الخميس، 6 أكتوبر 2011

خرائط مصر المجهوله




لدينا مشكلة في التعرف على مزاج المصريين ومواقفهم، حيث لا يستطيع أحد أن يدلنا ولو على نحو تقريبي هم مع ماذا أو ضد ماذا.

ذلك أن المنابر التي من خلالها تستطيع التعرف على الانطباعات العاكسة للمزاج العام تكاد تكون محصورة الآن في أربعة هي:
مليونيات يوم الجمعة
والبرامج الحوارية التي ثبتها قنوات التليفزيون.
وما تنشره صحف الصباح من تعليقات.
ومواقع التواصل الاجتماعي عبر الإنترنت،

لكن هذه المنابر كلها مجرحة، بمعنى أنه يتعذر التعويل عليها في تحديد اتجاهات الرأي العام في مصر. وغاية ما يمكن أن يقال بحقها إنها تعبر عن وجهة نظر بعض المصريين الذين يتعذر اعتبارهم عينة يعتمد عليها في التعرف على المزاج العام،

أستثني المليونيات التي خرجت أيام الثورة لسببين رئيسيين،
أولهما الأعداد الضخمة التي شاركت فيها،
وثانيها انتشار التظاهرات الغاضبة في مختلف المحافظات المصرية، الأمر الذي أعطى انطباعا أكيدا بأن ثمة إجماعا شعبيا على رفض النظام،
حتى المليونيات التي خرجت بعد ذلك أشك في أنها معبرة بصورة كافية عن المزاج العام، لأنها تحسب لصالح الفئات التي دعت إليها.

تعليقات الصحف وبرامج التليفزيون تعبر في أغلبها عن رأى أصحابها أو الاتجاهات التي ينتمون إليها، وكذلك مواقع التواصل الاجتماعي المقصورة على الشرائح التي يتعامل مع الإنترنت. وشأنها شأن ما تنشره الصحف ويبثه التليفزيون. تظل عاكسة لجانب من الصورة ويتعذر اعتمادها باعتبارها تمثيلا لكل الصورة.

ما دعاني إلى مناقشة هذا الموضوع أنني وقعت يوم الأحد الماضي (2/9) على نتائج استطلاع أجرى في تركيا ونشرته صحيفة «خبر ترك» ذكر أن شعبية حزب العدالة والتنمية الحاكم وصلت في أول شهر أكتوبر إلى 52.1 في المئة في حين أنها كانت 50 في المئة فقط في أول شهر يونيو الماضي.
استغربت الخبر، لأنه انصب على مؤشرات شعبية الحزب الحاكم خلال أربعة أشهر وغاظني التدقيق في النسبة لدرجة الحرص على ذكر الواحد من عشرة

في نفس اليوم، قرأت نتائج استطلاع عن اتجاهات الرأي العام الإسرائيلي نشرتها صحيفة يديعوت أحرونوت (في 28/9)، وأجرته قبل النشر بثلاثة أيام خبيرة معروفة هي الدكتور مينا تسيمح. وكان من بين تلك النتائج ما يلي:

- 88 
في المئة من الجمهور يرون أن مزاجهم العام جيد، بل جيد جدا.

- 66 
في المئة لا يؤمنون بأنه لن يكون هناك سلام مع الفلسطينيين على الإطلاق.

- 77 
في المئة مقتنعون بأن رئيس الحكومة لا يؤمن بإمكانية التوصل إلى اتفاق مع الفلسطينيين.

- 45 
في المئة من الإسرائيليين لديهم مخاوف عن استمرار وجود دولة إسرائيل، بمعنى أنهم يشعرون بتهديد وجودي رغم وضعهم الجيد.

يشعر المرء بالغيظ والحزن حين يقارن بين ما يقرؤه عن وضوح الخرائط السياسية والاجتماعية في مثل هذه الدولة وغيرها بالضباب المعرفي الذي يحيط بنا، خصوصا في ظل تباين الاجتهادات والرؤى في قراءة وضع مصر بعد سبعة أشهر من قيام الثورة، بين متفائلين ومتشائمين ومحبطين.

الأمر الذي يجعلنا في حيرة من الأمر، لأننا لا نكاد نعرف أي من تلك الاجتهادات يعبر عن المزاج العام، إذ ليس بمقدرونا أن نعرف رأي الناس في الثورة أو المجلس العسكري أو حكومة الدكتور عصام شرف، كما أننا لا نعرف شيئا في أوزان القوى السياسية التي تحفل بها الساحة.. إلى غير ذلك من التساؤلات المعلقة التي تظل بلا إجابة.

سألت أهل الاختصاص، فقالوا إنه لا توجد في مصر جهة مستقلة يمكن التعويل عليها في قياسات الرأي العام. حتى مركز معلومات مجلس الوزراء مشكوك في حياده لأسباب مفهومة،

صحيح أن مركز الأهرام للدراسات الاستراتيجية ومركز البحوث الاجتماعية يجريان دراسات لها صلة بالرأي العام، لكنها تظل جهودا محدودة لا يعتد بها في مواكبة تحركات ومؤشرات المزاج العام في البلد.

لا يحتاج هذا الغياب إلى جهد في تفسيره، لأنه إذا كان الرأي العام ليس مهما في رسم السياسات، وطالما أن أولي الأمر يتصرفون في الشأن العام بمعزل عن الرأي العام، فليس هناك ما يبرر الانشغال بقياساته ورصد توجهاته، بالتالي فإننا لسنا بصدد أزمة في استطلاعات الرأي بقدر ما أنها أزمة ديمقراطية.

وهذه يجب أن تحل أولا بما يعيد للرأي العام اعتباره، لكي تصبح قياساته بعد ذلك أمرا مطلوبا.

ليست هناك تعليقات: