السبت، 22 أكتوبر 2011

القديسة مريم العذراء /مريم العذراء


Disambigua compass.svg هذه المقالة عن النظرة المسيحية التقليدية لمريم العذراء. لتصفح عناوين مشابهة، انظر مريم (توضيح).
مريم
מרים
ܡܪܝܡ ܒܬܘܠܘܬܐ
لوحة مريم الأم الحزينة، بريشة جوفاني باتيستا سالفي دا ساسوفيراتو، من القرن السابع عشر.
العذراء، والدة الله، سلطانة السماء والأرض، أم النور، الممتلئة نعمة، وغيرها (في المسيحية)[1]
سيدتنا مريم عليها السلام، الصدّيقة مريم عليها السلام، أم عيسى المسيح، مريم بنت عمران، خير نساء العالمين (في الإسلام)
الولادةغير معروف، يقام لدى أغلب الطوائف المسيحية في 8 سبتمبر.
الناصرة، الجليل أو القدس، مقاطعة اليهودية.[2]
الوفاةغير معروف، بحسب العقائد المسيحية انتقلت مباشرة إلى السماء ويقام تذكار ذلك في 15 أغسطس.
مبجل(ة) فيالكنيسة الكاثوليكية.
الكنائس الأرثوذكسية الشرقية.
الكنائس الأرثوذكسية المشرقية.
الكنيسة اللوثرية.
الكنيسة الأنجليكانية.
كنيسة المشرق الآشورية (دون أن تدعى والدة الله).
كنيسة المشرق القديمة (دون أن تدعى والدة الله).
تكرم بشكل واضح في الإسلام.
مكانة خاصة لدى الطوائف البروتستانتية.[3]
المقام الرئيسيانظر مزارات مريم العذراء.
تاريخ الذكرىانظر أعياد مريم العذراء.
شفيع(ة)السماء والأرض.
النسبيسوع (ابنها).
يوسف النجار (خطيبها حسب العهد الجديد).
أليصابات وسالومة (نسيبتاها حسب التقليد الكنسي).
يهوياقيم وحنة (والدها ووالدتها حسب التقليد الكنسي).
مريم العذراء أو القديسة مريم العذراء (بالعبرية מרים הבתולה مِريَم هَبِتوله وبالسريانية ܡܪܝܡ ܒܬܘܠܬܐ مِريَم بثولتا وباليونانية Παρθένος Μαρία برثينوس مريا) شخصية مميزة في العهد الجديد والقرآن كأم يسوع الناصري، بولادة عذرية دون تدخل رجل، حسب المعتقدات المسيحية والإسلامية.
وفق المعتقدات المسيحية فإن مريم كانت مخطوبة ليوسف النجار، عندما بشرها الملاك جبرائيل بحملها بيسوع وظلت بقربه حتى الصلبالكتب الأبوكريفية المختلفة وكتابات آباء الكنيسة تتكلم عن حياتها المبكرة وحتى بداية الدعوة العلنية ليسوع، وقد قبلت هذه الكتابات بنسب متفاوت كعقائد لدى الطوائف المسيحية، وقد صيغ عدد آخر من العقائد في المسيحية تعرف باسم العقائد المريمية تتحدث عن العذراء ودورها، التي أغدقت عليها الكنيسة أيضًا عددًا كبيرًا من الألقاب، فهي الملكة والمباركة والشفيعة المؤتمنة وغيرها من الألقاب التي تندرج في إطار تكريمها، الذي تعتقد الكنائس التي تفرد لمريم مكانة خاصة أنه جزء من العقيدة المسيحية، وفي سبيل ذلك أيضًا أقامت عددًا كبيرًا من الأعياد والتذكارات في السنة الطقسية خاصة بها، وأشيدت أعداد كبيرة من الكنائس والمزارات على اسمها، إلى جانب طرق مختلفة أخرى من التكريم، ويسمى علم دراسة مريم ودورها في الكتاب المقدسوالمسيحية الماريولوجيا ‏(en).
ولمريم العذراء أيضًا مكانة خاصة في الإسلام، فهي خير نساء العالمين، وترتبط بها السورة الثالثة في القرآنسورة آل عمران، وهي عائلتها وفق المعتقدات الإسلامية؛ والسورة التاسعة عشر في القرآن والتي تدعى باسمها: سورة مريم، وهي السورة الوحيدة في القرآن المسماة باسم امرأة.
ويعني اسم مريم القادم من اللغة العبرية المرارة، وهو من الأسماء الوسعة الانتشار في المجتمع اليهودي القديم، وكان أول من دعي به في العهد القديم النبية مريم وهي شقيقة النبي

حياتها المبكرة

Crystal Clear app kdict.png مقال تفصيلي :ميلاد مريم العذراء
لا تروي الأناجيل أو أية كتابات مسيحية رسمية عن طفولة مريم العذراء أو حياتها قبل البشارة، لكن هناك عدد من الكتب الأبوكريفية التي لم تعتمد في الكنيسة ككتب رسمية لعدم صحة نسبتها إلى التلاميذ الاثني عشر أو شخصيات مقربة منهم، أو لكتابتها في تاريخ متأخر عن سائر المؤلفات التي تدعى بالقانونية أو حتى بسبب أسلوب كتابتها الشعبي،[5] تتناول حياة مريم المبكرة بشكل مفصل، هناك إنجيل خاص يعرف باسم إنجيل مريم، وآخر يدعى إنجيل يعقوب وطفولة المخلص إلى جانب إنجيل رحلة العائلة المقدسة، وإنجيل حياة مريم وموت يوسف، وهي الأناجيل الأكثر ذكرًا للعذراء وحياتها المبكرة.[6]
تقدمة العذراء للهيكل وفقًا لرواية إنجيل يعقوب، اللوحة لدنيس كالفرت، القرن السادس عشر.
ورغم عدم الاعتراف بها كأناجيل قانونية غير أن هذه الأناجيل كانت ذات انتشار بين الجمهور المسيحيي في القرن الثاني والقرن الثالث وأثرت بشكل أو بآخر على العقائد المسيحية، فرغم عدم ذكر الأناجيل الرسمية عن طفولة العذراء شيءًا يحوي تقويم الأعياد والمناسبات الدينية يوم 21 نوفمبر سنويًا عيدًا خاصًا بتقدمة العذراء للهيكل،[7] ويذكر هذا الحدث في إنجيل بشارة يعقوب ويحدد عمر العذراء آنذاك بثلاث سنوات.[8] وقد تم اعتماد الحدث رسميًا نظرًا لاعتماده من قبل آباء الكنيسة في كتاباتهم ومؤلفاتهم واتفاقهم عليه.
بحسب الرواية الواردة في الكتب الأبوكريفية وتم اعتمادها في المسيحية الرسمية أيضًا فإن والدي العذراء كانا عجوزين لا أولاد لهما في حين كانت أمها عاقرًا لا تستطيع الإنجاب، الأمر الذي كان يعتبر عارًا في المجتمع اليهودي القديم ويجلب تعييرات المجتمع، لكن الرب أجرى معجزة لوالدتها فحبلت وأنجبت مريم بعد أن نذرت نذرًا بأن تهبها لله. وهذا ما حصل فعلاً، فعندما ولدت مريم قدمتها والدتها للخدمة في هيكل سليمان ولها من العمر ثلاث سنوات.[9].
إن إنجيل لوقا يذكر: عذراءً من الناصرة.[لوقا 26/1] الواقعة في الجليل دون أن يشير إلى القدس أو هيكل سليمان، ما دفع البعض لاعتبار الحادث رمزًا أو تقليد واكتفوا بأن تغدق صفات الحمد والثناء على مريم خلال تلك الفترة من عمرها: كانت مريم فتاة من فتيات الناصرة، تقوم بالأعمال المنوطة بهنّ، وتتردد إلى المجمع وتسمع التعليم الديني، وتصلي، إن الله قد اختار مريم وزينها بأجمل المحاسن، مؤهلاً إياها لتلد إبنه في الجسد وتحضنه وترعاه وتخدمه كما يليق بالقدوس.[10] فالراجح إذن حسب النظرية الرسمية في المسيحية أن العذراء وإن قدمها ذويها إلى الهيكل حسب رواية الكتب الأبوكريفية والتقليد الكنسي، إلا أنها قد عادت إلى منزل ذويها في الناصرة حيث قضت هناك عدة سنوات قبل خطبتها ليوسف النجار، خصوصًا أن النساء لم يكن المسموح لهنّ بالخدمة أو الإقامة في الهيكل لدى تجاوزهنّ سن الاثني عشر عامًا وهو عمر البلوغ وفق الشريعة اليهودية.[11] في حين يذكر إنجيل بشارة يعقوب المنحول أن يوسف من كفل العذراء إثر قرعة قام بها زكريا بعد تجاوز مريم الثانية عشر من عمرها.
على الرغم من أن إنجيل يعقوب يذكر أن يهوياقيم كان غنيًا بيد أن عددًا من الباحثين يشيرون خلاف ذلك، أو أن عائلة خطيبهايوسف النجار أقله لم تكن كذلك، فعند تقدمة يسوع وفق الشريعة اليهودية قام يوسف ومريم بتقديم ذبيحة الفقراء.[لوقا 24/1] يلفتاللاهوتيون النظر إلى كون: نشيد الفرح الذي شدت به لأليصابات يبيّن مدى معرفتها بالله وبالتقليد اليهودي وبكون أفكارها مملوءة بكلمات من العهد القديم.[12] ما يتفق مع الكتب الأبوكريفية والتقليد الكنسي بكونها تلقت تعاليمًا ودورسًا دينية.
استنادًا إلى إنجيل بشارة يعقوب ذاته وعدد من كتابات آباء الكنيسة فإن يوسف النجار كان له من العمر تسعون عامًا عندما كفل مريم،[13] ما يجعل ميلادها إذا ما حدد موعد ميلاد يسوع بين عامي 4 إلى 6 قبل الميلاد حوالي عام 18 قبل الميلاد، وتعتبر هذه النظرية رسمية في الكنائس الأرثوذكسية الشرقية والكنائس الأرثوذكسية المشرقية غير أنها تنتقد بشدة من قبل أغلب الباحثين وكذلك من قبل الكنيسة الكاثوليكية. فمن المعروف أن يوسف النجار كان حيًا عندما كان عمر يسوع اثني عشر عامًا،[لوقا 48/2] ثم لا يذكر في حياة يسوع العلنية مطلقًا؛ ومن المستبعد كما يرى الباحثون، أن يقوم رجل تجاوز المئة بالسفر إلى مصر أو أورشليم، ورعاية عائلة من جديد، خصوصًا أن الرواية الأولى تضيف أن ليوسف زواجًا سابقًا دام تسعًا وأربعين عامًا أنجب فيه ستة أولاد،[13] فالمعتمد في الكنيسة الكاثوليكية وكذلك الكنيستين اللوثرية والإنجليكانية إضافة لأغلب الباحثين عدم الأخذ بنظرية الأعمار الواردة في الكتب الأبوكريفية وإن قام عدد منهم بالأخذ بها كما فعل نيكوس كازانتزاكيس؛ علمًا بأنه وفق المعتقدات الكاثوليكية فإن العذراء عندما ظهرت في بلدة فاطمة البرتغالية عام 1917 وصفت من قبل الرؤاة بأن عمرها بين السادسة عشر والتاسعة عشر؛[14] وتحدد الكنيسة الكاثوليكية عمر يوسف النجار بنحو الثلاثين عند زواجه ووفاته بنحو الستين.[15]
بحسب التقليد المسيحي أيضًا، أي مجموع كتابات آباء الكنيسة الأوائل، فإن والدي العذراء هما حنة ويهوياقيم، ويحتفل بتذكارهما في 9 سبتمبر من كل عام،[16] أي بعد يوم واحد من ذكرى ميلاد مريم العذراء في 8 سبتمبر من كل عام حسب التقليد الكنسي أيضًا.[17]
هناك أيضًا جدل بين الباحثين حول نسب مريم العذراء وإلى أي سبط من أسباط بني إسرائيل تنتمي، فحسب بعض آباء الكنيسة كالقديس أمبروسيوس وبعض المفسرين البروتستانت للعهد الجديدأمثال ديفيد فيرمان وجيمس جالفن تنسب العذراء إلى سبط يهوذا الملكي، وبالتالي فإن يسوع ينتسب إلى سبط يهوذا من كلال ناحيتي أباه وأمه، يرى هؤلاء أن سلسة نسب يسوع الواردة فيإنجيل لوقا 3/ 23-38 هي نسبه من ناحية أمه مريم ويعتقدون أن هالي المذكور بعد يوسف هو حمي يوسف وليس والده،[18][19] البعض الآخر من الباحثين يرون أنها من سبط لاوي وذلك استنادًا إلى كون أليصابات قريبتها متزوجة من هذا السبط ولا يحق لليهود الزواج من غير سبطهم حسب تشريع سفر العدد، وتعتبر هذه النظرية الرسمية لدى الإسلام[20] وكذلك الكنيسة القبطية الأرثوذكسية،[21] غير أن العهد القديم يحفل أيضًا بذكر زوجات شخصياته من غير أسباطهم بل من غير بني إسرائيل رغم أن الشريعة اليهودية تحرّم ذلك، فلدى العودة من سبي بابل الكثير من الشرائع اليهودية سقطت. هناك أيضًا هناك رأي ثالث يغلب عليه الطابع التاريخي فالناصرة حيث ترعرت العذراء واقعة ضمن حدود سبط منسّى، لذلك فقد تكون العذراء من هذا السبط، وهناك عدد آخر من الباحثين كالأب الباحث سليم يمّين ووديع بشور يرون أن يسوع وأمه وعائلته ليسوا بيهود أصلاً وإنما سريان آراميون متهودون.[22]ً

[عدل]البشارة

Crystal Clear app kdict.png مقال تفصيلي :البشارة
أيقونة البشارة بحسب الفن اللاتيني، رسم باولو ميتاس،1712.
بين الأناجيل الأربعة القانونية ينفرد إنجيل متى وإنجيل لوقا بذكر ميلاد يسوع وبينما يذكر إنجيل متى باقتضاب: وكانت أمه مريم مخطوبة ليوسف وقبل أن يجتمعا معًا وجدت حبلى من الروح القدس.[متى 18/1] ينفرد إنجيل لوقا بذكر حادثة البشارة والتوسع بالأحداث السابقة للميلاد، ما دفع بعض آباء الكنيسة للقول بأن لوقا قد اجتمع مع مريم في مدينة أفسس ونقل منها الفصول المتعلقة بالميلاد.[23]
بحسب إنجيل لوقا فإنه عندما كانت أليصابات في الشهر السادس من حملها بيوحنا المعمدان،[24] ظهر ملاك الرب جبرائيلإلى عذراء مخطوبة لرجل اسمه يوسف من بيت داود، واسم العذراء مريم، فدخل الملاك وقال لها: سلام لك يا مريم، أيتها المنعم عليها، الرب معك، مباركة أنت بين النساء.[لوقا 27/1]
أيقونة البشارة بحسب الفن البيزنطي، تعرف أيضًا باسم الباب المقدس وهي تعود للقرن الثاني عشر.
إذاك تذكر رواية البشارة حسب إنجيل لوقا أن مريم قد اضطربت لكلام الملاك وتساءلت عن معنى هذه التحية،[لوقا 29/1] فأجابها الملاك: لا تخافي يا مريم، فقد نلت حظوة من عند الله، فستحبلين وتلدين ابنًا تسمية يسوع؛ سيكون عظيمًا وابن العلي يدعى ويوليه الرب الإله عرش داود أبيه، ويملك على بيت يعقوب إلى الأبد ولن يكون لملكه نهاية.[لوقا 30/1] فاستفسرت مريم من الملاك: كيف يحدث هذا وأنا لست أعرف رجلاً؟. فأجابها الملاك: الروح القدس يحلّ عليك وقدره العلي تظللك لذلك يكون المولد منك قدوسًا وابن الله العلي يدعى.[لوقا 35/1] بيّن الملاك لمريم أيضًا أن قريبتها (بحسب التقليد الكنسي ابنة خالتها) أليصابات حامل: ها إن نسيبتك أليصابات قد حبلت هي أيضًا بابن في شيخوختها، وهذا هو الشهر السادس لتلك التي كانت تدعى عاقرًا.[لوقا 36/1] إذاك قالت مريم: ها أنا أمة الرب فليكن لي حسب قولك.[لوقا 39/1] عندها انصرف الملاك من عندها، وبحسب المعتقدات المسيحية قد حملت مريم مباشرة بعد ذلك، ويحتفل المسيحيون حول العالم بعيد البشارة في 25 مارس كل عام أي قبل تسعة أشهر تمامًا من 25 ديسمبر موعد الاحتفال بميلاد يسوع المسيح،[25] ويخصص الأحد الثاني من زمن الميلاد لاستذكار الحادث أيضًا،[26] كما أن كنيسة البشارة في الناصرة لا تزال حتى اليوم المكان التقليدي وفق المعتقدات المسيحية لمكان حدوث البشارة.[27]
وجد بعض المفسرين للعهد الجديد بقول الملاك قوة العلي تظللك إشارة إلى سفر الخروج حيث ظلل الغمام الشعب الذي قاده موسى من مصر،[28] في حين يوضح بعض المفسرين الآخرين: إن العذراء ربما واجهت الكثير من الهزء والافتراء بسبب حملها، كما أن خطيبها يوسف أراد أن يفك خطوبته سرًا لما علم بالأمر.[29] لكن كما يعلن إنجيل متى فقد ظهر له ملاك الرب في الحلم وقال له: يا يوسف ابن داود لا تخف أن تأت بمريم عروسك إلى بيتك لأن الذي حبلى فيه إنما هو من الروح القدس.[متى 20/1] فيعتقد المسيحيون إذاك: غير يوسف خطته بعد أن اكتشف أن مريم كانت أمينة ومخلصة له فأطاع الله وتمم إجراءت الزواج كما كان ينوي، وقبل أنفضاح أمر الحمل.[30] إذ يقول القديس إمبروسيوس أحد آباء الكنيسةلكي لا يُظن أنها زانية. ولقد وصفت بصفتين في آن واحد، أنها زوجة وعذراء. فهي عذراء لأنها لم تعرف رجلاً، وزوجة حتى تُحفظ ممَّا قد يشوب سمعتها، فانتفاخ بطنها يشير إلى فقدان البتوليّة في نظر الناس. هذا وقد اِختار الرب أن يشك البعض في نسبه الحقيقي عن أن يشكُّوا في طهارة والدته... لم يجد داعيًا للكشف عن شخصه على حساب سمعة والدته.[31] أما مريم إثر زواجها فقد انتقلت إلى أليصابات في جبال يهوذا حسب إنجيل لوقا،[لوقا 39/1] ويحددها التقليد المسيحي بأنها عين كارم إلى الجنوب الغربي من القدس، وقد مكثت هناك إلى ما بعد ولادة يوحنا المعمدان، أي حوالي ثلاث أشهر.[32]
اعتقد المسيحيون السريان بشكل خاص، أنه حالما حبلت مريم فقد تصور يسوع في أحشائها كاملاً بعد أن أخذ طبيعته البشرية منها، ولم ينم كما ينموا الجنين العادي، يلتقي هذا الاعتقاد السرياني مع بعض الفقهاء المسلمون في تفسير القرآن،[33] ومع إنجيل مريم وطفولة المخلص المنحول،[34] غير أن الكنيسة لم تثبته ولم تنفه، ولا يزال يردد حتى اليوم طوال تسعة أيام قبل عيد الميلاد في جميع الكنائس التي تتبع الطقس السرياني معنيث أي نشيد يشير إلى هذا الاعتقاد:[35]
في حـالٍ الحُلولْ تصوّر كاملاً وجسمهُ ما بَرحْ
مُــتـحدًا بالنـفـسِ وَبـدهنٍ الفرحْ مسـيحًا انسمحْ
بالحـلـولْ والخـروجٍ وسُـكنَاهُ بإمهٍ عجيبًا اتضح

[عدل]زيارة أليصابات

Crystal Clear app kdict.png مقال تفصيلي :أليصابات
من نشيد مريم
تعظم نفسي الرب،
وتبتهج روحي بالله مخلصي،
لأنه نظر إلى تواضع أمته،
فها منذ الآن تطوبني جميع الأجيال،
لأن القدير قد صنع بي العظائم،
واسمه قدوس،
ورحمته إلى أجيالٍ وأجيالٍ للذين يتقونه.

إنجيل لوقا 1/ 46-50
أليصابات (يسار) تستقبل مريم في بيتها، رسم فيليب دي شامبين، القرن السابع عشر.
تعتبر زيارة العذراء إلى أليصابات من المحطات الهامة في أحداث الميلاد، وقد خصصت لها الكنيسة أسبوعًا خاصًا من أسابيع زمن الميلاد السبعة،[36] وكذلك تقيم تذكارًا لذلك في 2 يوليو من كل عام.[37] ينفرد إنجيل لوقا بذكر الحادثة، ويبدأ بذكر: في تلك الأيام[لوقا 39/1] دون مزيد من الإيضاح ما دفع بعضًا من آباء الكنيسة للقول بأن الحدث قد تم عقب الزواج الاسمي من يوسف النجار والبعض الآخر أنه قد تم عقب البشارةولحقه الزواج بيوسف، غير أن الرأي الأكثر شيوعًا أن الزيارة قد تمت بعد الزواج من يوسف،[38] يتابع إنجيل لوقاقامت مريم وذهبت إلى الجبال قاصدة مدينة من مدن يهوذا ودخلت بيت زكريا وسلّمت على أليصابات، ولما سمعت أليصابات سلام مريم قفز الجنين في بطنها.[لوقا 40/1]اكتسبت الآيات السابقة أهمية خاصة في المسيحية وفي كتابات آباء الكنيسة فهي تشير إلى إكرام خاص للعذراء وتشير أيضًا اللقاء الأول بين يسوعويوحنا المعمدان وكلاهما في الحشا.[39] ثمّ امتلأت أليصابات من الروح القدس وهتفت بصوت عالٍ قائلة: مباركة أنت بين النساء، ومباركة ثمرة بطنك.[لوقا 42/1] وقد أخذت الكنيسة عبارة أليصابات هذه مع عبارة الملاك جبرائيل لدى البشارة لتكوين الصلاة الأشهر للعذراء في المسيحية وهيالسلام الملائكي، وتابعت أليصاباتفمن أين لي هذا أن تأتي إليّ أم ربي؟ فإنه ما إن وقع صوت سلامك في أذني حتى قفز الجنين ابتهاجًا في بطني.[لوقا 43/1] غير أن المعترضين من الطوائف البروتستانتية رؤوا في الأصل اليوناني للكلمة بعدم استخدام أليصابات مصطلح يهوه وإنما مصطلح الرب إشارة لعدم شرعية اللقب،[40]بجميع الأحوال فإن مختلف المواقف والتفاسير تتفق أن الآيات تحوي إكرامًا خاصًا لمريم العذراء: فطوبى للتي آمنت أنه سيتم ما قبل لها من الرب.[لوقا 45/1] ينتقل لوقا حينه لذكر نشيد مريم الذي أنشدته خلال زيارتها لأليصابات وهو يتشابه مع المواضيع العامة للعهد القديمصورت مريم في نشيدها الله نصيرًا للفقراء والأذلاء والمحتقرين.[41] وذكرت بوعده بالخلاص،[لوقا 55/1]وبختام النشيد، يختم إنجيل لوقا زيارة العذراء: وأقامت مريم عند أليصابات نحو ثلاث أشهر ثم رجعت إلى بيتها.[لوقا 55/1] والراجح أن مريم مكثت في بيت زكريا إلى أن وضعت أليصابات ولدها، لكن لوقا أراد أن يختم موضوع سفر مريم قبل أن ينتقل إلى موضوع آخر أي مولد يوحنا المعمدان وتسميته وختانه،[42] أما في خصوص وقت الزيارة الطويل فهذا يعود: لصعوبة الانتقالات والمواصلات فضلاً عن ندرتها حينها، كانت الزيارات لفترات طويلة أمرًا عاديًا، ولا بدّ أن مريم كانت عونًا كبيرًا لأليصابات التي كانت تحتمل عناء حملها الأول وهي في سن متقدمة.[43]

[عدل]ميلاد يسوع

جزء من سلسلة

ChristianitySymbolWhite.PNG
|العقائد
تاريخ المسيحية
شخصيات مؤثرة
الكتاب المقدس
طوائف مسيحية
الحضارة
الحياة الدينية
كنائس وكاتدرائيات
مواقع مقدسة
انظر أيضا
ع · ن · ت
يقدم إنجيل لوقا الإطار العام لميلاد يسوع فقد أصدر أغسطس قيصر مرسومًا بإحصاء سكان الإمبراطورية الرومانية،[لوقا 1/2] ولهذه المناسبة: ذهب الجميع ليتسجلوا كل واحدٍ إلى بلدته، وصعد يوسف أيضًا من مدينة الناصرة بمنطقة الجليل إلى مدينة داود المدعوة بيت لحم بمنطقة الجليل، لأنه كان من بيت داود وعشيرته، ليتسجل هناك مع مريم المخطوبة له وهي حبلى.[لوقا 3/2] لقد استخدم إنجيل لوقا مصطلح خطيبته رغم أنها كانت زوجته آنذاك أمام المجتمع،[متى 24/1] وفي هذا إشارة إلى الاعتقاد المسيحي ببتولية مريم العذراء،[44] وبينما كانا هناك تمت أيامها لتلد،[لوقا 5/2] فيذكر إنجيل لوقا كيف ولدت يسوع ولفته بقماط وأنامته في مذود،[لوقا 7/2] إن ذكر المذود هو أساس الاعتقاد بأن يسوع ولد في حظيرة، فقد كانت الحظائر آنذاك عبارة عن كهوف تحوي مذودًا، ويعتبر هذا المكان مظلمًا وقذرًا، سبب ذلك لأن مريم لم تجد مكانًا لتضع فيه مولودها في منزل أو فندق،[لوقا 8/2] ويرى آباء الكنيسة في ذلك دروسًا روحيّة عديدة،[45] أما القماط فيسود الاعتقاد بأنه إشارة سابقة لتكفين يسوع وبالتالي موته.[46]
بحسب إنجيل يعقوب المنحول، فإن سالومة وهي أيضًا إحدى قريبات العذراء إضافة إلى قابلة مشرفة على ولادتها حضرا الميلاد؛ بحسب الإنجيل المنحول أيضًا فقد كانت سالومة تشكك في أن مريم قد حبلت فعلاً من الروح القدس وأنها كانت وستبقى عذراءً، فعندما ولدت العذراء تعجبت القابلة وسالومة فقد ظلت مريم عذراءًا على الرغم من ولادتها، إذاك هتفت سالومة وتهللت وآمنت بكل ما كانت مريم قد أخبرتها به.[47]
رواية الأناجيل المنتحلة عمومًا غير مأخوذ بها في الكنيسة أو في العقائد المسيحية غير أنها هامة لدراسة الفكر الديني لدى المسيحيين في القرون الأولى، كما أنها تعكس إكرام العذراء منذ العصور المبكرة فيالمسيحية،[48] أما في رواية الميلاد الرسمية لا تذكر سالومة أو القابلة، لكن يذكر رعاة وقد ظهر لهم ملائكة وأرشدوهم إلى مكان الميلاد: وجاؤوا مسرعين فوجدوا مريم ويوسف والطفل مضجعًا في مذود.[لوقا 16/2] وتختم رواية الميلاد: وأما مريم فكانت تحفظ هذه الأمور جميعًا وتتأملها في قلبها.[لوقا 19/2]

[عدل]الأحداث اللاحقة للميلاد

مريم والطفل يسوع، بريشة أنطونيو دي كوريجيو،1520.
يبدو بحسب الأناجيل أن إقامة مريم ويوسف قد طالت في بيت لحم،[49] فختن الصبي وسمي يسوع في يومه الثامن،[لوقا 21/2] وبعد أربعين يومًا صعدا به إلى أورشليم ليقدماه في الهيكل وفق الشريعة اليهودية، وترتبط التقدمة بأم المولود عمومًا، إذ تتم التقدمة بعد أربعين يومًا لأنها مدة تطهير المرأة التي وضعت مولودًا ذكرًا حسب الشريعة اليهودية، أما لو وضعت المرأة أنثى تطول مدة التطهير ثمانين يومًا،[50] وخلال التقدمة كانت في الهيكل سمعان البار، والنبية حنّة بنت فنوئيل،[لوقا 36/2] الذين أخذا حسب إنجيل لوقا بالتهليل والتسبيح لأنها أبصرا يسوع،[لوقا 26/2] وقدّم سمعان البار نبؤة: ثم باركهما وقال لمريم أم الطفل: ها إن هذا الطفل قد جعل سقوط كثيرين وقيام كثيرين في إسرائيل، وحتى أنت سيخترق سيف الحزن نفسك لكي تنكشف الأفكار عن قلوب كثيرة.[لوقا 35/2] وستشكل الآيتين السابقتين أساس الاعتقاد الكاثوليكي اللاحق بكون مريم “شريكة الفداء”.
الحدث الآخر اللاحق للميلاد والذي تظهر في العذراء هو زيارة المجوس الثلاثة ويظهرون في بعض الترجمات تحت اسم الحكماء،[51] على عكس ما هو شائع شعبيًا، يعتقد المسيحيون أن زيارة المجوس قد تمت وقد تجاوز عمر يسوع العام أو العامين،[52] وليس مباشرًا بعد الميلاد، (انظر إنجيل متى 16/2) يعتقد بعض اللاهوتيين المفسرين أن المجوس الثلاثة جاؤوا من العراق وربما كانوا من اليهود الذين ظلوا في بابل بعد العودة من السبي، غير أن بعضهم الآخر يعتقد أنهم جاؤوا من الأردن أو شبه الجزيرة العربية أي أنهم كانوا عربًا لأن هداياهم التي قدموها، الذهب والبخور والمر هي من الأشياء التي اشتهرت بها بلاد العرب،[53] ويرى بعض اللاهوتيين أيضًا أن النجم الذي قادهم إلى بيت لحم هو اقتران كواكب المشتري وزحل والمريخالذي تم بحدود العامين 5 إلى 6 قبل الميلاد:[54] ودخلوا البيت فوجدوا الصبي مع أمه مريم، فجثوا وسجدوا له ثم فتحوا كنوزهم وقدموا له هدايا ذهبًا وبخورًا ومرًا.[متى 11/2]
الهروب إلى مصر، بريشة بيتر بول روبنس، 1614.
بعيد رحيل المجوس أوحي ليوسف عن طريق ملاك في الحلمقم واهرب بالصبي وأمه إلى مصر وابق فيها إلى أن آمرك بالرجوع فإن هيرودس سيبحث عن الصبي ليقتله. فقام يوسف في تلك الليلة وهرب بالصبي وأمه منطلقًا إلى مصر.[متى 13/2] يشرح إنجيل متى بشكل مفصل عن الأسباب التي دفعتهيرودس الكبير لقتل يسوع ويذكر أنه أمر بأن يقتل جميع أطفال بيت لحم وجوارها من ابن سنتين فما دون لمحاولة القضاء عليه،[متى 16/2] ورغم أن مذبحة هيرودس الكبير المذكورة في العهد الجديد لم يشر إليها في كتابات المؤرخين الأقدمين، إلا أن المؤرخ اليهودي يوسف يذكر أن هيرودس كان سفاحًا دون مزيد من الإيضاح.[55]
نشاطات العائلة في مصر غير واضحة ولا يأت على أي ذكر لها في الأناجيل الأربعة، غير أن التقليد القبطي يذكر أن مدة الإقامة في مصر دامت ستة أشهر وأن العائلة قد استقرت في أسيوط، ويضيف التقليد القبطي خمسة وعشرين موقعًا أغلبها تحوّل إلى كنائس وأديرة شهدت فعاليات العائلة على طريق الذهاب إلى مصر ومن ثم العودة إلى فلسطين.[56]
جميع أحداث حياة يسوع اللاحقة، حتى بداية حياته العلنية لا يذكر عنها شيءًا في الأناجيل الأربعة، باستثناء ما يذكر في إنجيل لوقا من ضياع يسوعفي الهيكل خلال احتفالات عيد الفصح وله من العمر اثني عشر عامًا،[لوقا 44/2] وبعد أن بحثت مريم ويوسف النجار عليه وجدته بعد ثلاث أيام في الهيكل: جالسًا وسط المعلمين يستمع إليهم ويطرح عليهم الأسئلة. فقالت له مريم: يا بني لماذا عملت هكذا؟ فقد كنا أبوك وأنا نبحث عنك متضايقين.[لوقا 48/2] ويختم هذا المقطع أيضًا بعبارة: وكانت أمه مريم تحفظ هذه الأمور كلها في قلبها.[لوقا 51/2] وهي العبارة التي ختم بها مقطع الميلاد؛ علمًا أن العائلة قد استقرت في الناصرة منذ العودة منمصر.[متى 23/3]

[عدل]في حياة يسوع العلنية

يتناقص ذكر العذراء في الأنجيل خلال حياة يسوع العلنية، هذا يعود بشكل أساسي لكون الإنجيلآيات دونت لكم لتؤمنوا أن يسوع هو المسيح ابن الله ولكي تكون لكم الحياة الأبدية إذ تؤمنون.[يوحنا 31/20]فالأناجيل الأربعة تركز على شخص يسوع وأعماله وتعاليمه دون سائر الشخصيات على اختلاف أهميتها؛ سوى ذلك فإن العذراء لم تكن من الذين تبعوا يسوع في جولاته وتبشيره فلا يذكرها إنجيل لوقا 8/ 1-3في إطار ذكره للنساء اللواتي تبعنّ يسوع، ويتضح ذلك بشكل جلي في إنجيل متى 13/ 55-56 حيث يذكر أنها قد ظلت مقيمة في الناصرة، يعتقد المسيحيون أن في ذلك دروسًا وعبرًا عديدة:
   
مريم العذراء
فإنها كانت تعيش على الأرض حياة ملؤها الاهتمام بالشؤون العالمية والأشغال، ومع ذلك كانت على الدوام متّحدةً بابنها اتحاداً صميماً، مسهمةً في عمله الخلاصي إسهاماً لا مثلَ له على الإطلاق.[57]
   
مريم العذراء
إلى جانب ذلك فإن يسوع ينادى في إنجيل مرقس بالنجار ابن مريم،[مرقس 3/6] وينقل إنجيل لوقا مدحًا خاصًا لها خلال إحدى عظات يسوعطوبى للبطن الذي حملك وللثديين الذين أرضعاك.[لوقا 27/11] ويروي إنجيل يوحنا أنه كان يزورها بين الفنية والأخرى ويقيم عندها عددًا من الأيام،[58] غير أن الحدث الأبرز الذي تظهر به في حياة يسوع العلنية هو في عرس قانا الجليلفلما نفذت الخمر، قالت أم يسوع له: لم يبق عندهم خمر! فأجابها: ما شأنك بي يا امرأة؟ ساعتي لم تأت بعد؛ فقالت أمه للخدم: افعلوا كل ما يأمركم به.[يوحنا 2/2] حسب إنجيل يوحنا فإن يسوع استجابة لطلب أمه فقد أمر أن تملأ الأجران الستة المعدة للتطهير عند اليهود ماءً ثم أمر أن يقدم منها إلى كبير المدعوين، وإذ الماء قد تحول إلى خمر، فاستدعى كبير المدعوين العريس وقال له: الناس جميعًا يقدمون الخمر الجيدة أولاً، وبعد أن يسكر الضيوف يقدمون لهم ما كان دونها جودة، أما أنت فقد أبقيت الخمر الجيدة حتى الآن.[يوحنا 10/2] ويصف إنجيل يوحنا هذه المعجزة التي تمت بناءً على طلب مريم: بالآية الأولى التي أجراها يسوع في قانا الجليل.[يوحنا 11/2]
الحدث الثاني الذي تظهر فيه العذراء حسب الأناجيل هو عند صليب يسوع، وقد انفرد إنجيل يوحنا بذكرها، وعمومًا فإن المسيحية تذكر أربع نساء هنّ: مريم العذراء وسالومةومريم المجدلية ومريم امرأة قلوبا بأنهنّ النساء اللواتي وفقنّ عند صليب يسوع:[59] فلما رأى يسوع أمه والتلميذ الذي كان يسوع يحبه واقفًا بالقرب منها، قال لأمه: أيتها المرأة هذا هو ابنك، ثم قال للتلميذ: هذه أمك؛ ومنذ ذلك الحين أخذها التلميذ إلى بيته.[يوحنا 26/19]
منحوتة لميكيلانجيلو تظهر المرحلة الثالثة عشر من درب الصليب "أنزل عن الصليب ووضع في حضن أمه المسكينة"، يشرف عليها المجلس البابوي لإدارة تراثالكرسي الرسولي.
بحسب التقليد الكنسي فإن التلميذ الذي كان يسوع يحبه هو يوحنا بن زبدي كاتب الإنجيل الرابع نفسه،[60] وقد وجد المفسرون أنه بهذا الحادث تكون العذراء الإنسان الوحيد الذي رافق يسوع من ميلاده وحتى موته وهذا ما يزيد من أهميتها،[61] ويقول القديس يوحنا الذهبي الفم في هذا الخصوص:
   
مريم العذراء
حتمًا في هذه اللحظات كان قلب القديسة مريم قد انشغل تمامًا بآلام ابنها، أما هو فآلامه لم تشغله عنها، بل هي ثمرة حبه الشديد لها ولكل البشرية. في بادرة حنان أخيرة نحو أمه أراد أن يَّؤمن لها عناية وعونًا بعد ذهابه، فسلّمها إلى من كان يحبه، والذي يعلم أنه الأقرب إليه من كل تلاميذه. بلا شك كان يوسف النجار قد تنيح منذ سنوات، ولم يعد من يهتم بالقديسة مريم، لذلك سلمها السيد المسيح وهو على الصليب للقديس يوحنا الحبيب بكونها أمه وهو ابنها.[62]
   
مريم العذراء
ينقل التقليد الكنسي أن مريم كانت عند دفن يسوع وقد جاء في السنكسار الكاثوليكي الرومانييا مريم الأم الكلية الحزن، ما أمرّ سيف الوجع الذي ألم بقلبك عند نظرك ابنك يسوع العزيز مائتًا في حضنك.[63] غير أن الأناجيل لا تذكر مريم في القيامة حسب مختلف روايات العهد الجديد غير أن إنجيل مرقس يذكر سالومة،[مرقس 1/16] ضمن حاملات الطيب اللواتي زرن قبريسوع فوجدنه خاليًا، ومن المعروف أن سالومة هي إحدى قريبات مريم.
أيقونة بيزنطية تظهر انتقال مريم العذراء، وتعطي زنار ثوبها للقديس توماأحد الاثني عشر، لا يزال حسب التقليد، الزنار محفوظًا في كنيسة سيدة الزنار،حمص، سوريا.[64]

[عدل]بعد حياة يسوع العلنية

تذكر مريم في سفر أعمال الرسل 1/ 12-14 مع الحاضرين في أورشليم من التلاميذ الاثني عشر بعيد صعود يسوع إلى السماء وفق الكتاب المقدس وهي الوحيدة التي ذكرت باسمها؛ ويذكر السفر: أنهم كانوا جميعًا يداومون على الصلاة بقلب واحد.[أعمال 14/1] كذلك فقد كانت مريم حاضرة عند اختيار خلف يهوذا الإسخريوطي،2 وعند حلولالروح القدس، ويعتبر هذا الحدث هامًا إذ إنه وفق المعتقدات المسيحية فهو يمثل ميلاد الكنيسة،[65] وبداية عصر الرسل.
التقليد الكنسي يذكر أن مريم قد انضمت فعلاً إلى بيت يوحنا بن زبدي كما كان يسوع أوصى وهو على الصليب، ويذكر أيضًا أنها سكنت في بيته في أورشليم أحد عشر عامًا، ثم انتقلت وإياه إلى أفسس فيآسيا الصغرى، حيث قضت هناك سائر سنواتها،[66] ولا يزال بيت العذراء في أفسس المكان التقليدي الذي عاشت فيه مريم عند انتقالها من فلسطين.[67]
ورغم أن حياتها بشكل عام كانت هادئة إذاك غير أن عددًا من الأحداث الهامة أشرفت عليها: لقاؤها بلوقا الذي نقل عنها أخبار الميلاد والطفولة ووضعها في إنجيله،[49] ومساهمتها في إنشاء كنيسة أفسس، وكذلك رسم أولى الأيقونات،[68] وتأسيس كنيسة فيليبي التي كانت أولى الكنائس التي تبنى على اسمها في المسيحية.[69]
عادت مريم إلى أورشليم في سنيها الأخيرة، ومن غير المعروف كيف توفيت أو طريقة وفاتها، هناك بضعة ميامير (قصائد شعبية) تذكر أنها مرضت ومن ثم توفيت، وتجمع الطوائف المسيحية التي تبجل العذراء أنها قد انتقلت من جبل الزيتون بحضور من تبقى حيًا من التلاميذ الاثني عشر إلى السماء مباشرة؛ يأتي هذا الاعتقاد استنادًا إلى عدد من نبؤات العهد القديم، وتختلف الطوائف بتفاصيل الاعتقاد به؛[70] وبحسب التقليد المسيحي أيضًا فإن الانتقال قد تمّ بعد 13 إلى 15 عامًا من قيامة يسوع وبالتالي يكون قد تمّ بحوالي عام 43، ويسع القول أنها كانت بحدود الستين من عمرها آنذاك.3

[عدل]العقائد المريمية

البتولية الدائمة

أيقونة “صاحبة الجلالة”، من الفن البيزنطي، وترقىللقرن الثالث عشر.
يعتقد المسيحيون أن مريم قد مكثت بتولاً قبل الميلاد وفي الميلاد وبعد الميلاد،[71] ويعتبر هذا الاعتقاد أحد أركان الإيمان المسيحي لدى الطوائف التي تبجل مريم العذراء وأقدمها،[72] إذ قد ظهر في الكتابات المبكرة منذ القرن الثاني ويمكن رؤية ما يؤيده في الأناجيل، وسوى ذلك فعندما دار الجدال حول تفسير متى 1/25:ولكنه لم يعرفها حتى ولدت ابنًا فسماه يسوع. أقر مجمع نيقية عقيدة الدائمة البتولية حسمًا لأي جدال فيها.[73][74]
غير أن النقاش قد فتح مجددًا في أعقاب الانشقاق البروتستانتي في القرن السابع عشر معتمدين على آية إنجيل متى ذاتها، أما الطوائف التي تقر بعقيدة البتولية الدائمة فهى ترى أن لكلمة “حتى” معاني عديدة قد يدخل بها الزمن القادم أو لا وبالتالي لا يمكن الاعتماد عليها كدليل نهائي (انظر الحاشية للاستزادة)؛4 خصوصًا أن مريم لم تنادى أبدًا بأنها زوجة يوسف على الرغم من أنها الصيغة الشرعية والقانونية،[75] غير أن مؤيدو نظرية عدم البتولية الدائمة للعذراء، يرون أن ما ذهب إليه إنجيل مرقس دليلاً على صحة آرائهم: أليس هذا هو النجار ابن مريم أخا يعقوب ويوسي ويهوذا وسمعان؟ أوليست أخواته تقيم عندنا.[مرقس 9/6] بيد أن مؤيدو البتولية الدائمة يشيرون إلى أن كلمة “أخ” في المجتمعات السورية القديمة وكذلك في اللغة العبريةواللغة الآرامية تشمل جميع أبناء العائلة الواحدة لا تنحصر بالأشقاء فقط، وهكذا يدعى لوط أخًا لإبراهيم في سفر التكوين رغم كون إبراهيم عمه، يرى هؤلاء أيضًا ما يؤيد آرائهم، وهو أن اثنين من الأسماء الأربعة المذكورة في آية مرقس السابقة يذكرون في متى 56/27 أنهم أولاد مريم زوجة قلوبا إحدى قريبات مريم،[75] هناك أدلة أخرى تؤيد هذه العقيدة فعندما ضاع يسوعفي الهيكل بعمر اثني عشر عامًا لا نجد ذكرًا لإخوته، وخلال نزاعه على الصليب طلب من يوحنا بن زبدي رعاية أمه، وكان من باب أولى أن يعتني بها إخوته،[76] هناك أيضًا عدد من نبؤات العهد القديم الذي وجد آباء الكنيسة أنها تشير إلى بتولية العذراء الدائمة: حزقيال 2/44، نشيد الأناشيد 12/4، أما القديس كيرلس الإسكندري ينحو منحى المقارنة للبرهان عن العقيدة:إن ملاكي القيامة لم يجسرا على الجلوس في المكان الذي وضع فيه الرب في القبر(إشارة إلى إنجيل يوحنا 12/20 حيث يذكر أن ملاكي القيامة جلسا الأول عند الرأس والآخر عند القدمين.) فكيف يجسر إنسان أن يوضع في بطن العذراء.[77]
فقال لي الرب،
هذا الباب يكون مقفلاً، ولا يدخل منه رجل،
لأن الرب إله إسرائيل، قد دخل منه،
فيكون مغلقًا.

سفر حزقيال 2/44
يعتقد المسيحيون اللذين يؤمنون بالبتولية الدائمة،
أن الباب المذكور في النبؤة،
هو رحم العذراء حيث مكث المسيح تسعة أشهر.
كذلك تظهر هذه العقيدة في الأناجيل المنتحلة إذ جاء في إنجيل متى الثاني: ترتيب جديد في الحياة اكتشف بواسطة مريم التي وعدت الله أن تظل عذراء. وفي إنجيل مريم وطفولة المخلص: لن تعرف إنسانًا أبدًا فهي وحدها بدون نظير نقية بلا دنس.[77] علمًا أن مؤسسيالبروتستانتية الأوائل أقروا بعقيدة البتولية الدائمة، ولم تظهر عند مارتن لوثر وجان كالفن.[77]
ويظهر الاعتقاد بالبتولية الدائمة أيضًا في الفقه الإسلامي، من خلال كونها مطهرة عن مسيس الرجال.[78]

[عدل]الانتقال إلى السماء

عقيدة انتقال العذراء مريم بالنفس والجسد إلى السماء تعتبر أيضًا من أهم العقائد المسيحية حول العذراء، وهي أيضًا مشتركة بين مختلف الطوائف المسيحية التي تبجلها وإن بأشكال مختلفة؛ وقد ظهرت هذه العقيدة منذ القرون الأولى وتظهر في كتابات آباء الكنيسة إذ يقول القديس يوحنا الدمشقي: كما أن الجسد المقدّس النقي، الذي اتخذه الكلمة الإلهي من مريم العذراء، قام في اليوم الثالث هكذا كان يجب أن تُؤخذ مريم من القبر، وأن تجتمع الأم بابنها في السماء؛[79] أما القديس بطرس دميانوس فيقول: في صعودها جاء ملك المجد مع أجواق الملائكة والقديسين لملاقاتها بزفةٍ إلهية؛ ولهذه الأقوال نجد صدىً في الكتاب المقدس ولاسيما نشيد الأناشيد 10/2.[80] وتظهر عقيدة انتقال العذراء أيضًا في الطقوس المسيحية المبكرة، وكذلك في إفراد عيد خاص لها يوم 15 أغسطس يسبقه صوم مدته أربعة عشر يومًا؛[81] غير أن هذه العقيدة لم تبحث في مجمع ولم تثبت في نصوص رسمية إلى أن قام البابا بيوس الثاني عشر بإعلانها للكنيسة الكاثوليكية كعقيدة رسمية في 1 نوفمبر 1950،[82] بعد دراسة لاهوتية استمرت أربع سنوات،[79] وقال البابا حينها: إنها لحقيقة إيمانية أوحى الله بها، أن مريم والدة الإله الدائمة البتولية والمنزهة عن كل عيب، بعد إتمامها مسيرة حياتها على الأرض نُقِلَت بجسدها ونفسها إلى المجد السماوي.[83]
تيتيان استغرق عامين (1516-1518) لإنجاز جدارية انتقال مريم العذاء، المكونة من ثلاثة مستويات، وقد تكون أشهر الأيقونات المصورة للحدث.
يأتي هذا الاعتقاد في الكنيسة الكاثوليكية متوافقًا مع الرؤية المسيحية لدواعي الموت، فالإنسان يموت بسبب الخطيئة المتوارثة منذ آدم، وبصفة أن العذراء لم ترث هذه الخطيئة الأصلية فهي بالتالي لا داعي لموتها.[84]
الكنائس الأرثوذكسية الشرقية والكنائس الأرثوذكسية المشرقية وبعض الكنائس الكاثوليكية الشرقية يرون أن الانتقال قد تمّ بعد فترة قصيرة من وفاتها، فعندما توفيت حسب التقليد الشرقي في بستان الزيتون حيث نازع يسوع وشهد الحدث من بقي حيًا من التلاميذ الاثني عشر بعث جسدها بعد ثلاث أيام من جديد حيًا وانتقلت نفسها وجسدها إلى السماء، البعض من هذه الكنائس يرى أن جسدها انتقل إلى السماء من دون أن يبعث حيًا؛[85] تتعدد تفاصيل الروايات الأخرى باختلاف الأصول: فهي قدمت تذكارًا لتوما أحد التلاميذ الاثني عشر ممثلاً بحزام ثوبها، وبحسب القديس كيرلس الأورشليمي فإنها قد نقلت من بستان الزيتون إلى القدس ودفنت هناك، وعندما قام أحد اليهود باعتراض موكب الجنازة، اجترحت معجزة بشفاعتها،[86] وتعتقد الكنيسة القبطية الأرثوذكسية أن الانتقال قد تمّ بعد عدة أشهر من وفاتها وليس بعد فترة وجيزة،[87] وقد اكتشف في القرن السادس المكان التقليدي المسمى “قبر العذراء الفارغ” وشيدت هناك كنيسة رقاد العذراء التي لا تزال حتى اليوم المكان التقليدي الذي شهد انتقالها،[83] علمًا أنه يذكر في الكتاب المقدس عدد من الشخصيات التي رفعت أو انتقلت بدون موت إلى السماء كالنبي إيليا وأخنوخ.[88]
الكنيسة الأنجليكانية ذات موقف مختلف، فهي ترى أن الإنسان بعد موته لا يتجه مباشرة إلى الجنة بل يمكث حتى يوم القيامة والعذراء هي وحدها من دخلت روحها إلى الجنة مباشرة بعد موتها، أما جسدها فلم ينتقل.
تلتقي عقيدة انتقال العذراء بمختلف أشكالها مع النظرة المسيحية بكونها أولى المخلَّصين،[89] كذلك تعتبر هذه المناسبة عطلة رسمية في عدد كبير من دول العالم كلبنان وفرنسا وإسبانيا والغابونوغيرها.[90]

[عدل]سلطانة السماء والأرض

على الرغم من اختلاف المعتقدات المسيحية بكيفية انتقال العذراء إلى ملكوت السماوات، فإنها تجمع أنها قد باتت ملكة وجلست عن يمين الله استنادًا إلى نبؤة سفر المزاميرجعلت الملكة عن يمينك بذهب وفير.[مزمور 9/45] وأيضًا مما ورد في سفر رؤيا يوحناامرأة لابسة الشمس والقمر تحت قدميها وعلى رأسها تاج من اثني عشر نجمًا.[رؤيا 1/12] ولذلك تلقب مريم العذراء باسم ملكة السماء.[91]
ويرتبط مفهوم سلطانة السماء والأرض بمفهوم الشفاعة؛ يؤمن المسيحيون أن العذراء تقوم بدور وسيط بين الله والبشرية،[89] ويتضح دورها كشفيعة في العهد الجديد من خلال دورها في عرس قانا الجليل، فيسوع لم يرد اجتراح المعجزة ولكنه إكرامًا لوالدته اجترحها.[92] كذلك يتضح دورها كشفيعة في الظهورات المريمية اللاحقة التي يؤمن المسيحيون بصحة وقوعها،[93] غير أنّ مفهوم شفاعة العذراء يختلف في وجهة نظر هذه الكنائس عن شفاعة يسوع المسيح الكفارية (انظر الحاشية للاستزادة)5؛[89] وقد طوبت مريم كسلطانة للسماء والأرض مرات عديدة منذ آباء الكنيسة حتى أعاد البابا بيوس الثاني عشر في 1 ديسمبر 1942تكريس العالم أجمع لقلب مريم الأقدس؛ وأعلن بأن تكريس العالم لقلب مريم الأقدس يعني تكريس العالم لمحبة مريم العذراء.[93]
هناك أيضًا التكريس المحلي عندما تكرّس بلد أو منطقة ما للعذراء بغرض نيل شفاعتها في المعتقدات المسيحية، كتكريس بلجيكا،[94] وتكريس المكسيك،[95] وتكريس لبنان على يد البطريرك إلياس حويك في 20 نوفمبر 1909 حيث أعلن: يا مريم سلطانة الجبال والبحار وملكة لبنان العزيز، يا من تساميت مرتفعة كالأرز في لبنان. نسألك أن تباركي هذه الناحية التي امتازت منذ الأجيال الأولى بمباركتك.[96] تضيف الكنيسة الكاثوليكية بأن مريم هي سلطانة المطهر، كما أعلن البابا بيوس الحادي عشر سنة 1930.[97]

[عدل]ثيوتوكس: والدة الله

Crystal Clear app kdict.png مقال تفصيلي :ثيوتوكس
أيقونة ثيوتوكس فلاديمير أي والدة الإله سيدةفلاديمير.
نعظمك يا أم النور الحقيقي،
ونمجدك أيتها العذراء القديسة،
يا والدة الإله، يا ثيوتوكوس،
لأنك ولدت مخلص العالم،
فأتى وخلص نفوسنا.

قانون إيمان مجمع أفسس 431.[98]
لا يمكن اعتبار رفض نسطور بطريرك القسطنطينية تسمية مريم والدة الله، مرتبطًا بها بشكل مباشر، بل إن نسطور وكذلك الكنائس التي لا تزال تتبع عقيدته وهي كنيسة المشرق الآشورية وكنيسة المشرق القديمة يقرون مبدأ تبجيل العذراء وإكرامها؛ غير أن الخلاف الناشئ حول اللقب يأت من الخلاف حول يسوع نفسه؛[89] آمن نسطور كسائر المسيحيين بالثالوث الأقدس لكنه رفض اعتبار الابن ثاني الأقانيم الإلهية حسب المعتقدات المسيحية هويسوع، بل ظهر الابن أو تجلى في يسوع وقت العماد، وبناءً على نظرته نحو يسوع وجد نسطور أن لقب “والدة الله” يعتبر هرطوقيًا وأنه يجب استبداله بلقب “والدة المسيح”.[99]
عندما أدان مجمع أفسس عام 431 العقيدة النسطورية أقر رسميًا استعمال لفظ "ثيوتوكوس" (باليونانيةΘεοτόκος) للإشارة إلى مريم العذراء، تترجمفي اللغة العربية غالبًا بوالدة الله أو أم الله أو والدة الإله، وتعني حرفيًا في اللغة اليونانية مانحة الإله. أضاف المجمع أيضًا القسم الأخير من السلام الملائكيالصلاة الأشهر للعذراء في المسيحية، وهو: يا قديسة مريم، يا والدة الله، صلّي لأجلنا نحن الخطأة الآن وفي ساعة موتنا. آمين. كإقرار من آباء الكنيسة بمصطلح والدة الله وبعقيدة شفاعة العذراء.[100]
لا يشير المصطلح في العقيدة المسيحية إلى أن العذراء ذات طبيعة إلهية أو أنها إله لكونها قد أنجبت الإله، بل يشير أنها حبلت وأنجبت بيسوع الذي هو وفق المعتقدات المسيحية إله منذ الأزل، ولكونها قد حبلت بالإله تستحق أن تنادى والدة الله، وقد دعيت به صراحة في لوقا 46/1 وورد أيضًا في مجمع الإسكندرية المحلي الذي انعقد عام 320 لإدانة الآريوسية.[89]

[عدل]العقائد المريمية الكاثوليكية

تمثال سيدة الحبل بلا دنس في كاتدرائيةبورتو أليغري، البرازيل وهو يعود للقرن التاسع عشر.
تضيف الكنيسة الكاثوليكية بشكل خاص عددًا من العقائد الأخرى لمريم إلى جانب العقائد العامة، فهي شريكة في الفداء من خلال موافقتها على الحمل بيسوع عندما طلب منها الملاك جبرائيل ذلك في البشارة، إلى الجانب تفسير لوقا 2/ 34-35 بما يوافق كونها شريكة في الفداء؛[101] وهيلاهوت الكنيسة أي الحاضرة مع الجميع المراحل الهامة في الحياة الكنيسة منذ تأسيسها إلى الآن،[101] وهي أيضًا أيقونة الروح القدس، لأنها الوحيدة التي حبلت من الروح القدس وليس من ذكر؛[101] بيد أن أشهر العقائد الكاثوليكية تجاه مريم هما الحبل بلا دنس والوردية المقدسة.

[عدل]الحبل بلا دنس أو الـحُبل بها بلا دنس

تنص عقيدة الحبل بلا دنس، التي أقرها البابا بيوس التاسع عام 1854 أن العذراء مريم قد ولدت من دون أن ترث الخطيئة الأصلية، أي خطيئة آدم وحواء التي يرثها الجنس البشري؛ وذلك ليس بطاقاتها الذاتية بل كما ينص منطوق العقيدة: باستحقاقات ابنها يسوع المسيح،[102] أي أن يسوع قد خلّصها هي الأخرى كسائر المسيحيين إنما بنوع فريد قبل تبشيره وصلبه، وذلك منذ اللحظة الأولى التي تشكلت بها في بطن أمها؛[103] ولا تشير العقيدة إلى أن الحبل قد تمّ دون وجود اتصال جنسي، لكنها تشير إلى أن الروح القدس قد طهر مريم من الخطيئة الأصلية منذ اللحظة الأولى التي تشكلت فيها:[102] والهدف من العقيدة هو تبرئة العذراء من أي علاقة بالخطيئة؛ أي أنها طاهرة تماماً ليس لها خطية أصلية أو شخصية منذ اللحظة الأولى التي حبل بها وحتى وجودها كإنسان، نظراً للمكانة التي ستحتلها مريم بأن تكون أماً لله.[102] ويقول البابا بيوس التاسع في هذا الخصوص:
   
مريم العذراء
العصمة من الخطيئة الأصلية كانت لمريم هبة من الله وتدبيراً استثنائياً لم يعط إلا لها، ومن هنا تظهر العلة الفاعلة للحبل بمريم البريء، فهي من الله القدير، وتظهر أيضاً العلة الاستحقاقية بيسوع المسيح الفادي، والنتيجة هى أن مريم كانت بحاجة إلى الفداء وقد افتديت فعلاً، فهي كانت نتيجة لأصلها الطبيعي، لضرورة الخطيئة الأصلية، مثل أبناء آدم جميعاً إلا أنها بتدخل خاص من الله قد وقيت من دنس الخطيئة الأصلية، وهكذا افتديت بنعمة المسيح لكن بصورة أكمل من سائر البشر وكانت العلة الغائية القريبة للحبل بمريم البريء من الدنس هي أمومتها الإلهية.[102]
   
مريم العذراء
ترى الكنيسة الكاثوليكية أيضًا عدة شواهد من الكتاب المقدس تؤيد العقيدة مثل نشيد الأناشيد 7/4كلك جميلة يا حبيبتي ولا عيب فيكي. يعتقد المسيحيون أن النبؤة السابقة تتعلق بمريم وبصفة أن لا عيب فيها، فمن ضمن العيوب الخطيئة الأصلية؛[104] وكذلك وصفها بالممتلئة نعمة في لوقا 28/1 فالامتلاء من النعم يشمل التخلص من الخطيئة الأصلية أيضًا سوى ذلك: في بعض الترجمات نجد "المنعم عليها" وهذا اللفظ يجعلنا نتسائل عن زمن بداية هذا الإنعام وعن هذا الامتلاء بالنعمة، فلا بد أن يمتد ليشتمل على حياة العذراء كلها منذ اللحظة الأولى.[104] هناك عدد آخر من الشواهد يرتكز على سفر حكمة يشوع ابن سيراخ وغيره من أسفار العهد القديم.[104] إضافة إلى كتابات آباء الكنيسة الأوائل.[102]
أنا أم المحبة البهية،
والمخافة والعلم
والرجاء الطاهر.

سفر حكمة يشوع ابن سيراخ 24/24
تعترض الكنائس الأرثوذكسية المشرقية على عقيدة الحبل بلا دنس، وتراه يتعارض مع تعاليم الكتاب المقدس؛[105] الاعتراض يأتي بشكل أساسي من قول مريم في إنجيل لوقاتبتهج روحي بالله مخلصي[لوقا 46/1] غير أن اللاهوتيين الكاثوليك لا يرون في الآية السابقة تعارض طالما أن فعل التخليص قد تم بواسطة يسوع ابنها سواءً قبل الصلب أم بعده خصوصًا أن سفر المزامير يذكر أنّ: قدس العليّ مسكنه[مزمور 5/45] فكيف سيتخذ الابن جسدًا يحوي الخطيئة الأصلية مسكنًا له؛ الاعتراض الثاني يأتي من الرسالة إلى روما حيث يذكر شمولية الخطيئة الأصلية على جميع البشر، لكن اللاهوتيين الكاثوليك يرون أيضًا أن الرسالة إلى العبرانيين تذكر أن الموت جائز على جميع البشر مرة واحدة، ومع ذلك فإن العهد القديم والعهد الجديد يذكر أسماء عدة شخصيات اجترحت معهم عجائب خاصة فعادوا إلى الحياة وبالتالي يكونوا قد ماتوا مرتين، وليس مرة واحدة، فالاستثناء دائمًا جائز.[102]
الكنائس الأرثوذكسية الشرقية رفضت العقيدة لكونها من صلب الإيمان ولا حاجة لإعلان عقيدي خاص، تماشيًا مع نظرة هذه الكنائس للخطيئة الأصلية،[106] أما مارتن لوثر فقد قبل الحبل بلا دنس واستند في برهان ذلك إلى القديس أغسطينوس،[107] غير أن سائر البروتستانت فيرون أن العقيدة تدخل في إطار المهاترات اللاهوتية.[108]

[عدل]الوردية المقدسة

القديس دومنيك يتسلّم من العذراء والطفل يسوع المسبحة الوردية، ويظهر في أسفل الأيقونة بيوت التأمل الخمسة عشر؛ اللوحة لجودو ريني، 1596.
الوردية المقدسة أو المسبحة الوردية هي عقيدة وصلاة في الكنيسة الكاثوليكية،[109] تتألف من خمسة عشر بيتًا يتأمل خمس منها في الفرح وخمس في الحزن وخمس في المجد،[110] وقد أضاف البابايوحنا بولس الثاني عام 2002 خمسة أسرار جديدة تتأمل في النور.[110]
أصل المسبحة الوردية يعود للقرن العاشر أو القرن الحادي عشر،[111] حيث استعاض الرهبان عن تلاوة مزامير داوود وعددها مائة وخمسون بتلاوة مائة وخمسين سلام ملائكي، بنتيجة تفشي الأمية وعدم مقدرة القسط الأكبر من الشعب قراءة المزامير،[111] في القرن الثالث عشر قام القديس دومنيك بتطوير الصلاة الوردية فقسمها إلى خمسة عشر بيتًا واستحدثها بالشكل المتعارف عليه اليوم، وفقًا للمعتقدات الكاثوليكية وكذلك وفقًا لشهادة المؤرخ كاستيليوس فإن القديس دومنيك قام بهذا العمل بإيحاء من العذراء نفسها حين ظهرت له عام 1213 قرب مدينة تولوز في جنوب فرنسا،[112] وساهم تأسيس القديس دومنيك عام 1216 للرهبنة المعروفة باسمه وهي الرهبنة الدومنيكانية في نشر هذه الصلاة والتأكيد على أهميتها،[113] ثم اختصرت المسبحة في وقت لاحق إلى الثلث أي خمسة أبيات فقط، وخصص يومي الاثنين والخميس لأسرار الفرح، ويومي الثلاثاء والجمعة لأسرار الحزن والسبت والأربعاء لأسرار المجد، أما الأحد فينتقل موضوعه حسب موضوع السنة الطقسية في المسيحية.[114]
أما عن أصل التسمية فالوردية اشتهرت قبل القديس دومنيك باسم المزامير المريمية،[115] ولاحقًا دعيت باسم الوردية لأنها حسب المعتقدات الكاثوليكية تشبه بتنوعها باقة من الورود تقدم لمريم في إكرامها، ولكونها تلتقي أيضًا مع تشبيهات سفر حكمة يشوع بن سيراخ وسفر الجامعة في العهد القديم.[116]
اهتم البابوات المتعاقبون بالوردية فخصص لها بيوس الخامس عيدًا في 7 أكتوبر،[117] وأضاف غريغوري الثالث عشر إلى ألقاب العذراء لقب “سلطانة الوردية المقدسة” سنة1573،[117] ثم خصص إينوسنت الحادي عشر عام 1683 شهر أكتوبر برمته لمريم سلطانة الوردية،[118] أما ليون الثالث عشر فقد أصدر اثني عشر إرشادًا رسوليًا7 خلال حبريته للإشادة بالوردية ودورها،[119] وكذلك فعل البابا بيوس التاسع وبيوس الحادي عشر وبولس السادس وأخيرًا الإرشاد الرسولي الذي أصدره يوحنا بولس الثاني عام 2002 بعنوان المسبحة الوردية لمريم العذراء.
تعتقد الكنيسة الكاثوليكية أيضًا أن العذراء في ظهوراتها قد طلبت تلاوة الوردية بكثرة، كما حصل في ظهور لورد وظهور فاطمة وظهور سان دميانو.[120]



ليست هناك تعليقات: