منزل متوسط لوالد يعمل تاجر «موبيليات» فى حى عابدين.. وفى هذا الوقت كان له شقيق اسمه سامى يدرس بجامعة جراتز بالنمسا.
والإسكندرانى من مواليد 1938.. وهو طالب بالسنة الثالثة بكلية الفنون الجميلة بالزمالك، قسم الرسم، وهو يجيد الإنجليزية والفرنسية والإيطالية.
التحق خلال دراسته عام 1955 بمدرسة ليلية إيطالية بالقاهرة فكان الأول فى الامتحان السنوى، فنال رحلة دراسية لمدة شهر بجامعة بيروجيا بإيطاليا.
وفى عام 1956-1957 واصل دراسته بالمدرسة الليلية وكان ترتيبه الأول ولكنه لم يسافر فى هذه السنة.
وفى عام 1957-1958 استمر فى دراسته بالمعهد الليلى وكان ترتيبه الأول، تحصل على منحة لقضاء إجازته الصيفية، وسافر إلى إيطاليا فى 15 يوليو سنة 1958.
«الإسكندرانى» الخيط الذى أوقع شبكة الجواسيس بالقاهرة والإسكندرية
كان سمير الإسكندرانى يقيم فى بلدة بيروجيا القريبة من روما والموجود بها الكلية الخاصة بتدريس اللغة الإيطالية لغير الإيطاليين.
وفى يوم 7 سبتمبر كان يراقص إحدى السيدات السويديات فى بار الجامعة، فتقدم منه شخص غريب عن الجامعة وشجعه وامتدح إجادته الرقص وهنأه على ذلك وسأله عن اسمه- ثم دعاه للجلوس معه- فلما ذهب إليه كرر عليه إعجابه برقصاته وإجادته الحديث بالإنجليزية وأن ذلك لا يتأتى إلى لمن درس اللغة الإنجليزية فى كلية فيكتوريا كولدج بالإسكندرية، وعرض عليه خلال هذه المقابلة رغبته فى أن يراه مرة أخرى لزيادة التعارف بعد أن قدم نفسه باسم «سليم».
تقابلا فى اليوم التالى، حيث رقصا مع فتاتين وكان سليم فى هذه المقابلة يبدو لطيفا سريع البديهة يجيد الإتيكيت.
استمرت مقابلاتهما بعد ذلك عدة مرات توطدت خلالها الصداقة بينهما وعرف منه سمير أنه لا يحب الاختلاط بالمصريين وأنه يعتبرهم حثالة وأنه كان يسميهم فلاحين- وكان ينظر إلى الغرب نظرة تقدير واحترام- وكان سمير يجاريه فى هذا الحديث.
اختفى سليم بعد ذلك فجأة دون إشعار سابق ثم عاود الظهور بعد ذلك بصحبة فتاة فنلندية.
فى مقابلات أخرى لاحقة سأله سليم عن أهدافه من ناحية التعليم فأجابه سمير بأن والده صاحب معرض موبيليات وأنه يرجو أن يسافر إلى السويد حيث الفن الرفيع فى هذه الصناعة، وللدراسة أيضاً، ولكنه لا يتوقع تحقيق ذلك لحالة والده المادية، فسأله عن رأيه فيما لو تمكن من تحقيق رغبته عن طريق القيام بأعمال ترجمة تستغرق منه مدة ثلاث ساعات يومياً نظير 80 ألف ليرة، فرحب سمير بذلك.
وفى مقابلة أخرى ذكر له أن العمل الذى سيسند إليه ربما يكون كومبارس وليس مترجماً فى «CINA CITTA» مدينة السينما الإيطالية.
لاحظ «سمير» أن «سليم» يركز على صداقته دون غيره من زملائه كما اكتشف بعض المتناقضات فى أقواله، حيث ذكر لبعض زملائه أنه يدرس الإلكترونيات فى لندن، بينما ذكر لآخرين أنه يدرس بجنيف، هذا علاوة على وجوده فى بلدة بيروجيا المخصصة لدراسة اللغة الإيطالية فقط وبقائه بها دون مبرر- كما علم من بعض أصدقائه أن سليم هذا يحمل جواز سفر أمريكياً- وقد ذكر سليم فى حديثة مع سمير أن الإيطاليين يسمونه «سنيور روبروتو أى روبير».
كل هذا دفع سمير إلى مسايرة المدعو سليم ومجاراته، لكنه شك أنه يهودى من الذين غادروا مصر.
عاد سليم إلى منزل سمير ظهر يوم 13 سبتمبر وطلب منه إعداد حقيبته بسرعة ليسافر معه إلى روما. وفى القطار عرض سليم حديثاً منشوراً بمجلة «تايمز الأمريكية» للرئيس جمال عبدالناصر، كما أطلعه على صور لفلاحين يستعملون الشادوف، مع معلومات حول ازدياد نسبة الفقر والجهل والمرض بينهم وعن بلدة «بنى مر» قرية عبدالناصر وذكر له أن الصحفى الذى كتب هذا الحديث أمريكى وأنه لا يعرف مصر جيداً وأن سليم هو الذى أملى عليه هذه البيانات نظير 700 دولار وأنه يكتب فى هذه الموضوعات كلما سمحت له الظروف.
أسلم وتزوج مصرية حتى يستطيع المعيشة وسط المصريين فاضطر أهل الزوجة أن يقبلوه لفقرهم وغناه- لذا فهو يشعر فى قرارة نفسه بالعطف على اليهود ثم وصلا إلى روما فأقاما فى بنسيون «بروتا» ثم فى بنسيون «أوروا» بجوار محطة روما وكان سليم يدفع الحساب بمعدل 2000 ليرة يومياً.
وخلال مقابلاتهما كان سليم يمهد لتسليم سمير إلى شخص آخر فكان يذكر له أنه سيقدمه إلى رجل ألمانى مهم، وبعدها كان يؤجل المواعيد التى كان يحددها لمقابلته لزيادة فضوله وشغفه وإشعاره بأهميته.
فى يوم 17 سبتمبر اتصل سليم تليفونيا بسمير وطلب منه أن يلبس أفخر الثياب ويتوجه إليه فورا بتاكسى وحدد له مكان المقابلة بجوار محطة روما فلما توجه إليه أعطاه مجلة «تايمز الأمريكية» و2000 ليرة وطلب منه أن يتوجه إلى قهوة «جرسو» بميدان إسبانيا وهى من أكبر المقاهى بروما ودخل سمير القهوة بمفرده حاملاً «التايمز» وبعدها بدقائق أحس بيد تربت على كتفه من شخص ناداه باسمه ودعاه بلهجة غير إنجليزية للدخول إلى ركن من أركان القهوة وقد عرف نفسه له باسم «جونثان أشمت».
خطة الموساد للإيقاع بـ«سمير» فى إيطاليا.. و«أشمت» أقنعه بتغيير اسمه لـ«هورست سام»
التقى سمير مع أشمت بقهوة «جرسو» وحياه بالإنجليزية، ثم سأله عن رأيه فى إيطاليا وعما إذا كان يحب أن يمكث بها وعما إذا كان يفضلها عن مصر وعن رأيه فى المصريين ونظام الحكم فى مصر وعما إذا كان سمير يعتقد بأن نظام الحكم فى مصر شيوعى.
كان سمير يجيبه الإجابات التى يعتقد أنها ترضيه وأنه لا يحب المصريين وأن نظام الحكم شيوعى وسيجلب الخراب والفقر.
بدأ أشمت حديثه بأن أهدافه هى إعادة الأموال التى صادرها عبدالناصر من اليهود الذين طردهم لعدم شرعية هذا الإجراء ثم توقف عن الكلام وذكر له بأن تنظيمهم لا يضم إلا الرجال وأن سمير لايزال صغيراً وأعطاه نموذج «بيانات شخصية» وذكر له أنه سيعرضه على تنظيمه ليقدر صلاحيته.
واتفقا على المقابلة الثانية صباح اليوم التالى مباشرة.
وفى المقابلة الثانية، حصل سمير على مبلغ 200.000 ليرة بإيصال وطلب منه أشمت السفر إلى بيروجيا لأداء الامتحان ثم العودة إلى روما يوم 27/9 وحدد له طريقة الاتصال كالآتى:
اصطحبه إلى مكاتب شركة «أمريكان إكسبرس» بروما لتحديد أسلوب المقابلات التالية وقادة إلى حجرة بها دفتر الزيارات وكان مقسماً إلى خانات وطلب منه أشمت أن يختار لنفسه أى اسم واتفقا أن يكون «هورست سام» وأن إقامته الدائمة فى هولندا.
عاد سمير إلى روما فى اليوم المحدد وتوجه إلى شركة أمريكان إكسبرس حيث نفذ ما اتفق عليه واتصل به أشمت فى الصباح وطلب منه الحضور إلى المقهى السابق ذكره.
لاحظ سمير تغييراً فى معاملة أشمت له إذ أصبحت معاملته بلطف وبطريقة مستحبة فاصطحبه إلى أحد المطاعم الفاخرة بروما بمنطقة فلابركيزى وتناولا الغداء فى مطعم «GASINAVALAGHIERE» ودفع أشمت 9000 ليرة ثمنا لذلك ثم سلمه مبلغ 24.000 ليرة كمصاريف إقامة أثناء الفترة من 27/9 إلى 4/10 «الموعد الذى حدده أشمت ليغادر سمير إيطاليا إلى القاهرة وعلى ظهر الباخرة اسيبريا من نابولى» واتفقا على المقابلة فى اليوم التالى فى نفس المكان.
وهو ما حدث فعلياً.. وفى هذا اللقاء سأله أشمت هل هو على استعداد للعمل فلما أجابه سمير بالإيجاب اصطحبه فى سيارة تاكسى إلى ضواحى روما حيث دخلا المنزل رقم 16 الدور 4 شقة 20 بميدان توماسونى.
وخلال أيام مقابلاتهما فى هذا المنزل أيام 29 و30 سبتمبر و1 و2 و3 أكتوبر درب خلالها على الآتى:
الكتابة بالحبر السرى والإظهار:
الموساد طلبوا منه معاينة مخبأ رئاسى بجوار مستشفى الدمرداش والمصانع الحربية بين حلوان والمعادى.. وتصوير إداريين فى القلعة وقصر النيل
أعطى أشمت سمير نوعا من الحبر السرى وقلم حبر وطلب منه أن يكتب بالطريقة الآتية:
القيام بغسل القلم عند كل كتابة ثم التأشير على الجهة التى سيكتب عليها من الورقة بالحبر السرى بعلامة خفيفة ثم يبدأ الكتابة بهذا النوع من الحبر مع عدم الضغط على الورق حتى لا تحدث أثراً مع وضع لمبة كهربائية فى الجهة المواجهة على زاوية الانعكاس مع الحبر وعينه- ثم بعد ذلك يضع الورقة فى محلول ماء وطباشير بنسبة كوب ماء إلى ملعقة بن من الطباشير وذلك لمدة 15 ثانية- ثم ينشف جيداً بنشاف وتوضع تحت ثقل مستو لمدة 3 ساعات على الأقل ثم تؤخذ الورقة ويكتب الخطاب العلنى على الظهر الآخر.
وأعطاه أشمت مادة لها رائحة الكولونيا وعلمه طريقة إظهار الكتابة وذلك بوضع هذه المادة على الصفحة البيضاء من الخطاب ثم مسح الخطاب بعد فترة بمادة الأمونيا.
وطلب أشمت من سمير عمل معاينة مصحوبة برسم لمحطة روما وكذلك لكبارى المدينة وبعض أماكن أخرى ثم شرح له أشمت رسماً تخيلياً للمصانع الحربية بحلوان وطلب منه رسم هذ الشكل الذى شرحه له وقد قام سمير بذلك خير قيام.
وكان أشمت يصر فى تقارير المعاينات التى يقدمها سمير أن يظهر فيها طريقة التحميل وأبعاد البنايات وطولها والتحميل البنائى.
ودربه أيضاً على طريقة كتابة التقارير وكان تركيزه على التقارير العسكرية وكان يشرح له بعض الأمثلة كأن يتخيل بعض المصانع الحربية فى مصر ويحدد أنها فى طريق المعادى فى اتجاه حلوان ويفترض له المقاسات وأرقام أبعادها وأكشاك الحراسة وعدد الجنود وأنواع البنادق والمدافع ومكاتب الاستعلامات ويطلب منه كتابة تقرير بهذه البيانات وأفهمه بأن المقصود من هذا هو اعانته على أن يضمن كتابة تقاريره المطلوبة.
وطلب أشمت من سمير أن يملأ ورقة «عقد» معنون بالآتى:
منظمة البحر المتوسط المناهضة للشيوعية والاستعمار
وهو عبارة عن عقد لمدة سنة قابلة للتجديد ووقع عليه أشمت فى مكان الرئيس وطلب منه التوقيع عليه ويتضمن العقد إقرار سمير «العضو الجديد» بأنه تحت الاختبار لمدة ثلاث أشهر يتقاضى عن كل شهر مائة دولار وهى أشهر اكتوبر ونوفمبر وديسمبر ويتعهد فيه بأن ينفذ تعليمات رئيسه التى يستمدها من رئيس المنظمة.
بعد ذلك سلمه مبلغ 300 دولار بإيصال وطمأنه بأن المنظمة لا تتخلى أبداً عن فرد من أعضائها وعمن تثبت جديتهم وإخلاصهم.
وطلب من أشمت أن يلبس أفخر ما لديه من ملابس، ويقابله يوم 3/10 ثم دعاه إلى مكان فخم للغاية حيث شربا كثيراً وتناولا العشاء واستمر أشمت فى تحذيره لسمير إن هو وشى بهم فبكى سمير وذكر له أشمت أنه اصبح لا يعتبره مصرياً وأنه سوف يعتبره يهودياً من هذه اللحظة وأن عليه أن يثبت نفسه مرة أخرى بالقاهرة وأنه لن يتخلى عنه وخلال المقابلة طلب منه أشمت الآتى:
- المبادرة بفتح صندوق بريد بالقاهرة باسمه فور وصوله.
- إرسال خطاب أو كارت عادى بمجرد وصوله إلى مصر، وبعدها يحاول الالتحاق بفرق الضباط الاحتياط.
- عليه أن يخطره قبل إلحاقه بالوحدات عند التوزيع بالجهات التى يمكنه الالتحاق بها حتى يختاروا الجهة الأكثر صلاحية ويستحسن أن تكون رئاسة هيئة الأركان حرب أو الإمداد والتموين.
- بعد الالتحاق بالوحدة عليه أن يكتب تقارير عنها وطريقة تكوين الوحدات مع موافاتهم بصور بعدد التقارير التى يستطيع الحصول عليها أو ملخصها.
- إجراء المعاينات الآتية خلال الثلاثة أسابيع الأولى بعد عودته لمصر:
1- محطة رادار موجودة بالقلعة.
2- مخبأ بجوار مستشفى الدمرداش يلجأ إليه الرئيس ومعاونيه فى حالة الطوارئ وأثناء هجوم عسكرى لوضع الخطط.
3- عامود خرسانى بجوار كوبرى قصر النيل به رادار.
4- المصانع الحربية ويعتقد أن أرقامها «23 أو 26 أو 27» بين حلوان والمعادى.
ذكر له أشمت أنه سيتقاضى مرتبه كل ثلاثة شهور بمعدل 100 دولار شهرياً خلاف المنح والمكافآت فى كل مرة يوافيهم فيها بمعلومات ذات قيمة وذلك عن طريق أفراد لا يعرفهم.
طلب أشمت من سمير أن يرسل له أربعة تقارير شهرياً على الأقل.
■ سألت رفعت جبريل: كيف تأكدتم من صلاحية سمير الإسكندرانى للعب دور العميل المزدوج؟
- فقال: علاوة على إخلاصه ووطنيته وولائه واستعداده للتضحية بمستقبله فى سبيل نجاح العملية، فإننا لمسنا ميله الطبيعى وحبه للمغامرة واستعداده لمواجهة ما قد يتعرض له من صعاب ومشاكل، وكانت هذه العملية مهمة للغاية لنا لأنها أول تجربة من نوعها لإدارة مقاومة الجاسوسية فى مجال تشغيل العملاء المزدوجين بالنشاط الإسرائيلى، مع تطبيق مبادئ المخابرات فى مجال العمليات السرية على موضوع حى فى الميدان، إضافة إلى جميع المشاكل التى تعترض مثل هذه العمليات وكيفية التغلب عليها سواء كان ذلك من ناحية سير العملية أو من الناحية النفسية للعميل المزدوج، فضلا عن اكتساب الخبرة العملية سواء كان ذلك عن طريق تشغيلنا للعملاء المزدوجين أو أساليب المخابرات المضادة فى تشغيل هؤلاء العملاء».
[quote:4]
■ لكن لماذا لم تقوموا بإجهاض العملية وتوقيف الشبكة من البداية؟
- كان هدفنا الأساسى أبعد من إيقاع عدد من الجواسيس فقط، ولكننا كنا نخطط للتعرف على الوسائل المختلفة التى يتبعها العدو فى تشغيل عملائه، واستنتاج نوايا العدو المستقبلية من خلال احتياجاته المختلفة، فضلا عن كشف وسائل الاتصال مع المخابرات الإسرائيلية بالخارج، والوصول إلى مصادر ووسائل تمويل العمليات السرية التى يقوم بها العدو داخل البلد، مع كشف العملاء الجدد لمخابرات العدو بالطبع، وكان من الضرورى لتحقيق هذه الأهداف كسب ثقة المخابرات الإسرائيلية فى العميل المزدوج، وافترضنا أن المخابرات الإسرائيلية لابد أنها ستجرى اختبارات مستمرة على عميلها الجديد، ويتوقف اختياره على تخطيه هذه الاختبارات بنجاح تام، الأمر الذى يستدعى منا اليقظة التامة والدراسة الوافية للأساليب التى قد يتبعها العدو، مع دراسة وافية لإمكانات العميل الفعلية من النواحى الاجتماعية والعلمية والشخصية.
■ نعود لسمير الإسكندرانى ومراحل تجنيده!
- من خلال عدد من الاختبارات وتسجيلنا لاعترافاته تأكدنا أن تقديره للمسؤولية كان ضعيفاً وذلك لصغر سنه، إضافة إلى الغرور الذى كان يتملكه من آن لآخر، حيث كان خيالياً فى تفكيره وآرائه، وكان ذهنه خالياً من أساليب المخابرات وقواعد العمل السرى. بناءً على ذلك كانت طريقة معاملته أثناء تشغيله خلال سير العملية ترتكز على عدد من الأمور من بينها تقوية الدافع باستمرار لديه، مع إعطائه تعليمات أمن مشددة وإبراز الخطورة التى قد تنجم عن أى خطأ أو تهاون فى تنفيذ التعليمات، مع إبراز أن العملية مازالت فى البداية ولم تحقق أى نجاح، وأنه باتباع تعليماتنا بدقة سنصل فى النهاية إلى النتيجة التى ترضيه، والتوجيه المستمر سواء كان ذلك باتباع قواعد الأمن أو لتنفيذ التعليمات الخاصة بسير العملية، وإجابة الاحتياجات المطلوبة فى المواعيد المحددة.
■ نصل إلى بداية عمل الإسكندرانى واتصاله بـ«الموساد» بعد استقراره فى مصر.
- فى أواخر أكتوبر 1958 قام «العميل المزدوج» بتنفيذ أول تعليمات المخابرات الإسرائيلية بإرسال بطاقة بريدية تفيد بوصوله إلى البلاد.. وبدء تنفيذ العمل، وفى بداية نوفمبر 1958 أرسل خطاباً سرياً أكد فيه أنه التحق بالعمل فى القسم الإيطالى بالإذاعة، وأنه تأخر فى إرساله الخطاب لتعرضه لبعض المضايقات بالمنزل ولمرضه لمدة أسبوع، وأشار فى الخطاب إلى أن «العميل المزدوج» لـ«الموساد» استطاع الحصول على بعض المعلومات المطلوبة، وأنه سيبعثها بعد تسلمه الرد من الموساد وتأكده أن خطابه الأول قد وصلهم، وراعينا فى صياغة هذا الخطاب عدداً من الأمور أولها: اعتماد نفس الطريقة التى انتهجها الموساد مع «العميل المزدوج» وكان الخطاب بخط يده، والاعتذار عن التأخير فى تلبية احتياجاتهم حتى هذا الوقت بسبب بعض المشاكل العائلية والتى كان «الإسكندرانى» قد تحدث عنها أثناء مقابلته للطرف الآخر، بالإضافة إلى مرضه، وتشويق الطرف الآخر وإيهامه بحصول العميل على بعض المعلومات المطلوبة مع إبراز حرص العميل وخوفه على أمنه بإظهار رغبته فى الاطمئنان على سلامة وسيلة الاتصال قبل إرسال أى معلومات.
■ وهل نال «الشاب» ثقة الموساد؟
- نجحت الخطة وبتفوق.. بل إن رجال الموساد فى أوروبا بعثوا عدة خطابات متتالية إليه يحثونه على سرعة إرسال المعلومات إليهم، وأنهم أعطوه مهلة ثلاثة أشهر فقط لترتيب أعماله، وحذروه بأنهم منحوه راتب ثلاثة أشهر دون أن يحصلوا على شىء، لكنهم ركزوا على أنه شاب مخلص وذو عزم قوى، وعرضوا فى هذه الخطابات تقديم خدماتهم للمساعدة فى حل مشاكله.
■ وماذا تم بعد ذلك؟
- بعدها بأسبوع واحد، قمنا بصياغة خطاب بالحبر السرى أيضاً، يحمل معلومات حقيقية عن بعض الرادارات وأشياء عسكرية أخرى، حتى يثق الموساد فى «الإسكندرانى» ولكن فى الوقت نفسه كانت هذه المعلومات لا تضر بالأمن القومى.. وبعد ذلك طلبوا من «الإسكندرانى» تجنيد عدد من معارفه المدنيين والعسكريين، على أن يؤكد لهم أنهم سيعملون لصالح جمعية دولية تسعى لمكافحة انتشار الشيوعية فى مصر، وأنهم سيحصلون على مكافآت مادية قيمة على شكل راتب شهرى بالدولار.
وواصل سمير الإسكندرانى إرسال خطاباته إليهم، بعدما كتبناها له، وكانت تتضمن عرضاً لمشاكله فى قسم الأخبار بالقسم الإيطالى بالإذاعة، وكيف أن الإيطاليين العاملين يضيِّقون عليه لعدم رغبتهم فى أن يعمل معهم واعتباره دخيلاً عليهم، فضلا عن تلميح حول أزمته المادية لإحجام والده عن إعطائه أية نقود، وبالفعل جاء الرد إلى العميل بتأكيدهم الرغبة الصادقة فى العمل معه وأنهم قرروا دفع مستحقاته المالية دفعة واحدة مقدماً حتى نهاية يونيو 1959.. واستقر الاتفاق فيما بعد على عدم إرسال هذه المستحقات عن طريق البنك وإنما عن طريق أحد عملاء إسرائيل داخل مصر.
■ كان هذه نقطة مهمة لكم بالطبع.. وهى الوصول إلى عميل آخر بدون أى جهد؟.. وللأمانة فإنه بالرغم من أن دور سمير الإسكندرانى كان محدوداً ولكن قبوله بالعمل كعميل مزدوج أفادنا كثيراً، واستطعنا كشف أكثر من شبكة جواسيس للموساد فى مصر من ورائه.. كما أننى كنت أعتبر قضيته نموذجاً للاهتمام بالتفاصيل الصغيرة مع الجواسيس.. بل إننى كنت أدرب الضباط فى بداية عملهم على تفاصيل العملية.. وما استفدناه من ورائها.. وهو للعلم لديه مكانة خاصة لدى «الجهاز».. وظل ملتزماً بنصائحنا بعدم السفر للخارج لسنوات طويلة بعد نهاية العملية.



ليست هناك تعليقات: