لا يبدو ان محاولات التشويش الصالحية على المشاورات الدائرة في أروقة ودهاليز مجلس الأمن الدولي سوف تؤتي أكلها.
جل المؤشرات تؤكد ان تلك المشاورات ستمضي قدماً في طريق التوافق على مشروع قرار أممي بشأن اليمن.
بإستثناء فعل التوقيع، لا وجود لأي فعل صالحي يمكن ان يعيق الاتجاة الدولي الرامي الى استئناف بحث الوضع اليمني في مجلس الأمن واستكمال الخطوات اللازمة لفرض الحل على الطريقة الأممية.
لقد استنفد صالح معظم أوراقه في مراوغات وأكاذيب وألاعيب اسهمت في إطالة عمر نظامه بذات درجة إسهامها في استنزاف بقايا مصداقيته لدى العالم، هذا طبعاً إذا افترضنا جدلاً انه كان يمتلك مصداقية اساساً.
لم يبقَ له سوى بضع وريقات تقترب من الالتحاق بمصير الاحتراق الذي طال سابقاتها –ورقة الارهاب أنموذجاً- وهي وريقات لا تملك القدرة على تجنيب النظام مآلات الرضوخ اللائح لإرادة المجتمع الدولي.
بوسعنا القول ان الدول الكبرى باتت ترى ضرورة اعتماد الحل الدولي كأسلوب نهائي للتعاطي مع الملف اليمني وحسم المراوغات وسيناريوهات الخداع والتضليل التي دأب صالح ونظامه على ممارستها. سيعاد اذن فتح الملف اليمني في مجلس الأمن الدولي اليوم الثلاثاء، وستنتقل مطالب التغيير والتنحي من السياقين المحلي والاقليمي الى السياق الدولي لتتحول بذلك الى مطالب دولية.
لن تمكث تطلعات التغيير والتنحي طويلاً في خانة «المطالب» إذ سرعان ما ستتحول -بفعل الرفض الصالحي المتوقع- الى قرارات دولية ذات طابع إلزامي وذلك على طريق فرضها تحت طائلة الفصل السابع من الميثاق الاممي، وهي لحظة يعني الوصول إليها رفع الغطاء الدولي عن صالح ونظامه وتوصيفه كنظام مارق ومتمرد على الشرعية الدولية.
لقد أضحى الرجل منذ عودته معزولاً عن العالم تماماً، ولم يعد بوسعه التفاعل المباشر مع سفارات الدول الغربية بصنعاء كنتاج لتوجهات العزل.
يمكنه في الواقع ان يخاطب سفراء الدول الغربية بما يشاء، غير انه لن يتلقى جواباً مباشراً، فالسفارات وتحديداً الاميركية منها، لم تعد تملك صلاحية التواصل المباشر مع صالح، إذ أضحى تواصلها منحصراً في النائب عبدربه منصور هادي ووزير خارجية تصريف الأعمال ابوبكر القربي.
رغم انها تجاهلت الإجابة عن تساؤل بشأن الوضع القانوني لصالح، الا انها –اي المتحدثة باسم الخارجية الاميركية فكتوريا نولاند- كانت واضحة بقولها: مازلنا نتعامل مع هادي ولكن ليس لدينا اي اتصال مع صالح، وإضافت: لا أريد التعليق على الوضع القانوني لصالح ولكن عليه ان يتخلى عن السلطة ويوقع على هذه الوثيقة.
في الواقع، لايمكن الاكتفاء بتوصيف «البروفة» لنعت إجراءات العزلة التي يعانيها صالح، إنها بتعبير أدق: مقدمة لإجراءات تكميلية اكثر حزماً وصرامة: إما ان تعزل نفسك، وإما سنعزلك نحن بطريقتنا، تعبير يمكن استقراؤه كإحدى الدلالات الواضحة لإجراءات العزل الديبلوماسي المتبعة مع الرجل.
انهم ببساطة: يحاولون اقناعه باستحالة ان يبقى رئيساً تحت اي ظروف او أوضاع، فتعهدات التنحي بالنسبة إليهم تعني ان الرجل اضحى في حكم المتنحي فعلاً ولم يعد الاعلان عن ذلك رسمياً سوى إجراء شكلي ليس اكثر..!
هذا بالطبع لا يعني ان المجلس سيقرر تطبيق حزمة من العقوبات ضد نظام صالح، فالدلائل تشير الى ان المجلس لم يصل بعد الى مرحلة فرض العقوبات غير انه –في الوقت عينه- لم يعد ماكثاً في مربع الإعراب عن القلق!
عبارة من نوع: على الرئيس صالح ان يبدأ في تنفيذ المبادرة الخليجية دون إبطاء، ستكون كافية للتعبير عن التوجهات الجديدة التي يعتزم مجلس الأمن الدولي تبنيها تجاة الوضع في اليمن.
مع هذا، لازالت المجموعة الدولية تتوخى إبقاء الملف اليمني تحت طائلة الفصل السادس من ميثاق الأمم المتحدة الذي يتحدث عن الإجراءات الواجب اتباعها لحل المنازعات سلمياً عبر مجلس الأمن.
لا يبدو ان الملف اليمني سيمكث طويلاً تحت طائلة هذا الفصل، إذ ان الرفض الصالحي للحلول السلمية سرعان ما سيتسبب في تخليق قناعة دولية بضرورة الانتقال الى الفصل السابع الذي يجيز لمجلس الأمن حزمة من الاجراءات تبدأ بفرض العقوبات وتنتهي باستخدام القوة العسكرية لتنفيذ قرارات الشرعية الدولية.
تحاول الدول الغربية ان تحافظ على التوافق الدولي الراهن بشأن الملف اليمني، لذا تبدو اكثر التزاماً بفرضية التدرج في التصعيد الدولي ابتداءً بالفصل السادس واجراءاته وانتهاءً بالفصل السابع وعقوباته.
بخلاف الملف السوري، يحظى الملف اليمني بإجماع دولي يتركز حول مباركة الجهد الإقليمي المتمثل في المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية المقترحة أممياً.
سبق لروسيا والصين هنا ان عبرتا عن تأييدهما لتلك المبادرة وذلك عقب مشاورات أجراها مبعوث الرئيس ديمتري مدفيديف مع نظام صالح من جهة والمجلس الأعلى لأحزاب اللقاء المشترك من جهة اخرى. ورغم ذلك التأييد، إلا ان الدولتين اعاقتا إصدار بيان أممي في اول اجتماعات مجلس الأمن بخصوص الوضع اليمني قبل نحو ستة اشهر، وذلك على خلفية طلب من سفير ألمانيا في الامم المتحدة.
موقف الدولتين آنذاك لم يكن نابعاً من الحرص على النظام الصالحي بقدر ما كان دافعه الرغبة في إعطاء الجهد الإقليمي فاصلاً اضافياً من الوقت لإنجاز المبادرة وتنفيذها.
لقد وافقت الدولتان قبل اسابيع على تمرير البيان الأممي الأخير الذي أعرب فيه مجلس الأمن عن قلقه من الوضع في اليمن ودعوته الى ضبط النفس، وهي موافقة اكدت رغبة الدولتين في معاضدة الجهد الدولي الرامي الى تكثيف الضغوط على نظام صالح وإجباره على تنفيذ إلتزاماته بالتنحي ونقل السلطة.
بوسعنا الادعاء ان الرهانات الصالحية على فاعلية هذه الورقة سوف تجد طريقها الى السقوط لمسببات عديدة لعل ابرزها واعلاها شاناً التوافق الدولي حول المبادرة الخليجية كمنطلق وأساس لمعالجة الوضع في اليمن.
رغم ادراكه لصعوبة تعطيل هذا التوافق الاستثنائي، إلا ان نظام صالح لم يدخر جهداً في سبيل التأثير على الموقفين الروسي والصيني.
فخلال الأسبوع الآنف، عقد وزير خارجية النظام لقاءً مع السفيرين الروسي والصيني بصنعاء، ووفق بعض المصادر فإن القربي أعرب للسفيرين عن أمل النظام الصالحي في إعاقة الدولتين لأي قرار في مجلس الأمن بشان اليمن.
اللقاء بالسفيرين لم يكن الاجراء الوحيد الذي عمد إليه النظام، إذ سبق أن أقدمت قوات خفر السواحل على احتجاز سفينة أسلحة روسية وذلك قبل الافراج عنها بتوجيهات سياسية من صالح نفسه.
بالاستناد الى التصرفات العصاباتية لهذا النظام، لا يبدو مستبعداً هنا ان يكون النظام قد استخدم السفينة كأداة ابتزاز وضغط ضمن أدوات اخرى وذلك بهدف إثناء روسيا الاتحادية عن تأييد القرار الأممي الوشيك الذي يجري اعداده في كواليس مجلس الأمن.
تحركات النظام لا تبدو قادرة على إحداث فارق حقيقي في معادلة الأمر الواقع، تعدد التعليلات هنا لا يحول دون التعريج على ابرزها.
فالقرار المنتظر –كتعليل اول- سيأتي معززاً للمبادرة الخليجية التي سبق لروسيا ان وافقت عليها بمعية الصين.
كما انه –اي القرار- لن يتضمن (كتعليل ثان) عقوبات ضد النظام، إذ سيكتفي آنياً بمطالبته بنقل السلطة وتنفيذ المبادرة الخليجية. وبما ان صالح قد تعهد للعالم ولروسيا بتنفيذ المبادرة الخليجية ونقل السلطة سلمياً، فإن ذلك –كتعليل ثالث- يعني عدم وجود أي أطروحات في القرار المنتظر تتعارض مع وجهتي النظر الروسية والصينية.
خطاب صالح، محاولات التأثير على السفيرين الروسي والصيني، استمرار تدفق الأسلحة عبر البحر، ثلاثة مانشيتات تؤكد عزم النظام العائلي على تحدي إرادة المجتمع الدولي، وهو ما يعني استمرار المهرج صالح في مراوغاته عبر نقل السلطة الى احد رجاله كما قال في خطابه الأخير، وهي مراوغات ستحول دون تنفيذ قرار مجلس الأمن.
الوصول الى موقف كهذا سيجعل العودة الى اعتاب مجلس الأمن حتمية الحدوث، فمادام صالح يرفض الحلول الأممية ويتحدى إرادة العالم، فسيكون لزاماً على مجلس الأمن مبارحة الفصل السادس الى السابع واستبدال لغة الإلزام بأسلوب الفرض عبر تطبيق عقوبات جزئية او التلويح بها.
في تموضع كهذا، يمكن لورقة الاتجاة شرقاً ان تستعيد نزراً يسيراً من فاعليتها، وهنا تحديداً يمكن للصعوبات ان تطفو على السطح كنتاج لأي تغير قد يطرأ في الموقفين الروسي والصيني.
بالاستناد الى نهج الاستقراء، بوسعنا التكهن بالخطوات التي ستلي صدور قرار مجلس الأمن، إذ سيعود جمال بن عمر الى صنعاء معززاً بقرار دولي وذلك في محاولة لإقناع صالح ونظامه بتنفيذ القرار وتمرير المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية التي وافق عليها عبدربه منصور هادي.
سيستأنف المهرج صالح مراوغاته، وقد يتجه الى فرض واقع جديد، وحسب خطابه الأخير، فالواقع المشار إليه لن يخرج عن احد امرين، فإما اللجوء الى التصعيد العسكري، وإما الموافقة على نقل السلطة صورياً الى احد رجاله كما قال في هذا الخطاب بحيث يبقى حاكماً فعلياً هو وأسرته من الباطن.
ستلوح بوادر التعثر، وقد يضطر جمال بن عمر الى المغادرة ساحباً وراءه اذيال الفشل، عندها سيحاول صالح ممارسة هوايته القديمة «الاتجاه شرقاً» في محاولة للحيلولة دون نقل الملف اليمني الى إجراءات الفصل السابع، ساعتذاك ستجدد المخاوف من بروز تغييرات نسبية في الموقفين الروسي والصيني.
حينذاك ستتصف اي تحركات للمجلس الوطني والمشترك بمحدودية التأثير لكونها تمت في الوقت الضائع. نحن إذن امام لعبة دولية ينبغي إدارتها على نحو احترافي وواقعي يحقق لثورتنا المجيدة تطلعات التغيير المنشودة.
هنا بوسع المجلس الوطني بوصفه الإطار السياسي والقيادي للثورة اليمنية ان يشرع في تكثيف الاتصالات على المستوى الدولي والقيام بمباحثات ومراسلات دائمة.
وبما ان تكثيف الاتصالات مع اميركا والاتحاد الاوروبي يبدو حدثاً قائماً بالفعل، فإن ذلك التكثيف ينبغي ان يطال روسيا والصين ايضاً.
وفي صيغة العموم، يبدو المجلس الوطني مطالباً بإجراءات عملية وذلك على النحو الآتي: أولاً: تقديم تطمينات للأصدقاء بخصوص الاتفاقيات المبرمة مع نظام صالح.
ثانياً: التقليل من اهمية البيان الصادر عن المجلس الوطني بشأن إعادة النظر في الاتفاقيات الدولية الموقعة والتأكيد على ان اي توجه لإعادة النظر في تلك الاتفاقيات سيكون مقتصراً على الاتفاقيات التي تتعارض مع مصالح الشعب اليمني، ويفضل هنا الاشارة الى ان ذلك البيان لم يكن سوى تلويح فقط ولن تمارس قوى المجلس اي ضغوط لتطبيقه على الأقل خلال المرحلة الانتقالية.
ثالثاً: تأكيد حرص المجلس الوطني على تطوير علاقات التعاون والشراكة سواءً مع اميركا والاتحاد الاوروبي او مع روسيا والصين.
رابعاً: ابداء استعداد المجلس لمناقشة اي مطالب او افكار او اطروحات من قبل روسيا والصين.
خامساً: توظيف العلاقات التأريخية لبعض قوى الثورة مع الصين، وهنا بوسع الحزب الاشتراكي اليمني ان يؤدي دوراً مؤثراً عبر استغلال علاقته التأريخية مع الحزب الشيوعي الحاكم في الصين والبدء في محادثات ثنائية بين الحزبين بهدف الحصول على تأييد الحزب والدولة الصينية للثورة اليمنية وعدم معارضتهما لأي قرارات أممية تحت طائلة الفصل السابع.
أخيراً: سبق لي في مقال سابق تحت عنوان: الاتجاه شرقاً تعويذة صالح الأثيرة، ان بينت اهمية القيام بتحركات لإبطال مفعول هذه الورقة، وكتبت قائلا: بما ان إبطال فاعلية ورقة الاتجاه شرقاً مرتبط بمستوى تحركات قوى الثورة شرقاً، فإن التعويل على خطوات الاشقاء الخليجيين والاصدقاء الاميركيين لتعديل الموقفين الروسي والصيني لا يبدو تكتيكاً ناضجاً او حكيماً
جل المؤشرات تؤكد ان تلك المشاورات ستمضي قدماً في طريق التوافق على مشروع قرار أممي بشأن اليمن.
بإستثناء فعل التوقيع، لا وجود لأي فعل صالحي يمكن ان يعيق الاتجاة الدولي الرامي الى استئناف بحث الوضع اليمني في مجلس الأمن واستكمال الخطوات اللازمة لفرض الحل على الطريقة الأممية.
لقد استنفد صالح معظم أوراقه في مراوغات وأكاذيب وألاعيب اسهمت في إطالة عمر نظامه بذات درجة إسهامها في استنزاف بقايا مصداقيته لدى العالم، هذا طبعاً إذا افترضنا جدلاً انه كان يمتلك مصداقية اساساً.
لم يبقَ له سوى بضع وريقات تقترب من الالتحاق بمصير الاحتراق الذي طال سابقاتها –ورقة الارهاب أنموذجاً- وهي وريقات لا تملك القدرة على تجنيب النظام مآلات الرضوخ اللائح لإرادة المجتمع الدولي.
بوسعنا القول ان الدول الكبرى باتت ترى ضرورة اعتماد الحل الدولي كأسلوب نهائي للتعاطي مع الملف اليمني وحسم المراوغات وسيناريوهات الخداع والتضليل التي دأب صالح ونظامه على ممارستها. سيعاد اذن فتح الملف اليمني في مجلس الأمن الدولي اليوم الثلاثاء، وستنتقل مطالب التغيير والتنحي من السياقين المحلي والاقليمي الى السياق الدولي لتتحول بذلك الى مطالب دولية.
لن تمكث تطلعات التغيير والتنحي طويلاً في خانة «المطالب» إذ سرعان ما ستتحول -بفعل الرفض الصالحي المتوقع- الى قرارات دولية ذات طابع إلزامي وذلك على طريق فرضها تحت طائلة الفصل السابع من الميثاق الاممي، وهي لحظة يعني الوصول إليها رفع الغطاء الدولي عن صالح ونظامه وتوصيفه كنظام مارق ومتمرد على الشرعية الدولية.
بروفة عزل صالح
بوسعنا الادعاء ان إجراءات العزل التي يعانيها الرئيس صالح منذ عودته ليست سوى بروفة تمهيدية لما يمكن ان يكون عليه الحال إذا أصر على المضي قدماً في سياسات التشبث بالحكم ورفض دعوات ومقترحات المجموعة الدولية.
بوسعنا الادعاء ان إجراءات العزل التي يعانيها الرئيس صالح منذ عودته ليست سوى بروفة تمهيدية لما يمكن ان يكون عليه الحال إذا أصر على المضي قدماً في سياسات التشبث بالحكم ورفض دعوات ومقترحات المجموعة الدولية.
لقد أضحى الرجل منذ عودته معزولاً عن العالم تماماً، ولم يعد بوسعه التفاعل المباشر مع سفارات الدول الغربية بصنعاء كنتاج لتوجهات العزل.
يمكنه في الواقع ان يخاطب سفراء الدول الغربية بما يشاء، غير انه لن يتلقى جواباً مباشراً، فالسفارات وتحديداً الاميركية منها، لم تعد تملك صلاحية التواصل المباشر مع صالح، إذ أضحى تواصلها منحصراً في النائب عبدربه منصور هادي ووزير خارجية تصريف الأعمال ابوبكر القربي.
رغم انها تجاهلت الإجابة عن تساؤل بشأن الوضع القانوني لصالح، الا انها –اي المتحدثة باسم الخارجية الاميركية فكتوريا نولاند- كانت واضحة بقولها: مازلنا نتعامل مع هادي ولكن ليس لدينا اي اتصال مع صالح، وإضافت: لا أريد التعليق على الوضع القانوني لصالح ولكن عليه ان يتخلى عن السلطة ويوقع على هذه الوثيقة.
في الواقع، لايمكن الاكتفاء بتوصيف «البروفة» لنعت إجراءات العزلة التي يعانيها صالح، إنها بتعبير أدق: مقدمة لإجراءات تكميلية اكثر حزماً وصرامة: إما ان تعزل نفسك، وإما سنعزلك نحن بطريقتنا، تعبير يمكن استقراؤه كإحدى الدلالات الواضحة لإجراءات العزل الديبلوماسي المتبعة مع الرجل.
انهم ببساطة: يحاولون اقناعه باستحالة ان يبقى رئيساً تحت اي ظروف او أوضاع، فتعهدات التنحي بالنسبة إليهم تعني ان الرجل اضحى في حكم المتنحي فعلاً ولم يعد الاعلان عن ذلك رسمياً سوى إجراء شكلي ليس اكثر..!
اليمن بين الفصلين السادس والسابع
في قراره المرتقب بشأن اليمن، لن يكتفي مجلس الأمن الدولي بالإعراب عن القلق والدعوة الى ضبط النفس. مؤشرات شتى تؤكد ان المجلس سيكون أكثر وضوحاً في تحديد رؤيته والتعبير عن مطالبة معتمداً لغة الإلزام كبديل افتراضي لأسلوب النصح الذي برز في بيانه السابق.
هذا بالطبع لا يعني ان المجلس سيقرر تطبيق حزمة من العقوبات ضد نظام صالح، فالدلائل تشير الى ان المجلس لم يصل بعد الى مرحلة فرض العقوبات غير انه –في الوقت عينه- لم يعد ماكثاً في مربع الإعراب عن القلق!
عبارة من نوع: على الرئيس صالح ان يبدأ في تنفيذ المبادرة الخليجية دون إبطاء، ستكون كافية للتعبير عن التوجهات الجديدة التي يعتزم مجلس الأمن الدولي تبنيها تجاة الوضع في اليمن.
مع هذا، لازالت المجموعة الدولية تتوخى إبقاء الملف اليمني تحت طائلة الفصل السادس من ميثاق الأمم المتحدة الذي يتحدث عن الإجراءات الواجب اتباعها لحل المنازعات سلمياً عبر مجلس الأمن.
لا يبدو ان الملف اليمني سيمكث طويلاً تحت طائلة هذا الفصل، إذ ان الرفض الصالحي للحلول السلمية سرعان ما سيتسبب في تخليق قناعة دولية بضرورة الانتقال الى الفصل السابع الذي يجيز لمجلس الأمن حزمة من الاجراءات تبدأ بفرض العقوبات وتنتهي باستخدام القوة العسكرية لتنفيذ قرارات الشرعية الدولية.
احتمال العقوبات الغربية الانفرادية
ثمة مبررات عديدة لتبرير الحرص الغربي على إبقاء الملف اليمني تحت طائلة الفصل السادس من الميثاق.
فالدول الغربية لا تريد للتعارض الناشئ مع روسيا الاتحادية حول الملف السوري ان يعيد إنتاج ذاته في الحالة اليمنية. ورغم ان الدول الغربية تستطيع فرض عقوبات انفرادية على النظام الصالحي بعيداً عن مجلس الأمن، إلا ان ذلك لا يبدو خياراً متاحاً سوى في حالة واحدة ألا وهي: استعصاء التوافق مع الروس والصينيين وانعدام القدرة على فرض عقوبات أممية عبر مجلس الأمن.
ثمة مبررات عديدة لتبرير الحرص الغربي على إبقاء الملف اليمني تحت طائلة الفصل السادس من الميثاق.
فالدول الغربية لا تريد للتعارض الناشئ مع روسيا الاتحادية حول الملف السوري ان يعيد إنتاج ذاته في الحالة اليمنية. ورغم ان الدول الغربية تستطيع فرض عقوبات انفرادية على النظام الصالحي بعيداً عن مجلس الأمن، إلا ان ذلك لا يبدو خياراً متاحاً سوى في حالة واحدة ألا وهي: استعصاء التوافق مع الروس والصينيين وانعدام القدرة على فرض عقوبات أممية عبر مجلس الأمن.
تحاول الدول الغربية ان تحافظ على التوافق الدولي الراهن بشأن الملف اليمني، لذا تبدو اكثر التزاماً بفرضية التدرج في التصعيد الدولي ابتداءً بالفصل السادس واجراءاته وانتهاءً بالفصل السابع وعقوباته.
بخلاف الملف السوري، يحظى الملف اليمني بإجماع دولي يتركز حول مباركة الجهد الإقليمي المتمثل في المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية المقترحة أممياً.
سبق لروسيا والصين هنا ان عبرتا عن تأييدهما لتلك المبادرة وذلك عقب مشاورات أجراها مبعوث الرئيس ديمتري مدفيديف مع نظام صالح من جهة والمجلس الأعلى لأحزاب اللقاء المشترك من جهة اخرى. ورغم ذلك التأييد، إلا ان الدولتين اعاقتا إصدار بيان أممي في اول اجتماعات مجلس الأمن بخصوص الوضع اليمني قبل نحو ستة اشهر، وذلك على خلفية طلب من سفير ألمانيا في الامم المتحدة.
موقف الدولتين آنذاك لم يكن نابعاً من الحرص على النظام الصالحي بقدر ما كان دافعه الرغبة في إعطاء الجهد الإقليمي فاصلاً اضافياً من الوقت لإنجاز المبادرة وتنفيذها.
لقد وافقت الدولتان قبل اسابيع على تمرير البيان الأممي الأخير الذي أعرب فيه مجلس الأمن عن قلقه من الوضع في اليمن ودعوته الى ضبط النفس، وهي موافقة اكدت رغبة الدولتين في معاضدة الجهد الدولي الرامي الى تكثيف الضغوط على نظام صالح وإجباره على تنفيذ إلتزاماته بالتنحي ونقل السلطة.
لهذا لن ترفض روسيا والصين
سنزعم هنا ان ورقة «الاتجاة شرقاً» التي يحاول النظام استخدامها لمواجهة التوجهات الدولية الجديدة، لم تعد بدرجة التأثير التي كانت عليها خلال مراحل فائتة.
سنزعم هنا ان ورقة «الاتجاة شرقاً» التي يحاول النظام استخدامها لمواجهة التوجهات الدولية الجديدة، لم تعد بدرجة التأثير التي كانت عليها خلال مراحل فائتة.
بوسعنا الادعاء ان الرهانات الصالحية على فاعلية هذه الورقة سوف تجد طريقها الى السقوط لمسببات عديدة لعل ابرزها واعلاها شاناً التوافق الدولي حول المبادرة الخليجية كمنطلق وأساس لمعالجة الوضع في اليمن.
رغم ادراكه لصعوبة تعطيل هذا التوافق الاستثنائي، إلا ان نظام صالح لم يدخر جهداً في سبيل التأثير على الموقفين الروسي والصيني.
فخلال الأسبوع الآنف، عقد وزير خارجية النظام لقاءً مع السفيرين الروسي والصيني بصنعاء، ووفق بعض المصادر فإن القربي أعرب للسفيرين عن أمل النظام الصالحي في إعاقة الدولتين لأي قرار في مجلس الأمن بشان اليمن.
اللقاء بالسفيرين لم يكن الاجراء الوحيد الذي عمد إليه النظام، إذ سبق أن أقدمت قوات خفر السواحل على احتجاز سفينة أسلحة روسية وذلك قبل الافراج عنها بتوجيهات سياسية من صالح نفسه.
بالاستناد الى التصرفات العصاباتية لهذا النظام، لا يبدو مستبعداً هنا ان يكون النظام قد استخدم السفينة كأداة ابتزاز وضغط ضمن أدوات اخرى وذلك بهدف إثناء روسيا الاتحادية عن تأييد القرار الأممي الوشيك الذي يجري اعداده في كواليس مجلس الأمن.
تحركات النظام لا تبدو قادرة على إحداث فارق حقيقي في معادلة الأمر الواقع، تعدد التعليلات هنا لا يحول دون التعريج على ابرزها.
فالقرار المنتظر –كتعليل اول- سيأتي معززاً للمبادرة الخليجية التي سبق لروسيا ان وافقت عليها بمعية الصين.
كما انه –اي القرار- لن يتضمن (كتعليل ثان) عقوبات ضد النظام، إذ سيكتفي آنياً بمطالبته بنقل السلطة وتنفيذ المبادرة الخليجية. وبما ان صالح قد تعهد للعالم ولروسيا بتنفيذ المبادرة الخليجية ونقل السلطة سلمياً، فإن ذلك –كتعليل ثالث- يعني عدم وجود أي أطروحات في القرار المنتظر تتعارض مع وجهتي النظر الروسية والصينية.
العودة لمجلس الأمن
صدور قرار مجلس الأمن المنتظر وعدم اعتراض الروس او الصينيين عليه، لا يعني ان الأمور ستسير وفقاً لما تشتهيه سفن ثورتنا المجيدة. فالقرار المنتظر ليس سوى جولة من جولات صراع التدويل الذي استأنف العرض لتوة ولكن من نقطة المنتصف.
صدور قرار مجلس الأمن المنتظر وعدم اعتراض الروس او الصينيين عليه، لا يعني ان الأمور ستسير وفقاً لما تشتهيه سفن ثورتنا المجيدة. فالقرار المنتظر ليس سوى جولة من جولات صراع التدويل الذي استأنف العرض لتوة ولكن من نقطة المنتصف.
خطاب صالح، محاولات التأثير على السفيرين الروسي والصيني، استمرار تدفق الأسلحة عبر البحر، ثلاثة مانشيتات تؤكد عزم النظام العائلي على تحدي إرادة المجتمع الدولي، وهو ما يعني استمرار المهرج صالح في مراوغاته عبر نقل السلطة الى احد رجاله كما قال في خطابه الأخير، وهي مراوغات ستحول دون تنفيذ قرار مجلس الأمن.
الوصول الى موقف كهذا سيجعل العودة الى اعتاب مجلس الأمن حتمية الحدوث، فمادام صالح يرفض الحلول الأممية ويتحدى إرادة العالم، فسيكون لزاماً على مجلس الأمن مبارحة الفصل السادس الى السابع واستبدال لغة الإلزام بأسلوب الفرض عبر تطبيق عقوبات جزئية او التلويح بها.
في تموضع كهذا، يمكن لورقة الاتجاة شرقاً ان تستعيد نزراً يسيراً من فاعليتها، وهنا تحديداً يمكن للصعوبات ان تطفو على السطح كنتاج لأي تغير قد يطرأ في الموقفين الروسي والصيني.
اليمن على طاولة مجلس الأمن اليوم
من المرجح ان يستمع مجلس الأمن الدولي اليوم الثلاثاء الى ايضاحات من مبعوث امين عام الامم المتحدة جمال بن عمر، على ان يتم رفع مشروع القرار الذي دعا اليه اجتماع وزراء خارجية الاتحاد الاوروبي، الى المجلس، نهاية هذا الاسبوع، او بداية الاسبوع القادم.
من المرجح ان يستمع مجلس الأمن الدولي اليوم الثلاثاء الى ايضاحات من مبعوث امين عام الامم المتحدة جمال بن عمر، على ان يتم رفع مشروع القرار الذي دعا اليه اجتماع وزراء خارجية الاتحاد الاوروبي، الى المجلس، نهاية هذا الاسبوع، او بداية الاسبوع القادم.
بالاستناد الى نهج الاستقراء، بوسعنا التكهن بالخطوات التي ستلي صدور قرار مجلس الأمن، إذ سيعود جمال بن عمر الى صنعاء معززاً بقرار دولي وذلك في محاولة لإقناع صالح ونظامه بتنفيذ القرار وتمرير المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية التي وافق عليها عبدربه منصور هادي.
سيستأنف المهرج صالح مراوغاته، وقد يتجه الى فرض واقع جديد، وحسب خطابه الأخير، فالواقع المشار إليه لن يخرج عن احد امرين، فإما اللجوء الى التصعيد العسكري، وإما الموافقة على نقل السلطة صورياً الى احد رجاله كما قال في هذا الخطاب بحيث يبقى حاكماً فعلياً هو وأسرته من الباطن.
ستلوح بوادر التعثر، وقد يضطر جمال بن عمر الى المغادرة ساحباً وراءه اذيال الفشل، عندها سيحاول صالح ممارسة هوايته القديمة «الاتجاه شرقاً» في محاولة للحيلولة دون نقل الملف اليمني الى إجراءات الفصل السابع، ساعتذاك ستجدد المخاوف من بروز تغييرات نسبية في الموقفين الروسي والصيني.
وماذا بعد؟
رغم ان تحركات النظام في واقع كالذي بعاليه ستكون محدودة الفاعلية والتأثير كنتاج لمضاعفة الضغوط الدولية والاقليمية وتعزيز اجراءات العزلة، إلا ان ذلك لا يبدو كافياً لضمان عدم حدوث تغييرات في موقف الدولتين (روسيا والصين).
رغم ان تحركات النظام في واقع كالذي بعاليه ستكون محدودة الفاعلية والتأثير كنتاج لمضاعفة الضغوط الدولية والاقليمية وتعزيز اجراءات العزلة، إلا ان ذلك لا يبدو كافياً لضمان عدم حدوث تغييرات في موقف الدولتين (روسيا والصين).
حينذاك ستتصف اي تحركات للمجلس الوطني والمشترك بمحدودية التأثير لكونها تمت في الوقت الضائع. نحن إذن امام لعبة دولية ينبغي إدارتها على نحو احترافي وواقعي يحقق لثورتنا المجيدة تطلعات التغيير المنشودة.
هنا بوسع المجلس الوطني بوصفه الإطار السياسي والقيادي للثورة اليمنية ان يشرع في تكثيف الاتصالات على المستوى الدولي والقيام بمباحثات ومراسلات دائمة.
وبما ان تكثيف الاتصالات مع اميركا والاتحاد الاوروبي يبدو حدثاً قائماً بالفعل، فإن ذلك التكثيف ينبغي ان يطال روسيا والصين ايضاً.
وفي صيغة العموم، يبدو المجلس الوطني مطالباً بإجراءات عملية وذلك على النحو الآتي: أولاً: تقديم تطمينات للأصدقاء بخصوص الاتفاقيات المبرمة مع نظام صالح.
ثانياً: التقليل من اهمية البيان الصادر عن المجلس الوطني بشأن إعادة النظر في الاتفاقيات الدولية الموقعة والتأكيد على ان اي توجه لإعادة النظر في تلك الاتفاقيات سيكون مقتصراً على الاتفاقيات التي تتعارض مع مصالح الشعب اليمني، ويفضل هنا الاشارة الى ان ذلك البيان لم يكن سوى تلويح فقط ولن تمارس قوى المجلس اي ضغوط لتطبيقه على الأقل خلال المرحلة الانتقالية.
ثالثاً: تأكيد حرص المجلس الوطني على تطوير علاقات التعاون والشراكة سواءً مع اميركا والاتحاد الاوروبي او مع روسيا والصين.
رابعاً: ابداء استعداد المجلس لمناقشة اي مطالب او افكار او اطروحات من قبل روسيا والصين.
خامساً: توظيف العلاقات التأريخية لبعض قوى الثورة مع الصين، وهنا بوسع الحزب الاشتراكي اليمني ان يؤدي دوراً مؤثراً عبر استغلال علاقته التأريخية مع الحزب الشيوعي الحاكم في الصين والبدء في محادثات ثنائية بين الحزبين بهدف الحصول على تأييد الحزب والدولة الصينية للثورة اليمنية وعدم معارضتهما لأي قرارات أممية تحت طائلة الفصل السابع.
أخيراً: سبق لي في مقال سابق تحت عنوان: الاتجاه شرقاً تعويذة صالح الأثيرة، ان بينت اهمية القيام بتحركات لإبطال مفعول هذه الورقة، وكتبت قائلا: بما ان إبطال فاعلية ورقة الاتجاه شرقاً مرتبط بمستوى تحركات قوى الثورة شرقاً، فإن التعويل على خطوات الاشقاء الخليجيين والاصدقاء الاميركيين لتعديل الموقفين الروسي والصيني لا يبدو تكتيكاً ناضجاً او حكيماً
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق